إخوتي وأخواتي الكرام في منتديات النخبة – منتديات النجوم – منتديات رفحاء "مدينة الضباب"
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
في هذه الليلة أتشرف بالكتابة عن رجلٍ أحببته كثيراً وإشتقت له ولكنه رحل عن هذه الدنيا الفانية ولا إعتراض على حكم الله وقضاءه والحمد لله من قبل ومن بعد ...
لم أذكر في العنوان "قصة اليتيم" لأن اليتيم هو محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، لذلك كتبت في العنوان "قصة يتيم" للإشارة لمن سأتحدث عنه بشكلٍ مختصر هنا ...
هذا اليتيم هو والدي رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وجميع المسلمين ...
"نشأته"
وُلد في قرية "الدويد" قبل سبعة عقود من الزمان وسط أسرة كبيرة وظروف معيشية قاسية وكان أصغر إخوانه ...
تعلق كثيراً في حب شقيقه الأكبر والذي كان يبادله الحب ويمنحنه الرعاية والإهتمام ...
شاء الله سبحانه وتعالى أن يأتي أهله مرضاً فمات والديه وشقيقه الأكبر وجُل أهله "رحمهم الله" ولم يتبقى منهم سوى ثلاثة وكان حينها في العاشرة من عمره وأصغر هؤلاء الثلاثة، بينما أكبرهم يبلغ سبعة عشر عاماً ...
"عمله"
إنتقل الثلاثة إلى رفحاء والتي كانت في بداية نشأتها ثم إنتقلوا إلى الطائف حيث عمل الأخ الأكبر في المجال العسكري ...
تحسنت أمور الثلاثة بفضل من الله، ثم بعد عدة سنوات توظف والدي في القطاع العسكري ...
إنتقل للعمل في تبوك وكان يقضي وقته بين العمل وداخل المعسكر وقليل ما كان يخرج ...
كان ماهراً في لعب كرة القدم ومثّل منطقة تبوك ونادي الوطني وعُرض عليه مبلغاً عالياً في ذلك الوقت " أربعة آلاف ريال" للإنتقال لنادي النصر "العالمي" ولكنه لم ينتقل ...
تميز بمهارات عالية والتحرك بذكاء والتمركز السليم مما ساعده في تسجيل كثيرٍ من الأهداف ...
"الرياض ... زواجه"
ثم إنتقل إلى مدينة الرياض وتزوج والدتي "حفظها الله" فرزقهما الله بالأبناء ...
عندما كَبُر أكبرهم "محدثكم" وإستحق التسجيل في الإبتدائية إنتقلنا إلى مدينة الضباب "رفحاء" حتى أدرس بين الأهل والأقارب وأتعلم منهم العادات الطيبة، فدرست في "إبتدائية هارون الرشيد" ثم "إبتدائية البراء بن عازب" ...
خلال أربع سنوات تنقل للعمل بين رفحاء وعرعر بينما نحن بقينا في رفحاء ...
إنتقل إلى محافظة طريف وذهبنا معه ودرست في مدرسة "حطين الإبتدائية "
"جازان"
ثم عاد للعمل في مدينة الرياض، ثم تم نقله إلى مدينة "جازان" فتركنا في محافظة "الخرج" ،مسقط رأسي، وذهب وحيداً لمدة سنتين ...
تولى هناك مركز التدريب التابع للأمن العام وأحدث هناك تطوراً نوعياً رغم معارضة جميع المدربين له ...
منع جميع الجزاءات التي بها إهانة للطالب العسكري أو تعريضه للخطر أو تعريض ملابسه للتمزق وأن تتم مجازاة المخطئ بما يعود عليه بالنفع مثل الهرولة أو إعطاءه تدريباً على المشاة العسكرية أو أي عمل آخر به إحترام له كإنسان وقبل ذلك كمسلم ...
أحدث ترتيبات وتنظيمات في مركز التدريب حازت على رضى المسئولين في ذلك الوقت ...
كانت الغربة صعبة عليه فطلب النقل، وتم نقله للعمل في قرية "السعيرة" فكان هناك مجدٌ آخر لهذا الرجل العظيم ...
"السعيرة"
عمل في السعيرة و قرية العليا والرفيعة وكان كعادته يُحدث تطويراً في كل مكان يعمل به ...
سعى حتى تم إنتقال إدارته من خيام وغرف متنقلة إلى مبانٍ مكيفة وملائمة جداً للعمل حسب إمكانات ذلك الوقت ...
يحرص دائماً على التطوير والتفكير وأن لا يكتفي الشخص بما يجده ...
من مزاياه رحمه الله أنه كان لبقاً ويُحسن التعامل مع الجميع ويُنزلهم منازلهم فأحبه الكثير ...
طلب التقاعد مُبكراً فترك خلفه سيرة عطرة من العمل الرائع والأسلوب القيادي الناجح ...
"زواجي"
عندما كنت أدرس في الصف الثالث الثانوي عرض علي الزواج من إحدى بنات عمي فما كان مني إلا أن وافقت ودون أدنى تردد فالمرأة في ذلك الوقت ألماسة لم تعبث بها الأيادي الخبيثة كما يحدث للبعض في هذا الزمن للأسف ...
خيّرني فإخترت زوجتي بارك الله بها وتزوجنا بعد نهاية إختبارات الثانوية العامة ...
رزقنا الله بالأبناء والبنات فتعلّق والدي بهم وخاصة إبني الكبير...
والدي يحب الجميع ويشملهم بحنانه وعطفه ويمازحهم ...
عندما يمرض أحدنا يزداد إهتمامه به ويشتري ما لذ وطاب من الفواكه والعصيرات، فكان مرض أحدنا سبب لسعادتنا ...
"هو وإبني"
كانت زوجتي وأبناءي يعيشون مع والدي وكنت أسكن في إسكان جامعة الملك سعود وأذهب لهم كل ما سنحت لي الفرصة ...
في نهاية العطلة الصيفية التي سبقت السنة الأخيرة في الجامعة، سألني والدي: لماذا لا تأخذ زوجتك معك؟
قلت له: لا أستطيع أن آخذها لوحدها فهي لا تصبر عن أبناءها ...
قال: ولمَ لا تأخذها هي وأبناءها؟
قلت: وهل تسمح لنا بأن نأخذهم وخاصة إبني فلان ؟
قال: نعم وأنتم بلا شك ستأتون كل شهر على أقل تقدير ...
فأخذتهم معي وذهبنا للرياض حيث إستأجرت دوراً في حي المرسلات ...
بعد يوم من وصولنا للرياض رنّ هاتف المنزل فرد مأمور السنترال "إبني" حتى يقوم بتوزيع الإتصالات لمستحقيها ...
فإن كان المتصل رجلاً أحاله لي وإن كانت أمراة أحالها لوالدته ...
سمعت إبني يقول ويُكرر : إيه ... إيه ثم أغلق الخط ...
سألته متعجباً: من المتصل ؟!
قال: أبي ...
تعجبت أكثر وقلت: ماذا كان يقول ؟! وعلى ماذا تُردد "إيه" ؟!
تبيّن أنه كان يُكلمه من محل قريب ويسأله أتريد كذا ؟! والإبن يقول إيه ثم قال في الأخير قل لأبيك إنتظراني عند الباب ...
لولا ثقتي بإبني وصدقه وعقله رغم صغر سنه لشككت في ذلك ...
إنتظرناه فقدم رحمه الله فقدمت إبني حتى يُسلم عليه ثم سلّمت عليه وأعطاني مفتاح سيارته حتى أُنزل المشتريات ودخل هو وإبنه فرحين وتركاني في مهمة بغيضة ...
عندما إنتهيت من مهمتي ودخلت فلم أجد فرصة بين الأب وإبنه حيث كانا يلعبان ويتمازحان بمشاركة إبنتي ...
بعد عدة أيام لقيت فرصة بالحديث معه حتى أتبين سبب مجيئه رغم قرب العهد ...
فقال والدي: أن إبنتي وإبني من الأفضل لهما الدراسة في "السعيرة" لأن تعليم الرياض لا يعرفون النظام ولا يُحسنون التعليم ...
إبتسمت وقلت: فعلاً رأي صائب لا أعرف أين كنا عنه ؟! ومدرسة السعيرة هي المرجع في النظام ...
إبتسم رحمه الله ...
علمت لاحقاً من والدتي حفظها الله أن والدي لم ينم تلك الليلة بعد سفرنا فلحقنا في اليوم التالي ...
إستسمحت زوجتي وقلت لها: كما ترين تعلق عمكِ بإبنيكِ فليتكِ تسمحين لهما بالذهاب معه وسنذهب لهم أسبوعياً إن شاء الله، فوافقت فهي أيضاً تُحب عمها حباً جماً ...
ثم ذهبا معه فكانوا سعداء بلا شك ...
كان يأخذه معه كثيراً وقام بأخذ صورة له بالبدلة العسكرية حيث كان يتمنى أن يكون ضابطاً :
بعد أيام قليلة سيتخرج الإبن من إحدى الكليات العسكرية ويُصبح ضابطاً ولكن تاج رأسي وصاحب الأمنية رحل من هذه الدنيا فالحمد لله ...
"بعض مزاياه"
1. رحيم بالفقراء والمحتاجين ويساعدهم بكل ما يستطيع، فكانوا يتجهون إليه كلما ضاقت بهم ذات اليد ...
2. عطوفٌ على أهله وأقاربه وحسن المعشر ولا يُمل مجلسه ...
3. تميز بالكرم حتى لمن كان يأتيه سائلاً ...
4. أعطى أبناءه الثقة وشجعهم ودعمهم ولم يبخل عليهم أبداً ...
5. عفى عن الكثير ممن أساءوا له بل وأكرم بعضهم وساعدهم ...
6. جريئ ولم يُجامل في حق بل ينتقد بكل صراحة ووضوح وقوة ...
7. حرص على صلاح ونجاح من حوله ...
كلمات بسيطة أُسجلها هنا ومشاعر لم أستطع كبحها رغم مرور خمس سنوات على وفاته ...
رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ...
"موضوع ذو صلة"
موضوع رقم 5555 : (الصدمة: وفاة ابي رحمه الله)
مواقع النشر (المفضلة)