تحيات طيّبات اختي المرجوجة ورمضان مبارك عليك وعلى الجميع
موضوع جمّ الفائدة يستحقّ ان نمنحه بعضا من وقتنا , في الحقيقة ان هذا الأمر يرجع الى زمن موغل في قدمه , اذ احتفظ لنا المؤرخون بأوصاف بعض الرجالات ممن كانوا يمتلكون في زمنهم تأثيرا طاغيا على مجتمعاتهم , كما هو الحال مع رجال اللاهوت في الديانات الآسيوية القديمة ( الهند والصين ) ومبلغ الزهد والتقشّف الذي كان يميل ببعضهم احيانا الى ان ينبذ الجديد بمطلقه , وحدث ان تبنّى البعض من المريدين (الأتباع ) هذه العادة ( اهمال المظهر الخارجي والرهان على الجوهر ) فأخذوا شطرها الأول وأهملوا الآخر رغم اهميته البالغة .

امّا في اليونان القديمة ( الأغريق ) فلقد كان اهمال المظهر جزءا من السياق الفلسفي والمعرفي لعدد من الجماعات ولاحقا المذاهب الفلسفية . كالكلبية مثلا , التي كان ينام روّاد افكارها في الأماكن التي تجمع فيها القمامة . حتى لقد ذهب بعض المؤرخين الى ان تسمية هؤلاء الفلاسفة بالكلبية جاء كنتيجة حتمية للحياة الشاقة التي سلكوا مسالكها الوعرة والتي تذكر بحياة الكلاب .

وفي الحضارة الأسلامية احتفظ لنا الأخباريون المسلمون لأوصاف بعض الكتاب لا تختلف في جوهرها عما كنت قد ذكرته من قبل .. وهذا يشتمل على السلوك الأجتماعي ايضا كأوصاف اديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء ابو حيان التوحيدي الذي اقدم على احراق كتبه قبل وفاته وكذلك الحال مع الحريري صاحب المقامات والشاعر بشار بن برد وسواهم.

اما في العصور الحديثة فلقد كان الأمر جزءا من التحولات الكبيرة التي مرّت بها البشرية منذ نشوء ما يصطلح عليه بالعصر الصناعي وانحسار دور الأنسان وتغييبه في احيان اخرى . فجاء اهمال المثقّف لمظهره متلازما مع المنطق الصدامي الذي حاول ان يجابه فيه عملية التغييب التي استهدفت وجوده . فنشأت مدارس وتيارات كان الهدف من غرابتها , الأشارة الى الوجود الفردي او الجمعي بالصراخ والضجيج وافتعال الصخب في بعض الأحيان , وكان هذا سببا جوهريا في عدم استمرارها طويلا ( كالمستقبلية التي نشأت في ايطاليا اولا في بداية القرن العشرين والدادائية والسوريالية في فرنسا في الثلث الأول من القرن ذاته ) ولاحقا نشوء التيارات الفلسفية والفنية الكبرى عقب الحربين العالميتين في 1914 و 1939 واعني الوجودية بكلّ تمظهراتها وما خلفته من تأثير على المستوى الفكري والأجتماعي .......... اشكرك ثانية اختي المرجوجة واتمنى حقا وصدقا ان لا اكون قد اثقلت عليك وعلى اخوتي ورمضان مبارك على الجميع

مع خالص مودّتي
صلاح