"أطيب الذكريات لمعدد الزوجات" الحلقة الرابعة عشر

نهضت سريعا حين سمعت الداعي الكريم يطلب حضوري إلى قسم النساء من المنزل..و لبست مشلحي وعدلت من هندامي..وودعت عديلي الذي رأيت في عينيه شيئا غريبا يبدو أنه مزيج من عنصر التطفل للاطلاع على مشروعي الجديد بالإضافة إلى عنصر آخر لم أتبينه لعله نوع من الحسد اللطيف الذي لا يكاد يشعر به صاحبه..وسامحني يا عديلي المحترم..

ومشيت خلف أخيها الأكبر وقد انتابني الفرح الملهوف المحاط بشباك من القلق الخفيف وقطعت ممرا وصالة ثم ممرا وهناك التفت إلي وقال:خلك واقف!!!..

فامتثلت الأمر ووقفت وكان هناك باب مفتوح دخل منه الصهر الجديد..وتداعت إلى سمعي أصوات النساء مختلطة بصرخات للأطفال..

ثم دعاني بقوله:تفضلْ ادخل اقلط..

فلم أتردد لحظة ودخلت متصنعا الهدوء وبدأت أشعر بأن قلبي يخرج عن نطاق السيطرة..

وانصرف صهري و دخلت مجلساً كبيراً فرأيت عروسي جالسة في صدر المجلس وحولها الأطفال يلعبون ويصرخون ويزعجون وينكدون..و ورأيت امرأتين..تبين أن إحداهما أم العروس وحماة الهنا..والأخرى خالة العروس وكانت الاثنتان من القواعد من النساء..

فقطعت الطريق إلى عروسي بين جموع الأطفال المحتشدة وهتافاتهم المؤيدة وتعلق أحدهم بمشلحي وعرفت بعد ذلك أنه أصغر أبناء زوجتي في السابعة من العمر ولكن شقاوته وغلبته تغلب شقاوة جميع من رأيت من الأطفال..

فنهره خاله..وواصلت سيري سالما حيث قامت العروس حين اقتربت والابتسامة الحلوة قد أطلت فوق وجهها المشرق..

فمددت يدي الكريمة لمصافحتها وكدت أصنع معها ما يصنعه الرجال حين الالتقاء من الأسفار من التقبيل على الخد..ولكني تذكرت وتوقفت وفرملت ولله الحمد..

ومكثت هنيهة أو ثلاث هنيهات وهو الراجح..ممسكا بيدها الدافئة الناعمة المليئة بالحب والحنان أو هكذا خيل إلي..

حتى سمعت صوتا انبعث من جواري قائلاً:

مبروك يا وليدي مبروك..فالتفتُ فإذا بوالدتها بجلبابها الأبيض تتبسم..

فقالت عروسي:هذه الوالدة الله يطول لنا في عمرها..

فأسرعت بالتأمين..اللهم آمين..اللهم آمين..

وقلت:الله يبارك فيك يا أم فلان ..وصافحتها وسألتها عن صحتها..وأشارت إلى العجوز التي بجوارها حيث كان ترمقني بعينين قويتين..وقالت هذه أختي خالة فلانة أي عروسي..

فسلمت عليها من بعيد..وتذكرت المثل الرائع:خلك بعيد حبك يزيد..

ووجدت أنها تنظر إلي بتركيز شديد..فحاولت استعادة شريط اليوم وخفق قلبي وتساءلت في نفسي سريعا:هل قرأت الأوراد مساء هذا اليوم!!!..فإن نظرات تلكم العجوز بعينين كالجوز ربما ينالني منها مكروه كفانا الله عين الحسود..

طبعا كانت تلك المواقف السريعة تكاد تضيع وسط صراخ الأطفال وتشاجرهم وتلاعبهم..

وبينما كنا وقوفا جاءت بناتها الثلاث ربائب سعادتي وسيادتي بنات زوجتي للسلام علينا وجاء الابنان يسلمان على زوج أمهما..ولكن الصغير حين أمسك بيدي أخذ يحاول التعلق بي فأردت أن أجامل-وقاتل الله المجاملة في بعض الأحيان-وأقوم بحمله كي أظهر قدرا من اللطافة والظرافة وكان خفيف الوزن..ولكنه ما كان ليدع ذلك المشهد ليكتمل..حيث قام يصادم ويلاكم فصوب إلى وجهي لكمة ثقيلة فوق أنفي أطاحت بنظارتي أرضاً..وصرت أحاول الخلاص منه وهو يسعى بكل وسيلة للاشتباك معي حتى جره من ياقة عنقه أخوه الكبير..

طبعا لم تنفع معه كل كلمات: عيب و خلاص يا ولد ابتعد التي سمعتها من أمه العروس وجدته وأخواته..

حيث يبدو أنه قد أعلن حالة العصيان والتمرد على الأوامر العليا والسفلى..

ناولني أحد الأطفال نظارتي بعد أن فركها بيده المدهونة ببقايا الشكولاتة..

وصرت في موقف صعب..وبدأت أتوجس خيفة من نظرات الخالة العجوز..وأقول في نفسي:الله يعدِّي هذه الليلة على خير..

وإذا بكلمات كالنسمة العذبة..تنساب على مسامعي..

معليش يا حبيبي..معليش ما يصير بخاطرك شيء..فالتفت فإذا بهذه الكلمات تنساب كالشهد من فم عروسي من خلال ابتسامة محرجة بموقف الطفل العنيد..

ثم هجم عليَّ الأطفال ذكورا وإناثا للسلام علي وكان عددهم يربو على العشرين-ما شاء الله تبارك الله وعيني دائما باردة –وأخذوا يتزاحمون وكان موقفا طريفا..لعله كسر عين العجوز عن تركيز النظر إلي..

وكنت أتبادل الابتسامات مع عروسي خلال ذلك المشهد الطريف..

وإذا بصهري يعود مرة أخرى..فقالت العروس بصوت هادئ:يا الله نمشي..وكأنما أطلق سراحي من سجن به سجناء مشاغبون يقومون بأعمال تمرد وعصيان..سامحوني يا أصهاري..ولكن هؤلاء أطفالكم وخالتكم..

مشيت بجوار عروسي لنتجه إلى شقتها أو شقتنا..فنهرني شقيقها:أمسك بيد عروسك..

فكانت نهرة باطنها الرحمة وظاهرها الشدة..

فأمسكت بيدها مسكة جيدة وكأن من أمسك بها تريد الفرار!!!..

ووصلنا باب شقتنا..وقد استطاع نفر من الأطفال مغافلة الكبار وتخطي الحواجز والوصول معنا وكان منهم صاحبي الذي أطاح بنظارتي بلكمة فاضية..وليست قاضية..

وفتحنا الباب ودخلنا..وحين أرادت عروسي إغلاق الباب..قام ابنها الصغير يدفع الباب بقوة..وهي تحاول إقناعه وصرفه..ولكن هيهات فقد أصر حفظه الله على الدخول مهما كلف الأمر...

فجاءتني عاطفة سريعة وقلت في نفسي:هذا يتيم..ولماذا لا أسمح له بالدخول وألاطفه قليلاً..

فقلت لعروسي:دعيه يدخل سوف أقوم بتصريفه سريعاً..فقالت وهي تدفع الباب:لا لا إنه معاند وعنودي وعنادي من الطراز الأول..

فقلت:لا بأس دعيه يدخل ..فتركت الباب..فدفعه بقوة حتى ارتطم الباب بالجدار وانطلق بسرعة وقصد غرفة النوم التي لم تكن قد أغلق بابها..

فرأيت أن خيوط اللعبة بدأت تفلت من بين أصابعي..وأن بطل المسرحية قد خرج تماما عن السيناريو الذي أعددت له في تفكيري..

ولحقت به تتبعني عروسي فوجدته قد جلس على السرير..وهو يحملق فيَّ بعينين ماكرتين وقد تبسم ابتسامة المنتصر..وكان صدره يرتفع وينخفض بعد أن تسارعت أنفاسه من الركض والمدافعة والمغالبة..

فقررت المواجهة ولكن بالفكر أولاً:

قلت:كيف حالك يا بطل؟؟..

فقال:طيب..

فقلت:طيب مرة وإلا شوية..

فقال:طيب وبس..

قلت:أين الأولاد يا بطل؟؟..

قال:لا أدري عنهم..

قلت:أكيد ذهبوا للنوم..

قال:نعم ذهبوا ينامون..

قلت:وأنت لماذا لا تذهب لتنام يا حبيبي؟؟..

قال:سأنام هنا!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!..ووضع أصبعه السبابة على لحاف السرير!!!..

فالتفتُ إلى أمه العروس..فرأيتها متبسمة..وكانت قد هرعت إلى الهاتف واتصلت بأخته الكبيرة وطلبت مجيئها لإخراج المشاكس الصغير..

ونظرت إليه فرأيته يعض شفتيه وهو ينظر إلى أمه..كأنما يريد الانتقام منها..

فاقتربت منه وأمسكت بيده الصغيرة وقلت:يا الله يا حبيبي..

فصاح:يا الله فين..

فقلت:يا الله تذهب إلى أخواتك وأخيك وجدتك..وبدأت أسحبه تدريجيا..

غير أنه فك يده..وقال:سأنام مع ماما..

فتدخلت أمه قائلة:يا الله يا بابا..عمك يريد أن يرتاح وينام..

وأمسكت بيده وقام معها وأخذت تتكلم معه بكلام لا أسمعه وتحاول إقناعه وتقترب به من الباب..

ودق جرس الباب..وتقدمت العروس ففتحته بيد وبيدها الأخرى ابنها وكانت ابنتها في الخارج فدفعته إليها..ولكنه صرخ واستطاع الدخول من جديد..

وهنا قررت التخلي عن سياسة المواجهة الفكرية وانتهاج سياسة القوة والصرامة..فأمسكت بساعديه وأخرجته خارج الباب وفي تلك اللحظة مر أحد أخواله فرأه فصاح به فأخذته أخته فانصرفت به..وسارعتُ وأغلقت الباب بقفلتين..

وهنا التفت إلى عروسي فوجدتها قد اتكأت بظهرها ورأسها على الجدار وهي تبتسم بخجل..

آه ما أحلى ابتسامات الخجل..حتى ولو كانت على عجل!!!..

فقالت:معليش يا روحي..الولد هذا متعلق فيني مرة..

فقلت في نفسي:الله يكفيني آذاه وشره..وقلت بلساني:الله لا يحرمك منه ولا يحرمه منك..

فقالت:وأنت بعد يا حبيبي الله لا يحرمني منك يا حياتي..

كانت تلك الكلمات الحلوة تزيل سريعا ما علق بنفسي من مضايقات تلك الليلة كمساحات زجاج السيارة الجديدة الذي يعلوه غبار..

فاقتربت منها فقبلت جبينها..وأمسكت بيدي فقبلتها ووضعتها على خدها ثم على صدرها..

فقلت:هل سنظل واقفين هكذا..

وسحبتها بلطف ودخلنا غرفتنا..

وما إن قعدنا قليلا حتى رن جرس الهاتف..فقالت:

بعد إذنك يا حبيبي..

فقامت ثم عادت بعد حوالي دقيقتين أحسست كأنها ساعتين..

وقالت:إنه صاحبك-ابنها المشاكس-يريد أن يسمع صوتي قبل أن ينام..

فقلت:إن شاء الله ينام يريح نفسه ويريحنا فضحكت..

وبدأ الحديث العذب بيني وبينها..

وبدأت الأشواق تتقابل وتتعانق وتحلق في أجواء الوداد والحب والحنان..

ما أحلى تلك اللحظات..حين تلتقي النظرات والآهات والكلمات..

وكانت تشرح لي صادقة معاناتها بعد حصول الرؤية الشرعية وشدة تعلقها بي وأنها صارت لا تنام ولا تهنأ بطعام ولا شراب من كثرة التفكير في حبيبها الذي هو أنا..

طبعا لم أكن بمثل حالها..ولكني اضطررت لمجاملتها بعض الشيء..

كانت طوال الجلسة تمسك بيدي بين يديها وكأنها تخاف أن أفلت منها..

وكانت ليلة عرس جميلة..لولا تفكري بين ساعة وأخرى في زوجتي الأولى التي لم تكن تدري عن تلك الليلة و ما حدث فيها أي شيء..

وطلع الفجر ولم يعرف النوم طريقا إلى غرفتنا..وبعد صلاة الفجر وضعت رأسي من شدة التعب حيث أنني لم أنم منذ فجر الأمس وبقيت عروسي تحتضن رأسي جالسة تحادثني وتلاطفني حتى دخلت في الأحلام واستولى عليَّ المنام..

وقبل الظهر بساعة دق جرس الباب..ورن جرس الهاتف..فقامت عروسي تفتح الباب فهجم علينا عدد من الأطفال يصرخون ويضحكون وفي مقدمتهم صاحبي الصغير الذي لم أفتح عيني إلا ووجدته قائما عند رأسي فأغمضت عيني من جديد وقلت لعله كابوس عتيد..



وإلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى