[align=justify]سأبكي هنا قليلا !!
وسأتعمد الأنين !!
ذكروا لي في قديم الزمان خبرا مثيرا ومبهجا !! كيف لا ؟! والمعلن عنه هو " النادي الأدبي الثقافي " وأين ؟! في عرعر !!
فليستبشر المختنقون : ستلوث أجواء المدينة بنسائم الأوكسجين !!
نعم !!
كم كان الضيق والحنق يراودان أفئدة المثقفين وأدمغتهم !!
وكم كانت الأفكار تضل السبل وهي تلتمس بصيصا من نور !!
ولكن الخبر مازال خبرا !! وإن جف حبره ، مع مراعاة بون الإثارة ، فالمواد الحافظة بدت أقل مقاومة وثباتا ، وبعض السبب لا كله : أن الأيام جرت وتجري وستجري !!
ولكن ... يا أمنا الغولة !! يا وزارة الإعلام :
لم كل هذا ؟!
أما زال التردد سمة السلوك ؟!
أم أن الحذر دالة تتحقق قيمتها هنا وهنا فقط ؟!
أتكون المدينة منارة بمصابيح الأعمدة الكهربية فحسب ؟!
أوليس فيها من يزن على الطويل والوافر والكامل - وغيرها من البحور - ألذ ما يثير ويثور من الشعر والشعور ؟!
أوليس فيها من يجيد صياغة الأحداث ورسم الشخوص ؟! وإلزام الزمان بمعانقة المكان ؟! واستنطاق العقدة وفرض الحبكة ؟!
أوليس فيها من يلجم الميتافيزيقيا ؟
أوليس فيها من يلتزم بنبل الصراع وأبجديات التلاقح الأيديولوجي ؟
أوليس فيها مثقفون ؟!
أوليس ...
أيها الأشداء ...
سلامة من النعت بالتهديد ، وحفظا لبقية ماء الوجه من القذف بالتنديد ، أخالني أهلا لدفع الشبه ، ورد المظالم !!
نعاني نحن المثقفين - والنصب هنا لعلتين أولاهما بيان ضعف الحال وثانيتهما التخصيص - أقول : نعاني من صقيع الروتين الإداري ، وشدة منظومة أسها المزاج الحاد ، وتنتابنا رتابة العمل الورقي ... والأمر من هذا ، جفاء الآخر الذي مرة يقذفنا بالفلسفة ، وأخرى بالعدائية ، وثالثة بالكبر ، ونحن عنده - لا شك - في الحالات كلها "حزب تنظير" !!
وجاء الفرج ، وقال قائلنا : " سنستدرجهم للنور بعد الظلمات ، وسنحررهم من الجهالة الجهلاء ، ... ، وسيحبوننا !! " .
نعم همنا تفاؤلا بالقرار ، ولكننا الآن نقر بالتشاؤم !!
فلا المبنى شيد !!
ولا المعنى سيد !!
فلنقم دقيقة صمت حدادا على موت البهجة ، وسيد الموقف : " رشاقة عبارة خرساء " !!
أنا شخصيا - والعياذ بالله ممن يحسنون إساءة الظن - صاحب علاقة أمتن قليلا من (كرشتي الموقرة) ، بأكثر من ملتقى أدبي أو تجمع ثقافي ، هنا وهناك ...
تنفست فيها الصعداء ، واسترسلت البشر ، واستلطفت الحياة ...
وللسائلين عن حاجتنا إلى مبني بديع ورفيع ، أقول مجيبا : نعم نريد مبنى بسمات عصرية ، تجيد حجارته نطق حروف المعجم ، ويستلذ طلاؤه التحايل على حركات النص الإعرابية ، وعلاماته الترقيمية !!
ولكن ...
أيها السادة ، لست أرى الأساس في الإسمنت والتراب ، فقد سئمنا أكل المعلبات واستنشاق الثرثرة ... ولكننا بما تقدم ، أردنا تأكيد أن الدافعية شرط لازم للإنتاج !
أتعلمون من هو فرس الرهان ؟
أتعلمون من الذي سيزن المعادلة ؟
إنهم البشر !! نعم البشر !!
إنهم صانعو فرق التوقيت ، وهم المحرك ، لا المحرك !! ( أي بكسر الراء المشددة لا بفتحها )
لا بد في المختارين من الدراية والكفاية ، والمسألة هنا ليست في المقام الأول مسألة شعر أو أقصوصة أو رواية ، بل هي الجرأة ، والقدرة على تسليط العقل المفكر الحالم ، مجهرا يدقق ويوثق ، ويلهم المشرط الحاني آلية الإصلاح !!
نعم ، فالنادي الأدبي الثقافي منارة مستهد بالله ، يلتمس الضياء !! وهو مؤسسة اجتماعية بناها المجتمع بإرادة واعية ؛ لتعود على أبنائه وعلاقاته الإنسانية بالنفع !!!
فليس النادي الأدبي الثقافي فرصة تمرد وتجرد ، وليس مكان غرور وغطرسة ، وليس دائرة ورقية ، يمتطي فيها كل خامل صهوة كرسيه ، وهو يترنم على صمت قلم لم يزأر ، ولم يهمس ، ولم تصبه يوما نوبة زكام !!
أرى - والمبصر بعينيه غير الرائي بفكره - أن لأي عاقل حق ترشيح نفسه لعضوية هذا النادي ، فليتقدم الشجاع ، ولكن ... ليعلم أنه لن يكون المطاع ، ما لم يخضع - شاء أم أبى - لاختبار قيمه التنويرية - حتى وإن بينه وبين نفسه - وليعلم بأنه مسؤول لا سائل !! فطاعتنا إياه ليست طاعة عمياء مطلقة !! فليكفه فخرا أننا سنسمعه دوما !!
ومن بالغ بالزهد ، فليثنه المخلصون عن انطفاءته !! وليثيروا غريزته الإصلاحية ، فليس كل صامت أخرس !! ولعل لسان حاله هنا يثرثر : " لا أمتلك كثيرا من المال ، ولكنني أدبر القليل منه بعقل متزن " !!
أريد من النادي الأدبي الثقافي أن يكسب المجتمع لغة التغيير ، لا للتغيير ؛ بل لأن هناك ما يدعو للإحلال أو الحذف أو الإبدال ...
أريده أن يفقهنا في صناعة السلوك ، وأن يجعلنا أكثر اجتماعية ، وأن تكون علاقاتنا علاقات إنسانية خالية من الشوائب النفسية ...
أريده أن يجعلنا نميز بين القناعة والتصديق ، وأن نميز بين ما نريد أن نكون عليه وبين ما يجب أن نكون عليه فعلا !!
أريده أن يساعد في الحد من ظاهرة الملل !!
أريده أن يثقف المجتمع كما هي الثقافة ، فليست الثقافة معلومات تحفظ ثم تلفظ ، وليست كبسولات معرفية تؤخذ منها حبة بعد كل وجبة !! بل هي تناول المعروض بما يتفق والبدهي من الفروض ، ويعني السلامة من الرضوض !! وهي أسلوب الحياة الحضاري ، الآخذ بالأسباب ، المستشرف بالألباب ما وراء النظرة والفهم التقليديين ...
أريده أن يجعلنا أكثر تكيفا مع الجديد ، السائد والسديد ، وأن يجعل لغة الحوار مع الآخر لغة عصرية ، هادئة ، مرنة ...
أريده أن يلزمنا ببعد النظر ، وحساسية الشم ، ودقة السمع ، وأن يحررنا من رق العادة المشينة ، وأن يدفع عنا فتنة جفاء ما حكمنا عليه بالسوء بجهلنا ، فالإنسان أسير ما تعود ، وعدو ما جهل ...
أريده أن يتبنى حتى أشباه المواهب ، وأن يصير ضعف الواهن إلى قوة ، فالمحبطون كثر ، والخوف يصنع الهدم ...
أريده أن يصل بنا إلى الآفاق ، بفكر تتبناه المطابع ، وصوت يطرب المسامع ، فالإعلام وقت الحرب سلاح ، وحين السلم رسالة ...
ولنتذكر ...
الحواس الخمسة هي نوافذ المعرفة ، والدائرة 360 درجة ، وبثمان وعشرين حرفا ألفت الكتب ، والفوضى المرتبة أعلى درجة من الترتيب الفوضوي ، ومع هذا ، ما زلنا أمة من ورق ...
دمتم أنقياء أتقياء ... والبقاء لله ... ( انتهى )
هلال بن مزعل [/align]
مواقع النشر (المفضلة)