وإليكم ما قاله فيصل الشريم عن الملك عبدالله وجيل الأبناء: بداية معرفتي بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز كانت بسبب صلة القرابة، حيث كان والدي - رحمه الله - ابن خاله، وخاله هو (مطني بن العاصي الشريم)، وهذه القرابة أتاحت لي معرفة شخصية بالمليك مبكراً، فهو دائم السؤال عن أقاربه وأرحامه.
أما العلاقة الشخصية به - حفظه الله - وأنا في الرابعة عشرة من العمر تقريباً، حيث زرناه في الرياض قبل أن يكون رئيساً للحرس الوطني، وكانت المستويات المعيشية والتعليمية في المملكة دون المستوى المأمول، والبادية ترمي بظلالها على النواحي السعودية، فعاملني حفظه الله كأحد أبنائه وأوفدني مع ابنيه صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن عبدالله وصاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبد الله للدراسة في لبنان الشقيق في العام 1382هـ - 1962م، وما زلت أردد كلما اختليت بنفسي: كيف هي حياتي لو لم يقرر لي حفظه الله هذا النهج العلمي الذي كان له الفضل بعد الله فيما وصلت إليه؟
متابعة الأبناء
في لبنان الشقيق كان يتابع ابنيه اللذين كانا يدرسان هناك وهما الأمير خالد والأمير متعب أولا بأول عن طريق السفارة السعودية بلبنان، وقد خصص- حفظه الله- رجالا للإشراف عليهما ومتابعتهما وكنت أحظى بما حظيا به من رعاية وتقدير، فكأنه موجود معنا.
ودرس الأمير خالد والأمير متعب أول عام بمدرسة اسمها (برمانة بيت جبل) في بيروت، وأنا درست في المدرسة الوطنية العاشرة ببيروت، وهما درسا لعام أو عامين أما أنا فبقيت بعدهما في بيروت.
وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود يتابعنا- يحفظه الله- عن طريق السفارة السعودية وخصص لنا من يشرف علينا كأنه معنا.
تأسيس الحرس الوطني
بعد ذلك أسس المليك- رعاه الله- الحرس الوطني، وطلبوا أبناء القبائل للالتحاق بدورات تدريبية في بدايات الحرس الوطني، والتحقت بالحرس الوطني وألحقونا بدورات تدريبية متنوعة، ونقلت في عدة مواقع في عدة مناطق في الرياض والشرقية والحدود الشمالية وغيرها، وكان الحرس قبل تسلم مهامه من قبل الملك عبدالله عبارة عن أفواج للبادية كانت تسمى المجاهدين، ولكن بعد رئاسته للحرس الوطني تطور فتشكلت الفرق (الفرقة الأولى والثانية)، وتم استقطاب مدربين أكفاء، وتم أيضا التعاقد مع ضباط من الجيش على مستوى عالٍ، وبدأت الروح العسكرية تدب في أنحاء كثيرة. حتى غدا الحرس الوطني من أهم الأجهزة الأمنية في المملكة من ناحية التسليح والتدريب، فهو وحدات مدربة ومجهزة بتسليح على أرقى المستويات والفضل يعود بعد الله لحكمة خادم الحرمين الشريفين.
لقاءات متكررة
أول لقاء معه -حفظه الله- وعمري حوالي 14 سنة قبل أن يتولى رئاسة الحرس الوطني، وصلة القربى تحتم علينا زيارته على مدار العام وبعد توليه مقاليد الحكم أصبحنا نحظى بشرف لقائه كل ثلاثة أشهر تقريباً نظراً لانشغاله الدائم في تدبير شؤون البلاد،وبعد تقاعدي من رئاسة كتيبة المشاة 41 للحرس الوطني برفحاء قابلته- حفظه الله- للسلام عليه وقلت له: (لك الفضل بعد الله فيما وصلت إليه وأنا بخدمتكم في أي وقت)، فقال: (أنا متأكد كل التأكد من صدق مشاعرك)، وما زلت عند حسن ظنه بي حاملا أمانة المعروف والولاء.
وكانت علاقته دائماً تقوم على المحبة والود مع قيادات وأفراد الحرس الوطني، وأبوابه مفتوحة للجميع، وله جلسات خاصة مع قيادات الحرس الوطني.
مجلس الملك
خادم الحرمين الشريفين من القادة الذين ينتقل معهم عملهم إلى القصر، حيث يلتقي في قصره ليلة الثلاثاء جموع المواطنين والعامة من الناس، أما الأربعاء فجلسات مفتوحة للمواطنين، ويخصص جلسات خاصة لأولاده ولأقاربه، وهو منظم جداً ودقيق في وقته، ويستغل أوقات الفراغ بقراءة الصحف والمجلات، وهو مستمع جيد لمن حوله، ويسأل عن أحوال الناس، ويبدأ بالبعيد والمسافر، ولم أر أروع من خلقه وسعة خاطره.
وله -حفظه الله- ذاكرة تدله على الخير، أتذكر حينما زار أحياء الفقراء في العاصمة الرياض كان يسأل باستمرار عنهم وهو في مجلسه، وكان باستمرار يحمل هموم الناس من حوله.
أما في الأوقات الجميلة فهو يميل إلى المزاح دون أن يتخطى حدود الهيبة التي ميزه الله بها، ويتجلى في مواسم ورحلات القنص يبدو مرحاً بعد أن يرتاح قليلاً من هموم الدولة، وأكثر ما يفرحه الأخبار السارة للمواطنين ويغضب لكل ما ينغص على المواطنين أمر رخائهم واستقرارهم.
هواياته
شخصية طويل العمر معروفة للجميع فهو من أبرز القادة في العالم، وهواياته معروفة أيضا أبرزها المقناص والرحلات البرية، وكان هذا قبل أن يتولى مقاليد الحكم وقبل انشغاله بأمور الدولة، ومن هوايته الخيل فهو يحبها جداً، وهو المؤسس لميادين الخيل في المملكة، وبذل جهداً كبيراً حتى وصلت رياضة الخيل في المملكة إلى ما وصلت إليه، كما يحب رياضة ركوب الخيل وكنت أشاهده قديماً يركب الخيل، وله صور عديدة تؤكد حبه لهذه الرياضة، ويحضر المناسبات الرياضية الهامة تعزيزاً لهذا الحب ولتشجيع هذه الرياضة.
بره بوالده
المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود له شخصية مؤثرة، ومن الطبيعي أن يتأثر الملك عبد الله بوالده يحبه ويبر به، ويظهر بره بوالده بذكره الدائم في مجلسه، والاستشهاد بأقواله المأثورة، وبمواقف أبيه، ويحرص على الحضور في كأس المؤسس براً باسم والده كلما سنحت له الظروف.
وورث عن والده حب الخير، وهو كثير التصدق ويدعم الجمعيات الخيرية بكثرة، وأجود ما يكون في شهر رمضان المبارك والذي يحرص على الاعتكاف في العشر الأواخر منه اقتداء بالنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن مدرسة المؤسس تعلم زيارة كبار السن من العلماء وأصحاب الفضل، ومن صفاته التي ورثها عن والده انه لا يأكل وحيداً بل يحرص على الأكل مع أهله وأصدقائه وزواره في وجبتي العشاء والغداء ويهتم بضيوفه ويتفقد حوائجهم واحداً واحداً. ويفرح لفرحهم ويتضايق لضيقهم، وأتذكر في إحدى رحلات البر (المقناص)، وتوفي أحد مرافقيه في حادث مروري، ولم يستمتع برحلته تلك، بل بدا الحزن على محياه بسبب هذا الحادث. ومن بره بوالده إهداؤه أصدقاء والده والمقربين الهدايا، وهو يتقبل الهدايا أيضاً، ومن الهدايا التي تعجبه تلك التي تتعلق بالتراث والتاريخ السعودي.
لا يميز بين مناطق المملكة
من الأشياء التي يعرفها الكل عن الملك عبد الله أنه لا يفرق بين مناطق المملكة، بل ينظر إليها بعين الحب وكأنها مكان واحد، وهذا ظهر جلياً في عدد من أحاديثه المتلفزة، وكثيراً ما أسمعه يسأل أهالي المناطق المختلفة والزائرين عن المطر والخير والعشب، وهو يعرف البلاد وتفاصيلها الجغرافية جيداً، وفيما يتعلق بالإرهاب كان قلقاً- حفظه الله- على مصير أبنائه الذين خرجوا عن جادة الحق والصواب وكثيراً ما يردد بعبارات الأسى أنه مغرر بهم ويكرر عبارة أهلنا وأبناءنا حينما تحل ذكراهم، ولكن هذا العطف واللين لم يمنعه من الصرامة التي عرف بها عندما يتعلق الأمر بحقن الدماء المعصومة، وحينما يسمع أنهم لم يستفيدوا من العفو ومن الفرص التي أتاحتها لهم بلادهم للرجوع إلى حظيرة الوطن كان يردد بحزم أنه سيكون لهم يوماً، وسيكون لهم نهاية.
دعمه للأفواج
حينما تسلم -حفظه الله- رئاسة الحرس الوطني كنت قادماً للتو من لبنان بعد انتهاء دراستي، حيث تم تعيين والدي الشيخ بدر الشريم - رحمه الله - أميراً للفوج الـ36، وتم تعيين ستة أفواج في تلك السنة، وقد جهز والدي بثلاث سيارات للسفر إلى الشمال، وكان معنا بعض الرجال الذين يبحثون عن فرص عمل آنذاك وعددهم ما بين 40 و50 رجلا، وكنت وقتها أتولى إدارة هذه الرحلة ولم يكن معنا ما يكفي لرحلة كبيرة كهذه لضعف الأحوال المعيشية في المملكة وقتذاك، فذهبت إليه - حفظه الله - في مقر إقامته في قصره الخاص، وقلت له: إنني أرغب في الذهاب مع الوالد ومعي (أخوياء)، والناس تحتاج إلى مصاريف، فنادى (محمد بن سيف) وقال له: زود إحدى السيارات الكبيرة بكل ما تحتاجه من مؤنة وطعام تكفي لأيام عديدة، وأعطاني مبلغاً من المال وقال: هذا اشتر به ذبائح لأخوياكم، وكان عمري وقتها حوالي 16 سنة، ثم انطلقنا من الرياض باتجاه قرية لينة في الحدود الشمالية (95 كم جنوب محافظة رفحاء)، وكنا نتوقف ونطبخ غداءنا بأنفسنا لعدم وجود محطات ومطاعم على الطريق الترابية التي تتوفر في ذلك الوقت، واستمرت رحلتنا حوالي 3 أيام بلياليهن، وكان الجميع يدعو له بطول العمر طوال الرحلة لأنه وظف هؤلاء الرجال جميعاً في فوج ابن شريم، وكانت الرحلة ممتعة وسلكنا طريق الدمام، وهذه من المواقف التي لا أنساها له حفظه الله.
مواقع النشر (المفضلة)