وأفاد التقرير عن ارتفاع في عدد المشروعات العملاقة التي بدأ العمل فيها في السعودية بصورة حادة. خصوصاً في مجال البتروكيميائيات. وللتدليل على درجة الالتزام بتنفيذ هذه المشاريع أعلن وزير البترول في أواخر العام الماضي أن شركة أرامكو قد وافقت على توفير المواد للقيم (الغاز الطبيعي لاستخدام مصانع البتروكيميائيات والطاقة الكهربائية على سبيل المثال) لأربعة وعشرين مشروعاً تبلغ استثماراتها 40 بليون دولار سوف تبدأ العمل بين عامي 2006 و2010م، وباعتبار الأطر الزمنية الطويلة للأعمال الهندسية وأعمال البناء لهذه المشاريع يبدو أن مستويات الاستثمار العالية في المشاريع العملاقة في السعودية ستستمر لسنوات عديدة.

ونود التطرق هنا إلى مصادر الاستثمارات هل هي محلية أم أجنبية (أجنبية مباشرة). في رأينا السعودية، خلاف العديد من الدول الأخرى، ليست في حاجة ماسة إلى الاستثمارات الأجنبية وذلك لسببين هامين: 1) أنها لا تحتاج إلى الاستثمارات الأجنبية كمصدر للعملة الأجنبية لتمويل الواردات، حيث إن حجم صادرات المملكة يعادل ثلاثة أضعاف وارداتها السلعية لذا فإن العملة الأجنبية لتمويل الواردات متوفرة لديها وبكثرة. 2) السيولة والمدخرات اللازمة لتمويل الاستثمارات في الاقتصاد المحلي يوجدان بكميات وفيرة، أي أن المملكة لا تعاني من شح في مصادر التمويل.

رغم ذلك، هناك مزايا عديدة لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وبما أن الأموال الأجنبية «لا تحتاج إلى جواز سفر» فإن درجة تدفقها إلى المملكة تعتبر مقياساً على القدرة التنافسية لها على المستوى العالمي. لذا فإن في مقدرة قطاع معين على جذب الاستثمارات الأجنبية وفشل قطاع آخر في ذلك إشارة من سوق التمويل للمملكة على مدى جاذبية قطاعاتها المختلفة. إضافة أن تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة يشجع على رفع مستوى الاستثمارات المحلية ويساعد في نقل وانتشار التكنولوجيا المتطورة.

وعن الصادرات النفطية توقع التقرير أن تبلغ الصادرات النفطية إلى 157 بليون دولار عام 2005، ونتوقع كذلك للصادرات الأخرى، وأهمها البتروكيميائيات ثم السلع المصنعة والمنتجات المعدنية ومواد البناء أن ترتفع قيمتها من 16 بليون دولار عام 2004 إلى 17,5 بليون دولار عام 2005 بحيث يبلغ إجمالي الصادرات السلعية حوالي 175 بليون دولار.

وفي المقابل نرجح أن ترتفع قيمة الواردات ب12 بالمائة خلال عام 2005 لتصل 45 بليون دولار، تعزى إلى الأسباب التالية:

٭ تعكف المملكة على إنشاء عدد من المشاريع التوسعية ذات العلاقة بالنفط سوف تستخدم إمدادات أجنبية.

٭ بصورة عامة، قطاع الأعمال يستثمر بمستويات أعلى مقارنة بالأعوام الأخيرة لذا سوف يتم استيراد آليات ومعدات وماكينات إضافية.

٭ سترتفع القوة الشرائية وستفتح شهية المستهلكين الأفراد لمختلف السلع الاستهلاكية المستوردة.

وحول ميزانية الدولة قال التقرير: إن المجموعة لا يساورها شك في منتصف العام بأن الأداء المالي سوف يأتي قوياً لعام 2005 بأكمله. وكما أشرنا سابقاً، نتوقع أن تبلغ ايرادات النفط للمملكة هذا العام 157 بليون دولار. وكانت الحكومة قد وضعت تقديرات الميزانية لعام 2005م على اساس افتراض سعر البرميل لنفط يبلغ 25,50 دولاراً في المتوسط حسب تقديرات سامبا، باعتبار تراجع أسعار النفط في نهاية عام 2004م ما يعني الحاجة إلى 63 بليون دولار من الايرادات النفطية لاستيفاء متطلبات الميزانية، ولكن المتوسط السعري الفعلي للنفط السعودي بلغ 44 دولاراً للبرميل حتى الآن هذا العام ويبدو أنه سوف يرتفع أكثر لبقية العام. وحتى لو افترضنا احتمال أن يتعدى الانفاق الفعلي مقررات الميزانية بواقع 20 بالمائة نتوقع تحقيق فائض في الميزانية لعام 2005م يبلغ 191 بليون ريال.

وقد وضعت الميزانية تقديرات الدخل والانفاق عند مستوى 280 بليون ريال سعودي لتحقيق موازنة متعادلة، لكن نتوقع أن يبلغ الإنفاق الإجمالي الفعلي 336 بليون ريال، مما يتمشى مع نمط الانفاق تاريخياً دون أن يعني ذلك التخلي عن سياسة الانضباط المالي. والإنفاق عند مستوى 336 بليون ريال يمثل زيادة تبلغ 14 بالمائة فوق الإنفاق الفعلي لعام 2004، مما يضع المملكة في موقف مالي يتصف بأنه محفز للاقتصاد بصورة معتدلة.

ولا يبدو أن الانفاق الحكومي يتعدى هذه الحدود رغم إيراداتها النفطية الضخمة وغير المتوقعة. وتشير البيانات بوضوح إلى أن فائض ايرادات النفط يتم تجميعه ضمن بند الموجودات الأجنبية لدى البنك المركزي (مؤسسة النقد العربي السعودي - ساما) ولم يتم ضخه في الاقتصاد المحلي. وقد ارتفعت الموجودات الاجنبية لدى ساما حتى مايو 2005 (آخر البيانات المتوفرة) مبلغ 22 بليون، أي بمتوسط قدره 4 بلايين دولار في الشهر لتبلغ 109,5 بليون دولار بنهاية شهر مايو. ونعتقد أن نمو الموجودات الأجنبية لدى ساما سيأتي تقريباً متمشياً مع حجم الفائض في الميزانية أي حوالي 50 بليون دولار في عام 2005. وتدعم وتيرة نمو هذه الموجودات حتى نهاية شهر مايو هذا الرأي.

وأشار التقرير إلى نقطة أساسية تناقض مع المنطق وهي أن النمو في السيولة في الاقتصاد السعودي عامي 2004 و2005 لم تكن له علاقة تذكر بالنفط. وأن الآثار الإيجابية جداً للنفط ستنعكس لاحقاً في عام 2006 والأعوام التالية.

لن يضمن وضع ميزانية عام 2006 على أساس افتراض أسعار أعلى للنفط أن الإنفاق سوف يرتفع بنفس القدر، لكننا نعتقد أن ميزانية عام 2006 سوف تكون محفزة للاقتصاد بدرجة أكبر من ميزانية عام 2005. وسوف يتأتى ذلك من أن أثر ايرادات النفط في عام 2004 و2005 سوف ينعكس على الاقتصاد المحلي بصورة أكبر في عام 2006. وحتى الآن وكما تطرقنا سابقاً، فإن الزيادة في الانفاق الرأسمالي بواسطة ارامكو تلعب الدور الطليعي في تدفق الايرادات النفطية العالية في الاقتصاد المحلي. لكن نعتقد ان العام 2006 سيشهد الأثر الحقيقي والبداية الفعلية للانفاق الحكومي المرتفع من إيرادات النفط الحالية على الاقتصاد المحلي.

وحسب تقديرنا سيبلغ الدين الحكومي 604 بلايين ريال بنهاية عام 2005 أي ما يعادل 51 بالمائة من الناتج الاجمالي. قد استقرت مستويات الدين منذ عام 1998 وشرعت في التناقص على مدى العامين السابقين. وكان العامل الرئيسي في تناقص معدل الدَّين إلى الناتج الإجمالي هو النمو القوي في الناتج الإجمالي ذاته.

وتراجع جزء من الدَّين الحكومي متمثلاً في سندات الحكومة لدى البنوك التجارية بواقع 6,4 بلايين ريال حتى الآن هذا العام (حتى نهاية مايو) ليبلغ 140 بليون ريال، أي ما يعادل 23 بالمائة من إجمالي الدين الحكومي. أما معظم بقية الدين فيخص صندوق معاشات التقاعد الحكومي. وبناء على البيانات التي تنشرها البنوك التجارية من الواضح أن الحكومة لم تعد تصدر ديوناً بنفس القدر الذي تسددها به كما لم تلجأ إلى سداد ديونها في السندات المعلقة قبل حلول آجالها.

وحول سوق الأسهم السعودي ذكر التقرير أنه الآن بأكثر من عشرة أضعاف قيمته منذ انطلاق دورة الصعود الحالية في مارس 1999 عندما سجل المؤشر 1327 نقطة حينذاك. وقد بلغت القيمة الإجمالية لرأسمال السوق بحلول منتصف هذا العام 1,941 بليون ريال (518 بليون دولار) أي ما يعادل 210 بالمائة من الناتج الإجمالي الإسمي لعام 2004، وما يعادل 164 بالمائة من الناتج الإجمالي الاسمي للعام الجاري 2005 حسب تقديرات سامبا. وتتركز ما يعادل 54 بالمائة تقريباً من قيمة السوق في ثلاثة شركات هي: شركة الصناعات الأساسية (سابك) وشركة الاتصالات السعودية وشركة الكهرباء السعودية.

واختتم التقرير بالقول: إن الأوضاع الاقتصادية في المملكة تعتبر قوية على كافة الأصعدة، فالنمو يزدهر بمعدلات متسارعة، والأوضاع المالية للدولة صلبة وتمضي نحو الأفضل، ويتمتع الاقتصاد بدرجة عالية من السيولة في ظل غياب التضخم، والاستثمارات الرأسمالية بواسطة الشركات جيدة. وكذلك مستويات الانفاق الاستهلاكي، أما أسعار النفط وصلت إلى أعلى مستوياتها تاريخياً. ويعكس كل ما تقدم تغيرات هيكلية جذرية نحو الأفضل مما يزودنا بالثقة بأن الطفرة هذه المرة ستكون مستدامة.

http://www.alriyadh.com/2005/07/31/article85022.html