ومن صفاتهم: استباحةُ دماءِ المسلمين والمُعَاهَدين واستحلالُ أعراضهم وأموالهم بل وأولادهم: وفي صحيح مسلمٍ أنَّ عليَّاً حَرَّضَ المسلمين على قتال الخوارج لمَّا نزعوا البيعة, وأفسدوا في الأرض, فقال ــ بعد أنْ ذكر حديث الخوارج ووقوفهم من الإسلام ــ: "أيُّها الناس, تتركون هؤلاء يخلفونكم في ذرَارِيكم وأموالكم, واللهِ إنِّي لأرجو أنْ يكونوا هؤلاء القوم, فإنَّهم قد سفكوا الدَّم الحرام, وأغاروا في سرح المسلمين, فسيروا على اسم الله" (15).
وفي مسند الإمام أحمد أنَّ عائشةَ رضي اللهُ عنها قالت لعبد الله بن شدّاد: "هل قتلهم عليٌّ " ــ تعني الخوارج ــ قال: "والله ما بعث إليهم حتى قطعوا السبيل, وسفكوا الدَّم, واستحلوا أهل الذمة" (16)[حديث حسن], وهو يدل على خصلةٍ من خصالِ الخوارج وهي استحلال دماء أهل الذمة, لأنَّهم يَرَوْن أنَّ الذي أعطاهم العهد والأمان وليُّ الأمر وهو عند الخوارج كافر, وكان عليُّ قد حذرهم من الإعتداء على الكفار الذين يقيمون في بلاد المسلمين بعهدٍ وأمان, ففي الحديث المتقدم أنَّ عليَّاً بعث إلى الخوارج قبل أنْ يُقاتلهم, فقال: "بيننا وبينكم ألا تسفكوا دماً حراماً, أو تقطعوا سبيلاً, أو تظلموا ذِمَّة, فإنَّكم إنْ فعلتُم فقد نبذنا إليكم الحربَ على سواء, إنَّ الله لا يحبُّ الخائنين" (17).
ومن صفاتهم: أنَّهم كما قال رسول الله : "حدثاءُ الأسنان سفهاءُ الأحلام" [خَرَّجه البخاري]: ومن فضل الله أنَّه لا يكون معهم أحدٌ من أهل العلم والفضل والسنة, أما الذي يُدافعُ عنهم فهو واللهِ منهم ولا كرامة, فقد أورد العلامةُ الوادعيُّ أثراً عن ابن عباسٍ وحسَّن إسناده أنَّه لمَّا جادلَ الخوارج قال لهم: "ما تنقمون على عليٍّ صِهْرِ رسول الله والمهاجرين والأنصار وعليهم نزل القرآن, وليس فيكم منهم أحد وهم أعلم بتأويله".
ومن صفاتِ الخوارج: الطعنُ في العلماء, وصرفُ الشباب عن مجالستهم: لأنَّ الشباب إذا اتصلوا بالعلماء السلفيين والتفوا حولهم رغبةً في العلم كان ذلك سبباً في سلامتهم وبغضهم للخوارج, لأنَّ العلماء يُحذرون من فكرِ هؤلاء الضُّلال, في مسند الإمام أحمد أنَّ عليَّاً بعثَ عبد الله بن عباس إلى الخوارج, فلمَّا توسطَ عسكرهم قام ابنُ الكواءِ ــ وكان آنذاك خارجياً ولمَّا يرجعْ إلى السنةِ بعد ــ قام ابنُ الكواءِ يخطبُ الناس, ويُحذرهم من ابن عباس فقال: "يا حملة القرآن, إنَّ هذا عبدُ الله بنُ عباس فمن لم يكن يعرفُه فأنا أعرفُه, هذا ما نزل فيه وفي قومه {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} فردُّوه إلى صاحبه, فردُّوه إلى صاحبه ولا تواضعوه كتاب الله" (18), و[الحديث حسن].
وفي زماننا تُحجب فتاوى العلماء عن الشباب المسلم وعن الفتاة المسلمة, تُحجب فتاواهم في التحذير من هذه الجماعات الضالة, وكتبها وتفسيرها للقرآن, يحجبُها من يربونهم ممن فسدتْ عقائدُهم ومناهجُهم, وتُحجب فتاواهم في أئمةِ الضلالة في زمانِنا ورؤوسِ الحزبية, وكثيرٌ من الناس ما علم بكلام علمائنا وتحذيرهم من هذه الجماعات الضالة التي يدعي بعضُها أنَّها كُبرى الجماعات, ما عَلِمَ بتحذير العلماء منها إلا بعد أنْ وقعت المصيبة وحَلَّتْ البلية, فحسبنا الله على مَنْ يُغَيِّبُ فتاويَ العلماءِ عن الشباب ويُربيهم على الحزبية والعنف والتطرف.
ومن صفاتهم: خِذلانُ الله لهم, وأنَّه يُبطل كيدهم ويقطع دابرهم: فلا يقوم لهم عِزٌّ ولا سلطان لأنَّهم مفسدون مخالفون للسنَّة, ومنْ خالف السنَّة فهو في وحشةٍ وغربةٍ ومآله أنْ يتخلى عنه أحبابُه وأصحابُه, ولله الأمر من قبلُ ومن بعدُ, قال ابن عمر رضي الله عنهما: إنَّ رسول الله قال: "ينشأ نشْئ يقرأون القرآن لا يُجاوز تراقيهم, كلما خرج قرنٌ قُطع" , قال ابن عمر: سمعتُ رسول الله يقول: "كلما خرج قرنٌ قُطع" أكثر من عشرين مرة "حتى يخرج في عِراضِهم الدجال"(19) [خَرَّجه الإمام ابن ماجه].
ومن لطف الله بأهل السنَّة, أنَّ الذل مصاحبٌ للخوارج, لأنَّهم أعرضوا عن السنَّة ورضوا بالبدعة, فأهل السنَّة ظاهرون عليهم منصورون بإذن الله, في صحيح مسلم من حديث زيدِ بنِ وهبٍ الجُهني قال: "لمَّا التقينا وعلى الخوارج يومئذٍ عبدُ الله بنُ وهبٍ الراسبيّ, فقال لهم: ألقوا الرماح وسُلُّوا سيوفكم من جُفُونها, فإنِّي أخاف أنْ يُناشدوكم كما ناشدوكم يومَ حروراء, فرجعوا فوَحَّشوا برماحِهم وسَلُّوا السيوف, قال: وشجرهُمُ الناسُ برماحِهم ــ يعني عليَّاً وأصحابَه برماحهم ــ قال وقُتِلَ بعض الخوارج على بعض(20), وما أصيبَ من الناسَ ــ أهل السنَّة ــ إلا رجلان", ولله الحمد والمِنَّة.
مواقع النشر (المفضلة)