المسألة الثامنة والتسعون
صيام تسع من ذي الحجة
هل يسن صيام تسع من ذي الحجة ؟
هناك حديثان :
الأول :
أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يصم هذه الأيام التسع كما جاء في صحيح مسلم من طريق إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت ما رأيت رسول الله  صائما في العشر قط وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم العشر ، قال النووي قال العلماء هذا الحديث مما يوهم كراهة صوم العشر والمراد بالعشر ها هنا الأيام التسعة من أول ذي الحجة قالوا وهذا مما يتأول فليس في صوم هذه التسعة كراهة بل هي مستحبة استحبابا شديدا لاسيما التاسع منها وهو يوم عرفة
وثبت في صحيح البخاري أن رسول الله  قال ما من أيام العمل الصالح فيها أفضل منه في هذه " يعني العشر الأوائل من ذي الحجة فيتأول قولها لم يصم العشر أنه لم يصمها لعارض مرض أو سفر أو غيرهما أو أنها لم تره صائما فيها ولا يلزم من ذلك عدم صيامه في نفس الأمر"
ويدل على هذا التأويل حديث هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي  قالت كان رسول الله  يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر أول اثنين من الشهر والخميس رواه أبو داود وهذا لفظه وأحمد والنسائي وفي روايتهما وخميسين انتهى
وقال الحافظ في الفتح في شرح حديث البخاري الذي ذكره النووي ما لفظه : واستدل به على فضل صيام عشر ذي الحجة لاندراج الصوم في العمل قال ولا يرد على ذلك ما رواه أبو داود وغيره عن عائشة رضي الله عنهما قالت ما رأيت رسول الله  صائما العشر قط لاحتمال أن يكون ذلك لكونه كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض على أمته كما رواه الصحيحان من حديث عائشة أيضا انتهى (ولم يعز الحافظ حديث عائشة رضي الله عنهما إلى صحيح مسلم وقد خرجه فكان أولى بالعزو من سنن أبي داود)
الثاني
أنه كان يصومها، بل لم يكن يدع صيامها ، كما عند أحمد والنسائي من حديث حفصة رضي الله عنهما" وفيه اختلاف كثير ،
قال الإمام أحمد رحمه الله: إن المثبت مقدم على النافي ، وقال بعض أهل العلم تعارضا فتساقطا فيرجع إلى الحديث العام (ما العمل في أيام أفضل منها في هذا العشر قالوا: ولا الجِهادُ؟ قال: ولا الجِهادُ، إِلاَّ رجُلٌ خرَجَ يُخاطِرُ بنفسهِ وَمالهِ فلم يَرجِعْ بشيء» رواه البخاري من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ،
وقال بعض أهل العلم : صامها النبي صلي الله عليه وسلم عاماً وتركها آخر لأن كلاً أخبر بما رأى ، أو صام بعضها وأفطر بعضها ،
فائدة :
اشتهر عند الكثير من الدعاة والوعاظ أن هذا الحديث جاء في صحيح البخاري بهذا اللفظ (عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله  ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء )
والصواب أن هذا اللفظ لأبي داود وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم وليس لفظ البخاري ،
المسألة السابعة والتسعون
صيام يوم عرفة
يسن صيام يوم عرفة لقوله صلى الله عليه وسلم: ( صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة ). رواه مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه ،
وهل تكفيره للكبائر أو الصغائر ؟
قولان لأهل العلم والصواب أنه يكفر صغائر الذنوب ، وأما الكبائر فلا بد لها من التوبة النصوح ،
المسألة الثامنة والتسعون
شروط صيام يوم عرفة
1. يسن صوم يوم عرفة لغير حاج بها ، فلوعلم الحاج أنه لن يصل إلى عرفة إلا ليلا لم يكره له صيام عرفة ،
2. لو كان الرجل بعرفة ولكنه ليس بحاج شرع له صيام عرفة ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفطراً بها ، كما جاء في الصحيحين ، وخير الهدي هدي نبينا صلى الله عليه وسلم ،
ولأن الصوم يضعف الإنسان عن الدعاء والعبادة ، وقد روى أحمد وأبوداد والنسائي وابن ماجه من طريق مهدي الهجري
( العبدي ) عن عكرمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم عرفة بعرفات ، ومهدي ضعف للجهالة ولم يتابع عليه ،
المسألة التاسعة والتسعون
حكم صوم يوم العيد
هل يوم العيد يعتبر من أيام عشر ذي الحجة ؟
نعم يعتبر منها ، ولكنه يحرم صوم يومي العيدين بالإجماع, لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يومين: ( يوم الفطر ويوم النحر ). رواه أحمد والشيخان من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
المسألة المائة
أفضل صيام التطوع
أفضل صيام التطوع صيام يوم وإفطار يوم لقوله صلى الله عليه وسلم ( صم يوما وأفطر يوما فإنه أفضل الصيام وهو صيام أخي داوود )، متفق عليه من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما.
المسألة الواحدة بعد المائة
حكم صيام رجب
يكره صيام رجب . قال شيخ الإسلام رحمه الله ( وأما صوم رجب فأحاديثه كلها ضعيفة بل موضوعة لا يعتمد أهل العلم على شيء منها )
وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن صيام رجب) ،رواه ابن ماجه ، ورواه الطبراني في المعجم الكبير ولكن بلفظ نهى عن صيام رجب كله ، والإسناد ضعيف ،علته داوود بن عطاء ، قال عنه الإمام أحمد : لا يحدث عنه ليس بشيء.
وقال البوصيري: وهو متفق على تضعيفه ، وروى ابن أبي شيبة في المصنف بإسناد صحيح من طريق خرشة بن الحر قال رأيت عمر يضرب أكف الناس في رجب حتى يضعوها في الجفان ويقول كلوا فإنما هو شهر يعظمه أهل الجاهلية ،
والسبب في كراهة صوم رجب حتى لا يلتزم المسلم صيامه . أو يتمه كاملا فيشبهه برمضان ، ولذلك نقل الحافظ ابن قدامة في المغني عن الإمام أحمد قوله : من كان يصوم السنة صامه ، وإلا فلا يصومه متواليا ، يفطر فيه ولا يشبهه برمضان .
المسألة الثانية بعد المائة
صيام يوم الجمعة
يكره صيام الجمعة مفرداً ، لما روى أحمد والشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تصوموا يوم الجمعة إلا وقبله يوم أو بعده يوم). وتزول الكراهة إن لم يفرده بالصيام بأن يصوم يوما قبله أو يوما بعده واختار ذلك شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم ، كما تزول الكراهة إذا صامه من أجل أن يوافق صومه أو يكون لصيامه سبب كالقضاء أو وافق أنه عرفة أو عاشوراء وما أشبه ذلك ، لما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم).
وذهب بعض أهل العلم إلى تحريم تخصيص يوم الجمعة بالصوم ، و فيه قوة،
المسألة الثالثة بعد المائة
صيام يوم السبت
ذهب بعض أهل العلم إلى كراهة إفراد يوم السبت بالصيام ، لما روى الإمام أحمد وأهل السنن إلا النسائي عن عبدالله بن بسر عن أخته الصماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ، فإن لم يجد أحدكم إلا عود عنب أو لحاء شجرة فليمضغه). واختار شيخ الإسلام أنه لا يكره صومه ،سواء صامه مفردا أو صام معه يوما آخر، وقال إن حديث النهي عن صوم يوم السبت شاذ أو منسوخ ، ويظهر أن النسخ الذي يشير إليه هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه ، ثم بعد ذلك أمر بمخالفتهم كما روى الشيخان وغيرهما عن عُبَيدُ اللهِ بن عبد الله بنُ عتبةَ عنِ ابن عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما «أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلّم كان يَسْدِلُ شعرَه، وكان المشركون يَفرُقونَ رؤوسهم، وكان أهلُ الكتاب يَسدِلونَ رؤوسهم، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم يحبُّ مُوافقةَ أهلِ الكتاب فيما لم يُؤْمَرْ فيه بشيء، ثمَّ فرقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم رأسَه»، ويشهد لذلك قول كريب أن ابن عباس وناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثوني إلى أم سلمة أسألها: أي الأيام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر لصيامها ؟ قالت يوم السبت والأحد، فرجعت إليهم فأخبرتهم فكأنهم أنكروا ذلك، فقاموا بأجمعهم إليها ، فقالوا : إنا بعثنا إليك هذا في كذا، وذكر أنك قلت كذا فقالت : صدق، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما كان يصوم من الأيام السبت والأحد ،وكان يقول إنهما عيدان للمشركين ، وأنا أريد أن أخالفهم رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وحسنه ابن القطان ،
المسألة الرابعة بعد المائة
حكم صيام أيام التشريق
يحرم صيام أيام التشريق، وهي ثلاثة أيام من بعد يوم النحر، لما أخرج أحمد والطحاوي بسند صحيح عن مسعود بن الحكم الأنصاري عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن حذافة أن يركب راحلته أيام منى فيصيح في الناس: لا يصومن أحد فإنها أيام أكل وشرب، فلقد رأيته على راحلته ينادي بذلك) وجاء في رواية عند أحمد ومسلم عن نبيشة الهذلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيام التشريق أيام أكل وشرب)، وهذا الحديث له روايات كثيرة جدا حتى قال عنه بعض أهل العلم إنه حديث متواتر المعنى.
المسألة الخامسة بعد المائة
المستثنى من تحريم أيام التشريق
يستثنى من تحريم صيام أيام التشريق من كان متمتعاً أو قارناً ولم يجد الهدي لخبر عائشة وعبدالله بن عمر رضي الله عنهم : (لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي) رواه البخاري ، وفي رواية عنهما أنهما قالا: (الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى يوم عرفة فإن لم يجد هديا ولم يصم صام أيام منى).
المسألة السادسة بعد المائة
حكم قطع صيام النفل
لا يجب إتمام نفل الصيام بل يجوز قطعه ، ودليل ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر) رواه أحمد والترمذي من حديث أم هانئ وحسن إسناده العراقي، وله طرق ، وروى مسلم وغيره في صحيحه عن عائشة رضي الله عنهما قالت : يا رسول الله أهدي لنا حيس ، فقال: (أرينيه فلقد أصبحت صائماً ، فأكل) وهل يحب قضاؤه ؟ قولان لأهل العلم ، والصحيح منهما أنه لا يجب قضاؤه ، لما جاء في رواية أبي داوود لحديث أم هانئ قالت (يا رسول الله أفطرت وكنت صائمة فقال لها : أكنت تقضين شيئا ؟ قالت لا ، قال : فلا يضرك إن كان تطوعا).
يتبع ...