اخواتي واخواني في رفحاء ومنتداها
تحيات طيّبات وسلام تام عليكم جميعا
اشارككم هنا أجزاء من بحث كنت قد كتبته قبل فترة وجيزة في دولة الأمارات العربية
والبحث في جوهره مخصّص لتناول اسماء الأمكنة في الامارات التي استمدّتها من الألوان .
ولكنني سأكتفي بأجزاء من المقدمة دون ان ادخل في متن البحث .
وآمل ان تغفروا اطالتي .
[align=center]اللون وحيواته كما عرفه العرب [/align]
من المفارقة اننا حين نحاول تعقّب الألوان فيما يحيطنا من اشياء ، فلن نبتعد عن الألوان التي تكرّست خلال القرن الأخير بعد ان أمات استعمالنا لها عشرات الألوان الأخرى التي درج قدامى العرب على استعمالها ومازالت دارجة على السنة البعض كلّما ابتعدنا عن الحواضر وتأثيرات وزحف المدنيّة عليها .
ليس في وسعنا الحديث عن درجات من الأبيض ، ولا الأسود ولا سواهما من الألوان ، في الوقت الذي كان العرب قبل الأسلام وفي صدره يمتلكون امكانية مدهشة على التمييز والتفريق بين درجات اللون الواحد حتى تبلغ احيانا العشرات ، ناهيك عن الجسم الواحد اذا اشتمل على اكثر من لون ، فهل امتنا الوانا جمّة عندما انحزنا الى لأصطلاح اللوني المعاصر ؟
واعني هنا بالأصطلاح ، هو اطلاق تسمية لونية على شيء دون العناية ومحاولة التفريق بين درجاته .
قد يكون كتاب الخيل لأبي عبيدة معمّر بن المثنّى التيميّ اوّل من افرد بابا لألوان الخيل من نحو خمس صفحات كاملة ، فذكر الأدهم ومصدرها الدهمة ثم حاول ان يستوفي غرضه من المادة فقسّم الدهمة في الخيل الى ( أدهم غيهب ، أدهم دجوجي ، ادهم أكهب ) وكذلك الشأن مع الألوان الأخرى ، فمثلا في باب الشقرة قسّم اللون الى :
أشقر أدبس
أشقر مدمّى
أشقر أقهب
أشقر أسفر
أشقر أفضح
اما غرر الخيل فلم يذكرها اصطلاحا كما نفعل الآن بل امعن بصره فيها وميّز بين درجاتها فذكرمنها :
لطم
شادفة
سائلة
شمراخ
منقطعة
شهباء
مغرب
ويستمر ابو عبيدة حتى يأتي على الألوان ودرجاتها على نحو يجعلنا نتساءل ان كان في وسعنا استعادة هذه المسميّات التي تزخر بالثراء لنعيد اليها الحياة ثانية .
واذا تقدمنا على زمن ابي عبيدة رحمه الله فسنقف عند مؤلف الععل المنسوب الى بلينوس الحكيم والذي افرد بابا دعاه ( القول في الألوان ) حاول فيه ان يتحدّث اجتماع الألوان وتكاثفها وتداخلا وغلبة بعضها على بعض وتولّدها .
ثم تستمر مصادرنا بالأشارة الى الألوان ، تارة بتفصيل يقتضيه بيان الفكرة وبأقتضاب شديد تارة اخرى حتى نصل الى ابن سينا والفصل الذي عقده في كتاب الشفاء الذي منح الموضوع بعدا فلسفيا :
( الأتجاه من البياض الى السواد يكون بطرق شتى فيتوجّه الجسم من الغبرة الى العودية ثمّ كذلك حتى يسودّ ويأخذ من البياض الى القتمة ثم الى السواد ويأخذ من البياض الى الخضرة ثم الى النيليّة ثم الى السواد ، ولولا اختلاف ما يتركب من هذه الألوان المتوسطة عنها لا جد الطريق .
ويستمر اب سينا فيتحدث عن امتصاص اللون الأسود للضوء : الضوء لا ينقل السواد تجربة ، اي اذا انعكس الضوء من جسم صقيل اسود الى جسم آخر لم يصر المنعكس اليه اسود فلو لم يكن الا سواد وبياض وجب الا يصير المنعكس عليه احمر واخضر لأن هذه الألوان انما هي لأجل اختلاط لشفاف بالمظلم والأنعكاس انما يكون من الأجزاء الشفافة دون السواد فوجب ان لا ينعك الى البياض الذي هو الضوء وهو باطل قطعا )
وهنا يبلغ ابن سينا في تحديد تولد لالوان من البياض الذي هو الضوء صرفا ما في وسعنا الوصول اليه بيسر في المظان الحديثة وانظريات المعاصرة .
ان المشهد اوسع من ان نحصره في دلالة او ثيمة بعينها ، فلم تقتصر الألوان ودلالاتها في الأشارة الى شيء دون غيره ، بل نجدها تتحرّك في مساحة واسعة من الأنسان والحيوان والنبات وسائر الجمادات ،
ففي كتاب خلق الأنسن لأبي محمد ثابت بن ابي ثابت وهو الكتاب الذي ترك تأثيرا طاغيا على ابن سيده في كتابه المخصّص ، نجده يفرد بابا ممتعا في الوان الشّعر ، وآخر في الوان الحدقة ، ومعروف ان ابا محمد قد وافاه الأجل سنة 224 هـ وهو تاريخ يجعلنا نطمئن الى ريادته في هذا الباب .
واما كتاب الملمّع لأبي عبد الله الحسين بن علي النمري ، فنجده يتوسّع على نحو كبير فيذكر ما عرفه العرب من الألوان ودرجاتها معزّزا بشواهد شعرية من اشعار فحول قبل الأسلام وصدره ، فيذكر مثلا ان ( الخضرة عند العرب : السواد ) ، ومعروف ان العراق عرف بالسواد لأكتظاظ خضرته ، وهناك من يرى ان الأخضر اذا امعن في ريّه فأنه يسودّ .
ومعروف ان هناك مدنا تستمد تسمياتها من الألوان كما في تل احمر وتلعفر والسوادة والرمادي بل وبلادا بأسرها كالسودان ، وهناك بيوتات واسر معروفة كما في : السويدي والسوداني والبيضاني والحمراني والأحمر والأحمري والأزرق والأزرقي والخضراوي والخضر والأخيضر والورد والأسمر والأشقر والأشيقر .....
ومن الطيور نذكر تمثيلا الحمّرة والخضيري والزنكي ( الأسود ) والزريجي ...
كونوا بخير جميعا واسعد الله ايامكم .
ملاحظة : لم يسبق لي ان نشرت هذا البحث من قبل ، واخصّ به اخوتي واصدقائي في رفحاء اوّلا .
صلاح
مواقع النشر (المفضلة)