بسم لله الرحمن الرحيم..
لما للشعر الشعبي من مقام ٍ كبير عند العرب فقد تميزة جزيرة العرب
بهذا اللون المميز وبرع فيه عدد من الشعراء والشاعرات في جميع القبائل
0
0
في هذا الموضوع حاولت ان اجمع لكم الأشمل لبحور القصيد واوزانه
فأرجو ان اكون وفقت فيه..
واتمنى اني قدمت لكم ماتستفيدون منه..
0
0
هذه مقاله نشرت للشاعر / محمد صلاح الحربي..
(1) في البدء :
* سبق وان طلب مني بعض الأخوة ، ان اكتب عن بحور الشعر
الشعبي ، بناء على خبرتي القليلة في هذا المجال ، واخبرت اكثر من مرة
اني سأفعل ، وبقيت ارجئ الأمر لإنشغالاتي اولاً ثم رغبة مني في الإستزادة
من المعلومات حول هذا الخصوص ، وفكرت في البدء ان تكون كتاباتي عن
البحور تأت بشكل مبسط ومختصر على ايضاح البحور فقط بدون اي تشعبات
لأن الأغلبية يريدون فقط مايعتبر ولا تهمهم بقية التفرعات
غير انني في الوقت الذي كنت ابحث فيه حول هذا الموضوع وجدت في
بعض المؤلفات التي تتناوله مما اطلعت عليه منها تورد بعض الآراء التي وجدت
انني اختلف معها رأياً من جهة ومعلومات من جهة اخرى ، ولهذا فضلت ان
يكون عملي عبارة عن دراسة مختصرة شئ ما لبحور الشعر الشعبي تحمل
بعض من التعريفات المركزة ، وهاأنذا اقدم لكم ما انجزته ، وعسى ان
تجدوا به مايفيدكم .. وإن وجدتم به قصوراً فعذري علمكم انني لست الا
مجتهداً مخلصاً يشارككم الإيمان بإن الكمال لله وحده .
(2) ماهو بحر الشعر ؟
* بحر القصيدة العمودية الشعبية ( النبطية ) ببساطة هو الوزن .. والوزن
هو القالب او الشكل او الهيئة المتناسقة مابين شطر البيت الواحد (الصدر)
وشطرها الثاني ( العجز )
مشيراً الى ان البعض يسمي البحر بـ ( الطرق ) وهو ما يعني الإيقاع في
الفصحى .. ولذا فإن البحر هو الوزن ، هو ( الطرق ) وهو ايضاً الإيقاع .
(3) كيف نشأت بحور الشعر الشعبي ؟
* بحور الشعر الشعبي/ النبطي هي تماماً مثل بحور الشعر الفصيح العمودي
تلك التي حصر ما عرفه منها الخليل بن احمد الفراهيدي ووضع لها مايسمى
بعلم العروض .. ولست اعني هنا من حيث العدد او التطابق ، لكني اعني ان
البحور هي في الأساس ابتكارات او اختراعات شعراء سباقين في هذا
الأمر ، وبالتالي فهي بمثابة الإقتراحات الغير مقدسة .. مما يعني ان اي
شاعر مجيد بإمكانه ان يخترع او يبتكر او يقترح بحره الخاص .
وكما ان بحور الشعر العربي الفصيح نشأت في البدء من خلال الغناء
في العصر الجاهلي حتى وصلت للخليل بن احمد جاهزة وتأملتها نباهته
ودرسها اهتمامه مما نتج عن ذلك وضعه لذلك العلم من خلالها ، فإن بحور
الشعر الشعبي ايضاً نشأت من خلال الغناء ، واستطيع ان اذهب في هذا
الأمر مذهباً بعيداً الى حد التأكيد متذكراً انني ذات ترنم اخترعت بحراً
جديداً بمجرد ان صغت الأبيات على نفس اللحن .. لكني وبعيداً عن القياس
على نفسي فإني أعرف ان ساحة ( القلطة/ المحاورة ) هي مضماراً لنشؤ
الكثير من الأوزان الجديدة ..
وبهذا الخصوص يقول ابو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري ( الشعراء
يخترعون كل يوم جديداً ، اذ اعتادوا غالباً أن يتباروا في ايجاد الإيقاعات
الخاصة لطوالع اشعارهم فهم يوجدون النغمة اولاً ثم ينضمون الطالع على
مقتضى إيقاعها )
ويقول في موضع آخر من كتابه ( اوزان الشعر العامي بلهجة اهل نجد )
بعد ان يؤكد الى حد اليقين ان الغناء هو الأساس في نشأة الشعر العربي
وان الوزن الشعري هو في الأساس قالب للحن الغنائي ( الشعر العربي
العامي صنو الشعر العربي الفصيح الجاهلي من ناحية الأمية ووزن الشعر
بلا كتاب ) وهو يقصد بدون معرفة علم العروض ، اذ ان ذلك العلم جاء
تالياً للشعر الجاهلي وصدر الأسلام وليس سابقاً له .
وعلى هذا النحو فإن الشعر الشعبي ايضاً نشأت او اوجدت اوزانه من خلال
الغناء ، ولعله من الممكن الإستشهاد بوزن او بحر الهجيني والذي يقال بإن
تسميته مشتقة من الهجن ( الإبل) حيث كان يتغنى به صاحبه حسب إيقاع
أقدام ناقته او جمله ، ومن المؤكد ان اول من مارس ( الهيجنة ) وجد من
يستحسن غنائه ويقلده الى ان تكاثر المقلدون و وجد البحر او ( الطرق )
ايضاً لا انسى ما يسمى بالألحان اللعبونية ـ نسبة الى الشاعر الفذ محمد
بن لعبون والذي اشتهر عنه عشقه للغناء ـ اذ من بينها لحن يعتبره الكثيرون
بحر الصخري وهو اعتبار يعتمد الى رأي خاطئ في تصوري يتم تناقله
استناداً على اول من اخطأ في الأمر .. اذ انه في رأيي بحر لعبوني مستقل
تماماً عن بحر الصخري ، ويجب نسبته الى من اخترعه او ابتكره من خلال
الغناء كما اسلفت ..
(4) مالفرق بين الوزن واللحن ؟
* في كتابه ( كيف تنظم قصيدة ) يقول مؤلفه ـ الصديق الذي لم التقيه منذ
سنين ـ فلاح المنصور بعد ان وضع عنواناً على شكل سؤال وهو " هل الشعر
الشعبي بحور ام الحان" ( هناك من قال بحور وهناك من قال لحن او(شيله)
وكلا القولين جائز ، ولكن اعتقد ان القول الثاني اكثر قوة لإنه لو كان
بحوراً لإختص بما تختص به بحور الشعر العربي من علل وزحافات )
ومع تقديري لإجتهاده فإني ارى ان اعتقاده ليس دقيقاً لأنه يستند على
سبب ليس دقيقاً ايضاً في رأيي .. ذلك ان العلل والزحافات في بحور الشعر
العربي الفصيح لم تكن لتعرف قبل معرفة العروض الخليلية ، وتلك العروض
لم تكن لتعرف قبل معرفة البحور ..
وبالتالي فإن السبب الذي استند اليه يتنافى ، وبتنافيه يضعف إعتقاده ذاك
ومن هنا فإني اختلف تماماً مع القول ان الشعر الشعبي ( النبطي) هو الحان ..
وهذا لا يتعارض مع قولي ان منشأ بحور الشعر الشعبي هو الغناء ، لأنه
عند اختراع تلك البحور من خلال الغناء امكن ان يغنى البحر على الكثير
من الألحان ، لأن الوزن او البحر الواحد ـ وكما اتفق بذلك مع ابي
عبدالرحمن بن عقيل ـ يسمح بأكثر من لحن ، لأن الوزن اعم من اللحن ..
ودائماً فإن ( الألحان اكثر من الأوزان ، اذ يتولد عن الوزن اكثر من لحن)
كما ورد في كتاب بن عقيل الآنف الذكر ..
وعندما اجئ على سيرة بحور الشعر الشعبي سأعتمد على امثلة من بعض
الأغاني المشهورة لمحمد عبده وطلال مداح ، وسيجد القارئ ان كلا من
الإثنين قد غنوا الكثير من الألحان المختلفة لبحر واحد وهو (المسحوب )
على سبيل المثال ، وقس ذلك على بقية البحور او الأوزان ..
ولهذا فإنه في الشعر الشعبي / النبطي هناك مالا يحصى من الألحان لكن
الأمر بالنسبة للأوزان يظل محدوداً ، وعلى الرغم من ان كل وزن معروف
تتفرع منه عدة اوزان اخرى مقاربة فإن حتى تلك الفروع قابلة للعديد من
الألحان المختلفة حسب موهبة المغني او الملحن ..
وعند الرجوع لكتاب ابو عبدالرحمن بن عقيل ـ والذي اعتبره مرجعاً مهماً ـ
فإننا نجده يقول بهذا الخصوص ( الصواب ان الشعر العامي على اوزان
محصوره والحان متعددة ، لكنها محصورة بالنسبة لما عرف واشتهر ،
اما توليد الألحان مستقبلاً فنتاج مواهب ، والهجيني والسامري والعرضة
ليس كل واحد منهن لحناً ، بل كل واحد ألحان عديدة )
(5) عدد بحور الشعر الشعبي
* عندما يخطئ اديب كبير له انجازاته الضخمة فإن خطأه يأت على شكل
كارثة .. وهكذا كان الأمر مع اديبنا الكبير عبدالله بن خميس في كتابه
( الأدب الشعبي في جزيرة العرب ) والذي قال فيه ( من الصعب حصر
الشعر النبطي في اوزان محددة بحيث توضع لها تفاعيل ) ثم اضاف
( حاولت عن طريق التتبع والإستقراء حصر اوزان هذا الشعر فلم اصل
بعد الى نتيجة ثم عمدت الى مجموعة شعر لأحد شعراء النبط وهو ابراهيم
بن جعيثن ، وهو من المكثرين وممن يتلاعبون بأوزان هذا الشعر فوصلت
الى ما يقارب من عشرين وزناً )
وهذا الخطأ الناتج عن مصدر ثقة تبعه استشهاداً فلاح المنصور في
كتابة الآنف الذكر دون اي تمعن او تقصي حتى في الأبيات التي اوردها
بن خميس لإبراهيم ابن جعيثن .. ذلك انه وبتأمل بسيط لتلك الأبيات نجد ان
عدد منها على بحر واحد ، ولهذا فإن ما توصل له بن خميس ليس دقيقاً اطلاقا
وقد اشار ابو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري الى هذا الخطأ في كتابه الذي
ذكرت ، واتفق معه في القول ( جميع قصائد ابن جعيثن في ديوانه على سبعة
ابحر لا غير ، ويتغير وزن البحر بما يدخل أعاريضه وضروبه من تغير
ومايلزم من حشوه من علل ، واذا اردنا التحرج في الأحصاء قلنا: ان شعر
ابن جعيثن على تسعة أوزان فنضيف ضرباً من الطويل على وزن (فاع)
وعروضاً من الوسيط على وزن ( فعلان ) لأن هذين النمطين مولدان )
غير اني بدون هذه الضرورة في الدقة عند ابو عبدالرحمن استطيع التأكيد
على ان كل شعر إبن جعيثن هو بالفعل على سبعة ابحر فقط ..
ولهذا فإن مع تقديري واجلالي للإستاذ الكبير عبدالله بن خميس فإني ارى
انه ما ذكره حول صعوبة حصر بحور الشعر الشعبي ليس صحيحاً اذ انه
استند به على حكم غير دقيق اذ ( اورد لإبن جعيثن ثمانية عشر بيتاً يظنها
تؤلف ثمانية عشر وزناً ، وانما هي بضعة أبحر بأوزان قليلة والحان متعددة)
كما ذكر ابن عقيل في معرض مناقشته للأمر في كتابه ..
ومن هنا فإنني استطيع ان اذكر ـ وكرأي واستنتاج خاص ـ ان هناك امكانية
لحصر اوزان الشعر الشعبي عندما نتتبع ما انتج من هذا الشعر عن دراية
مسبقة بأوزانه والتفريق بينها وبين تفرعاتها والحانها ..
وبشكل عام فإنه بالإمكان القول ان هناك عدد يترواح مابين السبعة الى
العشرة مما هو معروف ومشهور من بحور الشعر الشعبي ( النبطي) علماً ان
كل بحر له تفرعاته التي يختلف عددها مابين بحر وآخر .. وسوف آتي على
ذلك ان شاء الله عند الحديث عن كل بحر مما سأورده منها .
(6) كيف يتحدد الوزن/ البحر ويستقيم ؟
* لا يمكن في تصوري ـ لمن لا يملك تمكناً مسبقاً من الوزن ـ ان يكتب قصيدة
شعبية عمودية ، بإتقان و بدون اي خلل مالم يكن يعرف في البدء ماهو البحر
الذي يكتب عليه قصيدته وبالتالي يعرف لحناً متداولاً يمكنه ان يزن قصيدته
من خلاله ، واذ عرفنا ان اكثرية من يتعاملون مع الشعر الشعبي هم ممن ليس
لديه اي دراية او معرفة بالعروض وتقطيعات البيت فإن اللحن يظل من
ضروريات وزن القصيدة
( ومايحدد الوزن الترنم به ) ـ حسب بن عقيل ـ ويعني غنائه بلحن ينطبق
عليه ويناسبه ، وهنا اذكر ذلك البيت المشهور لحسان بن ثابت رضي الله
عنه ، والذي قاله قبل ظهور علم العروض ، وهو :
تغنَّ بالشعر إما كنت قائله =ان الغناء لهذا الشعر مضمارُ
و( مضمار) هنا تعني من ضمن ما تعنيه ( ميزان ) .. والتغني الذي يشير اليه
الشاعر ليس اي غناء بالتأكيد ، لكنه الغناء الذي يُعرف من خلاله ضبط
بيت البحر الذي يكتب عليه الشاعر قصيدته إثناء ذلك الغناء .. اي التغني
بلحن معروف انه يتناسب مع ذلك البحر ..
ومن المعروف ان الكثير من الشعراء المتمكنين يستطيعون اكتشاف اي كسر
في القصيدة سماعياً او إثناء القاء كاتبها لها ، وهو اكتشاف مستند على
خبرة لحنية ، اذ انهم ما ان يسمعون القصيدة الا ويعرفون بحرها وبتالي يعرفون
اللحن المتناسب معها ..
يقول ابو عبدالرحمن بن عقيل حول هذا الأمر ( الوزن ضابطاً بحاسة السمع
لأنه اصداء لحن او ترنم حقق الوزن في وحدات قياسية ، فإلتصقت تلك
الوحدات في الذاكرة لإصداء تكررها في مأثور الشعر فكانت حاسة السمع
تدرك خللها لو اختلت ) وبعبارة اوضح فإنه يعني ما اشرت اليه من خبرة
الشاعر في البحر وفي اللحن المتناسب معه ، علماً بإن بعض الشعراء
لا يحتاجون لتمثل اللحن او تذكره اذ تكون خبرته في البحر قد ترسخت
وعندها فإن سماعه للقصيدة كافي لإدراك ايقاعها واكتشاف اي خلل فيه .
** يتبع **
مواقع النشر (المفضلة)