[align=center]متمزق ومنكسر يا أبي[/align]
أبي ... حللت أهلاً ووطأت سهلاً
لم تؤلمني هذه الإبره التي استخرجتها من جسدي الصغير الصادق الطاهر .
والدي ... لقد مضى لي عام وأنا أتعاطى مثيلاتها من الإبر .
أبي ... هذه إبرة المساء التي وخزتني بها لأعيش بها حتى صباح يوم غد .
أبي العزيز ... إني مرتاح جداً في مدرستي الأهلية التي سجلتني بها هذا العام .
أتعلم لماذا يا أبي ؟ لأن الكل يحترمني هنا بدءً بعامل النظافة ومروراً بسواق الحافلة وزملائي الطلاب في جميع الفصول وجميع المعلمين وانتهاءً بمدير المدرسة .
أبي ... إني أرى في وجه كل من أقابله في المدرسة الرحمة والرفق .
أبي ... عندما اكتشفتَ مرض السكر بي في العام الماضي رأيت في وجهك الصدمة والذهول معاً ، مما وصلوا إليه الأطباء كنتيجة للفحوصات والتحليلات !
أتذكر يا أبي عندما قلت لي : ليس عندهم خبرٌ يقينٌ بمرضي ، فذهبت بي إلى مستشفى آخر لتبحث عن نتيجة أخرى لي ، وإذا بالمستشفى يقرر نفس النتيجة الأولى ( مريض بالسكر ) .
الآن مضى يا أبي عامٌ كاملٌ على ذلك الحدث الذي غير مجرى حياتك وحياتي .
أنت الآن يا أبي تزورني بالمدرسة وقبل الفسحة بنصف ساعة لأجل إعطائي جرعة الصباح من ( البنسلين ) وبعدها يجب عليّ أن أتناول فطوري وإلا حصل ما لا يحمد عقباه ! فإذا لم أتناول وجبة الإفطار فقد أفقد وعيي فوراً .
أبي ... ما أجملك وما أحسنك في لباسك العسكري الذي تأتيني به كل صباح وعلى كتفك رتبتك العسكرية نجمتان وتاج متوهجتان كما شعاع أسنانك .
أبي ... إن جسمي الهزيل اعتاد على إبرك التي تدخل إلى جسدي وتخرج كل يوم مرتين في الصباح وفي المساء ، في الصباح ودائماً في المدرسة تعطيني إبرتي عبر إحدى يدي وأرفض بأن تعطيني الإبره مع فخذي ، لأنني استحي ممن يتواجدون حولي في المدرسة ، أما في المساء فلا يهمني الأمر كثيراً فجسمي النحيل أمامك واعطني دوائي بالإبرة بأي منطقة في جسمي البائس اليائس الذي يحمل روحي المنكسرة .
أبي ... كل ما أخشاه أن يكون سبب مرضي هو عين حسود فأنا طفلٌ وسيمٌ وأنت أبي ؟
نعم أنت الضابط الكبير الذي يعمل بإخلاص وتفان ويكره التقاعس والكسل .
ربما تكون عيناً والعين حق على المسلم ، نعم يا أبي لقد حسدونا وقد قيل : " لولا الحسد ما مات أحد "
أبي ... أنا أدرس في الصف الثالث الابتدائي ومضى عام على مرضي المزمن والذي سيكلفك الكثير من الجهد والمتابعة .. لما له من تبعات كوخز الإبر التي كنت أكرهها كثيراً في البداية أما الآن فقد تعودت عليها ولن تؤلمني كما في السابق ، لا أستطيع أن أحس بما يشعر به الأطفال من نشاطٍ وحيويةٍ إلا أن أخدع نفسي هذياناً بأنني غير مصاب بمرض السكر .
أمي الفاضلة " رحمك الله وأسكنك فسيح جناته " حبيبتي أيها النابعة حناناً وعطفاً . لا تحزني لنحول جسدي . أمي لا تنكسري فأنا منكسر يا أمي ولا تتمزقي فأنا متمزق يا أمي . أمي أنا حــزين جدا . فأين لمسة يدك الرقيقة على رأسي تزيل عني وجعا يسكنني ؟. لا تحزني على حالي فرغبتي جامحة أن أدركك .
أبي ... ماذا لو لم تكن أبي ؟
بمعنى آخر : أبي أنت رجلٌ مقتدر وعندك خير وفير وقد بذلت كل ما بوسعك من أجلي وسؤالي عما من يصاب بمرض مثل مرضي وليس لديه أب مثلك أو يكون يتيماً فماذا يفعل يا ترى ؟
هل يحظى بمثل ما حظيت أنا به ؟ أم أنه يترك تحت رحمة الله ، إما أن تزداد حالته سوءاً أو أن تتحسن إلى الأفضل ، فيعمل بنصيحة الشاعر : دع الأيام تفعل ما تشاءُ وطب نفساً إذا حكم القضاءُ .
أبي ... لقد هوّنت علي كثيراً من آلام المرض في الأيام السابقة وعندك الاستعداد بتحمل المشقة في الأيام القادمة ... وسمعتك مرة تكلم قريب لنا في الولايات المتحدة الأميركية وتسأله عن آخر دواء أُكتشف لمرضى السكر ، فيخبرك الطرف الآخر بأن آخر اكتشاف هو بخاخ عن طريق الفم ولكن وصوله إلى منطقتنا قد يتأخر كثيراً بتكلفة باهضة الثمن ، وقد استنتجت من خلال كلامك بأنك تخطط لمستقبلي الصحي بالبحث عن كل ما هو جديد ومتطوّر في مجال علاج مرضي السكر .
والدي الفاضل : أتذكر مداعباتك لي بقولك : نزوجك ثلاثة والرابعة تكون على هوى الموديل تغيرها متى شئت ... لا بأس .
أبي ... لا يسعني سوى القول : الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ، وكثيراً ما سمعت من كبار السن : ( مع العافية . لو أن أكلك خبزا يابسا ) والصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى .
الأحداث والشخصيات واقعية وتمثل معاناة ( طفل ) مريض بالسكر = وهذا هو المعنى الظاهري
كتبتها في هذا اليوم الأربعاء 6 / 4 / 2005
مواقع النشر (المفضلة)