



-
عضو متميز جدا
دور المستشرقين في حياتنا - سليمان محمد المنديل
موضوع جميل أعجبني .. جداً جداااا ..
سليمان محمد المنديل
دور المستشرقين في حياتنا
حديثي اليوم هو عن المستشرقين الذين جاؤوا إلى جزيرة العرب، ورصدوا حياة سكانها، في القرنين، التاسع عشر، والعشرين، ولو تساءل أحد ما علاقة ذلك بالاقتصاد، لأجبت بأن جهود أولئك المستشرقين، ساهمت في الحفاظ على جزء أساسي من تراثنا، وسهّـل، وسيسهّـل على أجيالنا القادمة معرفة واقع مجتمعهم في تلك الحقبة الهامة، من تاريخهم السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، وبالذات بخصوص الوضع الاقتصادي، حيث سيتعرفون على شظف العيش، الذي عاشه أجدادنا.
بشكل عام، هناك شعور، وأعتقد أنه خاطئ، باعتبار أن المستشرقين الذين جاؤوا إلى الجزيرة العربية، هم جواسيس، أضروا بنا، أكثر من أن ينفعونا، وليسمح لي القارئ، والقارئة، أن أدعي، أن وضعنا اليوم هو أفضل، بسبب أولئك المستشرقين، وإليكم البراهين:
كلمة جاسوس قد تعني في القرن التاسع عشر، أن هناك رغبة من حكومة إنجلترا، أو فرنسا، أو ألمانيا، أو روسيا، أو النمسا (وهي القوى العظمى في وقتها)، في التعرف على الوضع المحلي في جزيرة العرب، خصوصاً بعد بروز الحركة الإصلاحية، بقيادة الإمام محمد بن سعود، والشيخ محمد بن عبد الوهاب، التعرف فقط، وليس بالضرورة الإضرار بأحد، بل كان كل همّ الإنجليز، وهم القوة المهيمنة في العالم، الحفاظ على خطوط اتصالها بالهند، وكان لا بد من الاستعانة بنوعية خاصة من الرجال المغامرين، الذين كانوا مستعدين لتحمل شظف العيش، وتعلم اللغات، واللهجات، والتخفي تحت شخصية، طبيب (حكيم)، أو درويش، واستبدال حياتهم المريحة في بلدانهم، بالحياة في المشرق العربي، وأصعبها الحياة في جزيرة العرب.
واليوم ونحن نقيّم تلك الحقبة، لا نملك إلا أن نقدّر بأن أولئك المستشرقين، قد جاؤوا إلى أقطارنا، ورصدوا ما كانت عليه حياة أجدادنا، وبالتأكيد أنه بدون أولئك المستشرقين، فإن حياة أجدادنا، كانت ستبقى بعيدة عن الرصد المكتوب، لأن أجدادنا كانوا مشغولين بمواجهة حياتهم اليومية الصعبة، في حين أن أولئك المستشرقين قد جاؤوا برغبة التعرف على مجتمعاتنا.
هنا يحضرني أمثلة عديدة، من أولئك المستشرقين، وسأبدأ مع بركهارت، الذي كان أول من دخل المشاعر المقدسة متخفيا،ً في عام 1800م، ثم تبعه بيرتون الذي حج أيضاً، وترجم قصص ألف ليلة وليلة. وكلاهما وصف لنا طقوس الحج، والأهوال التي كان يواجهها الحجاج، في طريقهم إلى، ومن مكة، والمدينة، وهناك سادليير، المندوب البريطاني في الإمارات المتصالحة (الإمارات العربية)، والذي جاء إلى نجد في عام 1818م، لمقابلة إبراهيم باشا، ووصف الأوضاع المأساوية في نجد، بعد انتهاء الدولة السعودية الأولى، وهناك بلجريف الذي وصل الرياض، في عام 1862م، ويروي بلجريف قصة، كنت أظن خطأً، أنها تمت في عصرنا الحديث، وهي أن مندوب هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في الرياض، يسأل شخصاً، هل صليت الفجر مع الجماعة؟ فيجيبه بالإيجاب، ومن ثم يسأله مندوب الهيئة، مختبراً صدق جوابه، من كان على يمينك؟ فيجيب: بدوي متلطم (متلثم)، ومن كان على يسارك؟ فيجيب: عمود المسجد، وبذلك الجواب الذكي، تخلص الشخص من عقاب محتمل.
ثم هناك أعظم الرحالة، وأجملهم أسلوباً، تشارلز داوتي، والذي كتب كتاباً عن تجربته في الجزيرة العربية (Arabian Deserta)، وبه أظهر إعجابه بقبيلة هتيم، التي تبنته، وقدرته، ويصف فيه معاناته مع أهل القصيم، الذين كادوا أن يقتلوه، لولا إنقاذ عبدالله الخنيني له.
وهناك السيد، والسيدة بلنت اللذان زارا حائل عام 1872م، وهناك جورنامي الإيطالي، الذي رحّب به محمد بن رشيد، ولكن عندما بدأ المستشرق في نسخ النقوش المنحوتة على بعض صخور قرى حائل، ارتاب الأمير منه، ويقال إنه رتب اغتياله من قبل أحد الخويا في مدينة ينبع، في طريق عودته، واختفت بذلك مذكراته، ورسوماته.
وفي القرن العشرين، هناك الكابتن شكسبير، الذي زار الرياض مرتين، وقتل برصاصة طائشة، وهو يقف على أحد الكثبان المطلة على أرض معركة جراب، بين المؤسس الملك عبدالعزيز، وابن رشيد، رحم الله الجميع، وهناك عبد الله فيلبي (له عدة مؤلفات ثمينة حول الجزيرة العربية)، و لورنس (أعمدة الحكمة السبع)، وهناك السيدة جيترود بيل (الخاتون)، والتي احتجزت لفترة وجيزة في عام 1918م، في حائل، ثم أصبحت الحاكم السياسي في العراق، قبل الملكية.
وأخيراً وليس آخراً هناك المستشرقان، أمين الريحاني (ملوك العرب)، وديكسون، المندوب السامي البريطاني في الكويت، (الكويت وجاراتها)، و (أربعون عاماً في الكويت)، وكلاهما أرّخا للاجتماع التاريخي للمؤسس عبدالعزيز، مع المندوب السامي البريطاني برسي كوكس، في مؤتمر العقير، عام 1922م، ولأهمية الحدث، لن أنصف الموضوع، بالحديث عنه في عجالة، ولكنني أحيل القارئ إلى تلك المراجع، لأنها، وبكل وضوح، تبين، وبجلاء، عظمة المؤسس عبد العزيز، كمفاوض سياسي.
بعد كل ذلك، أوصي الجميع، بألا يستعجلوا بتبنّي نظرية أن المستشرقين، مجرد جواسيس، وأن يقوّموا اليوم ما تركوه لنا من إرث إيجابي، بالتأكيد ما كان ليتهيأ لنا أن نحظى بمعرفة ما عليه أجدادنا، لولا جهودهم، ووجودهم، بين ظهرانينا، فهم رجال عظام.
* ملحوظة: يوجد عدد أكبر من المستشرقين الذين طافوا أرجاء الجزيرة العربية، ولكن الأسماء الواردة في المقال هي الأهم من حيث وجودهم في منعطفات تاريخية هامة، وما تركوه من إرث مكتوب.
كاتب سعودي
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
قوانين المنتدى
مواقع النشر (المفضلة)