تابع >

[align=justify]حول قضايا الرواتب وأجور العاملين، يقول لي أحد ملاك المدارس الأهلية: تخيل بأن لدي ثمانين طالبا في المدرسة، ويدفع كل منهم خمسة آلاف ريال في السنة اي بمجموع 400000 ريال، وهو مبلغ بالكاد يفي بالالتزامات القائمة إذا كانت الكوادر غير سعودية، وأنا أعلم بان السعوديين لا يمكن ان يشتغلوا بمرتبات كالتي ندفعها ولكننا لا نستطيع ان ندفع أكثر من ذلك، لكن ماذا لو قامت الوزارة بتحديد نسبة معينة من الطلاب كشرط لافتتاح مدرسة؟ يجيب: هكذا سيضيقون على الناس في ارزاقهم؟

اذن.. هي أكل عيش قبل أن تكون هماً آخر، مما جعلها خيارا مرا لدى الخريجين والخريجات، فهي لا تعني لهم أكثر من مرحلة عابرة، ولا تعني لهم أكثر من الدخول إلى بوابة يومية من الألم والمعاناة، وتقول نورة الصالح: كان العمل في مدرسة أهلية خياري الأخير بعد 3 سنوات من مراجعة ديوان الخدمة، انا الآن أعمل في مدرسة أهلية منذ سنتين وبراتب ضئيل للغاية، أعود كل يوم منهكة ومحبطة ومتذمرة، وأخبر الجميع بأني سأستقيل، ولكنني استقبل نهارا جديدا من ذات المعاناة.

إن مما يؤكد كلام نورة الصالح ذلك التباعد الكبير بين حالتها وحالة زميلاتها اللواتي حصلن على عمل في الحكومة، وهو تفاوت بات يشكل معيارية اجتماعية وعائلية بالاضافة الى كثير من المعايير السطحية التي يعج بها المجتمع، فبمجرد ان تتحدث عن موظفة او موظف في مدرسة أهلية فان علامات التعاطف والشفقة والتمايز تظهر فورا، وهذا ما لا يمكن فيه اصلا، فالتعب ومجانية العمل في المدارس الأهلية باتا كما تصفهما نورة (ع) بأنهما اقرب شيء الى الأشغال الشاقة: إن تجربتي في المدارس الأهلية ليست جيدة على الإطلاق، فلقد عانيت من الظلم والاستبداد من قبل إدارة المدرسة، وانتهى بي الأمر إلى تقديم استقالتي دون أي شعور بالندم، إن ما يحدث داخل أسوار المدرسة أشغال شاقة، وإحساسك دائما بأنها وظيفة مؤقتة وغير مجدية أمر يشعرك بالغبن، ليس أقلها ما قد يحدث من إلغاء مفاجئ للعقود وحالات الترقب الدائمة مطلع كل سنة.

هذا يحدث دائما فأي قانون يمكن أن يمنع مالك المدرسة أو المديرة من إلغاء عقد واستبداله بآخر، وتقول أسماء (ع) إن آمالنا قصيرة، قصر مدة العقد، لأنها قابلة للتجديد، وليس إلزامياً، واذا لم يكن إلغاء فهو سعي نحوه، كمضايقة المعلمة أو تكليفها فوق ما تطيق، خاصة إذا كانت تمر بظرف ما كحمل أو نحوه، فإن ذلك يتسبب كثيرا في مضايقتها ومحاولة إنهاء عقدها.

(تخصصات حزينة)

تشتد الأزمة لدى خريجي بعض التخصصات الجامعية التي بات ما هو معروض منها يفوق الطلب، كالدراسات الاجتماعية والدراسات الإسلامية، حيث يصبح لجوؤهن إلى المدارس الأهلية قائماً على احتياج، وانتظارا بلا جدوى، وهذا ما يحدث لمنى الناصر المختصة بالدراسات الإسلامية والتي فقدت الأمل بالعثور على عمل في التعليم العام، لذلك اتجهت إلى المدارس الأهلية بعد تخرجها بعام واحد، تقول: لقد أصبحت في كآبة شديدة لأنهم كانوا يتعاملون معي كآلة، فقد كان نصابي (فظيعاً) وفي أوقات الفراغ يطالبونني بالقيام بمهام إدارية، بالإضافة إلى الإشراف على جدول الإذاعة المدرسية، وبحسب منى فإن من يعمل ويستمر في مدرسة أهلية لا بد أن يكون خارقاً!!

كل ما يحدث في المدارس الأهلية يشير إلى أزمة إشراف من قبل وزارة التربية والتعليم، فالوجه الأبسط لما يحدث هو أن هناك مشكلة وظلما واستبدادا وحاجة، وأن الجهة المعنية تعلم ذلك، ولكنها لا تتدخل، ولكن من يدري ربما أن ارتباطاً ما، بين هذه الإدارات وبين العمل الأهلي مصلحي أو غيره، هو ما يبرر عدم التدخل، أو تلك التدخلات الصورية، فحنان (أ) تشير إلى أنها منذ بدأت العمل في المدارس الأهلية وهي تسمع عن قرارات بشأن تنظيم العمل في المدارس الأهلية، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث، فالقرارات لا نسمع عنها إلا في الصحف والمدارس تحاول اشغالنا بشهادات الشكر والتقدير وخطابات الشكر فقط.

لكن الوزارة ومراكز الإشراف التي تتولى متابعة المدارس الأهلية تتدخل باستمرار، وهذا ما تؤكده إحدى مديرات المدارس لكنها تؤكد أيضاً أن تدخلهن لا علاقة له إلا بقضايا اللباس ومحاضرات النصح، وتفاصيل خاصة كالحواجب ولبس المعلمات فقط، وهذا ربما يكون مقبولاً لو جاء في سياق تدخل يرفع الظلم عن المظلوم.

إن الفلل المستأجرة والأحواش الطويلة المسورة لا يمكن أن تصنع جواً تربوياً فعلياً، فالكثير من المدارس الأهلية تذهلك بأعداد الناجحين فيها بامتياز، رغم أن مستوياتهم أقل من ذلك بكثير، (في إحدى المدارس الأهلية حصل سبعة طلاب على ترتيب «الأول مكرر») ويمكن الاستدلال على ذلك بمستوى الطلاب الذين بدأوا الدراسة في مدارس أهلية ثم انتقلوا إلى مدارس عامة بعد ذلك، وكيف يقيم أولياء أمورهم الدنيا ولا يقعدوها، حيث لا يستوعبون أن الطالب الذي كان ينجح بامتياز لا يستطيع الآن أن يتجاوز بعض المقررات.

إدارات التعليم الأهلي التي تهتم بتفاصيل تقع خارج الفعل التربوي غالباً والمدارس التي قد تكون أقرب شيء إلى شركة بين أفراد لا علاقة لأكثرهم بالهم التعليمي، وحالات الظلم المستمر التي تخيم على الموظفين والموظفات في المدارس الأهلية، والنجاح المجاني الذي يمثل أبرز سمات التعليم الأهلي كلها ظواهر تشير إلى أن خطراً يتهدد العملية التعليمية، ويتهدد قرابة 10٪ من الطلاب في المملكة، لكن ما يتهدد المعلمين والمعلمون أشد ضراوة وأكثر إيلاماً، فبإمكان أي ولي أمر أن يقوم بتغيير مدرسة ابنه أو ابنته إذا وجد أنها غير ملائمة، لكن ما ليس بالإمكان أن تكون هذه المدارس علامة ثابتة على كل ما هو مجحف وظالم، وأن يكون الواقعون في أسوارها من سعوديين وسعوديات منشغلين بعدد 24 حصة وقسمتها على 1200 ريال.

خارج الاحتفال

لقد احتفلنا مع الناس فقط، وشعرنا بالفرحة لأجلهم، أما على المستوى الخاص، فقد أشعرتنا هذه الزيادة بأننا نعيش خارج كل التطورات، ليست المعلمة حصة وحدها من تشعر بهذا، فكل الذين يعملون في المدارس الأهلية يشاركونها هذا الاحتفال بخيبة مستمرة، فالزيادة الأخيرة في الرواتب التي بلغت 15٪ نبهت كل العاملين في المدارس الأهلية إلى وضعهم الذي يشعرون معه بأنهم يقعون خارج هذا الحدث العام والكريم، الذي جاء كما تقول منيرة ليدلل على أن مراعاة القيادة للشعب مسألة دائمة وأن الاهتمام بالمستوى المعيشي يمثل مشروعاً دائماً للحكومة، ولكن وضعنا الذي جعلنا خارج الحكومة، لم يملأنا حسرة على فوات الزيادة، وإنما كان الأكثر إيلاماً إحساسنا بأنا غير معنيين، بما يحدث، وأننا نقع خارج هذا الاحتفال الذي كنت أقدم فيه التهاني للجميع ليسألوني ماذا عنك أنت؟

الذي حدث في الأيام التالية للقرار الملكي بزيادة الرواتب، ذلك الاقتداء الذي قامت به الكثير من المؤسسات الخاصة والقطاعات الأهلية وإقرارها لزيادات مماثلة، وحتى بعض القطاعات ذات الأنشطة الصغيرة قامت بذلك، لكن العاملين والعاملات في المدارس الأهلية كانوا خارج هذا الحدث تماماً، فالربحية التامة التي تمثل أبرز محاور التعليم الأهلي في السعودية لا تلقي بالاً لما هو تنموي وإصلاحي.

تحدثت بعض الأوساط مؤخراً عن تدخل من الوزارة يهدف إلى إقرار حد معين للرواتب، لكن تكتلاً قاده الملاك لايقاف ذلك، وهم يتحدثون باستمرار عن عقبات وصعوبات تواجههم وينبغي إزالتها، وليس الكثير من تلك الصعوبات سوى أطراف من المشهد البيروقراطي الذي تعيشه الوزارة والذي انتقل بطبيعة الحال إلى المدارس الأهلية، لكن تلك الصعوبات ربما تكون حائلاً أمام ربحية أكبر أو توسع استثماري ما، لكن لا أحد يتحدث عن العوائق والصعوبات والظروف التي تمر بالمنتسبين إلى هذه المدارس، ولا إلى حالة الهزال التام التي تظهر على المخرجات التربوية للمدارس الأهلية، الغريب أن أحدهم طالب ذات مرة بوضع حد لنسب السعودة في المدارس.

كل هذه القضايا تدل بوضوح على أن هناك مبرراً للشعور بالغربة والوقوع خارج دوائر الحياة العامة الذي أحاط بالعاملين والعاملات في المدارس الأهلية.

إن الاجتماعات الدورية والتوصيات المجازية ومحاضر الاجتماعات الفارهة والبخور الذي يعبق في صالات اللقاءات لا يمكن أن يحدد ملامح غائمة لمستقبل طالب بليد ينجح بامتياز لأنه في مدرسة أهلية، ولن يهون من حدة الألم الشهري، لمعلمة تتقاضى 1200 يذهب ربعه للنقل، وآخر لوسائل تعليمية، ولا لمعلم لا يمكن أن يفكر في مستقبله مسافة أبعد من فصل دراسي.

إن إعادة النظر في فكرة المدارس الأهلية وإخراجها جزئياً من اهتمامها الربحي وتحويلها إلى منشآت ذات فاعلية تنموية، تماماً كما هو الحال مع كثير من المؤسسات الخاصة، عدا ذلك فستظل مجرد جحيم يسمع المنتسبون إليها من عبارات الرحمة والتعاطف أكثر من عبارات الثناء والتقدير، وسيظل المنتسبون إليها خارج كل ما هو حيوي ووطني.
[/align]


منقول من الرياض :
http://www.alriyadh.com/2005/09/15/article94070.html