ضيوف الرحمن في رعاية الله فلا داعي للقلق من إنفلونزا الخنازير
إطلعت على الكثير مما كتب حول إنفلونزا الخنازير وتابعت بحكم تخصصي في الجراثيم الطبية حركة هذا الفيروس في العالم . وقد ذُهلت وتعجبت من إثنين خاضوا في هذا الأمر .
الأول طبيب مسلم مختص ينبري ليدافع ويبرئ الخنازير من أنها ليست السبب في ظهور هذا الفيروس الجديد وإنتشار هذا الوباء....... !!
وعلماء العالم كلهم، شرقيهم وغربيهم، أثبتوا بما لا يدعُ مجالا للشك أن الأصل الحاضن والموزع الرئيس لهذا الفيروس هو الخنزير .
وأما الثاني فهم العلماء الذين رأوا تأجيل الحج وإلغاء العمرة بسبب إنفلونزا الخنازير، وبنية الحفاظ على صحة الحجاج والمعتمرين ....
وهذا ليس سليما من وجه نظري ولا داعي له إطلاقا للأسباب التالية:
أولا : هذا الوباء (إنفلونزا الخنازير) أقل خطورة على البشر من غيره ، إذ أن نسبة الذين ماتوا بسببه لا يتعدون واحداً من كل مائتي مصاب، وهم من الذين عندهم ضعفٌ في جهاز المناعة إما لصغر سنهم أو كبره ، لهذا فهذا الوباء أقل خطورةً وأذىً من الإنفلونزا البشري المعروف .
ثانيا : إذا كان لابد من الرغبة في منع السفر أو تأجيله فليكن منعه إلى المناطق الموبوئة مثل الولايات المتحدة الأمريكية و المكسيك وما شابهها ....
أما بلادنا فليست موبوئةً لا بالخنازير ولا بفيروساتها الممرضة .
ثالثا : لا تحتاج الوقاية من هذا الوباء إلَّا إلى المزيد من الإلتزام بالأوامر الإسلامية ، من حيث غسل اليدين ، فعدى عن الوضوء يقول لنا صلى الله عليه وسلم " بركةُ الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده ......."
وإتباع آداب العطاس من حيث وضع اليد على الأنف وتشميت العاطس ، ثم السلام بالمصافحة لا بالتقبيل كما أمر الحبيب المصطفى....وللمزيد من الإحتياط لابد من إستعمال الكمامات لُمخالطي المصابين فقط .
رابعا : وهذا هو الأهم بنظري, فأنا وبحكم إختصاصي بالجراثيم الطبية ، أعتقد أن ميكروبات الأوبئة المختلفة من فيروسات وبكتيريا وفطريات وطفيليات ، تجتمع كل عامٍ بأعداد لا يعلمها إلا الذي خلقها مرات ومرات في مكة المكرمة والمدينة المنورة ، مع الحجاج والمعتمرين الذين يأتون من كل أصقاع الدنيا ، باختلاف عاداتهم وتباين مستوى معرفتهم ونظافتهم ، ففيهم من أجهل الناس إلى أعلمهم ، جاءوا من أفريقيا ومعهم ميكروبات أوبئتها الخاصة وشرق وجنوب شرق آسيا بجراثيمها الاخرى .... يجتمعون ومعهم مليارات المليارات من الميكروبات الممرضة... ومع هذا لم نسمع يوما عن إنتشار وباء الكوليرا أو التوفئيد أو الدفتيريا أو الحصبة ...... بين الحجاج أو المعتمرين .....!! فما سر ذلك يا ترى ؟؟!!
رصدت أكثر من مئة نوع من هذه الميكروبات التي تُسبب أوبئة مختلفة ، يأتي بعضها مع حجاج أفريقيا والبعض الآخر مع أهل الشرق والآخر مع أهل الغرب ......
وهي تتواجد بمليارات المليارات مع الحجاج وعليهم ، وتتكاثر بسرعة أكبر في الجو الحار ، فدرجة الحرارة في السعودية مناسبة جداً لتكاثرها ، و اجسام الحجاج المرهقة والمتعبة من السفر الذي يُضعف بدوره فعالية جهاز المناعة عندهم ، كلها عوامل مواتية وجاذبة ومشجعة للميكروبات لإحداث أمراض تنتشر إنتشار النار في الهشيم عند الحجاج .
ورغم أن السلطات الصحية السعودية تأخذ بكل الأسباب الممكنة ، وتوفر أقصى ما يستطاع من درجات النظافة ، إلا أن ذلك لوحده بأي حال من الأحوال ، لا يمكن أن يكون كافيا للوقوف أمام هذه الجيوش الجراره ، التي لا تعد ولا تحصى من الميكروبات المختلفة ، التي لا تقف دقيقة واحدة دون أن تتكاثر ، إذ أثبت علماء الجراثيم أن الخلية البكتيرية الواحدة تصبح مليارا بعد عشر ساعات .... ومع هذا كله لم نسمع يوما ، لا في القديم ولا في الحديث ، عن وباء الكوليرا أو الطاعون أو الدفتيريا وما شابه ، قد إجتاح الثلاثة ملايين حاج ، الذين يجتمعون على صعيد واحد وفي وقت واحد ، يشربون من نفس الماء ويتنفسون من نفس الهواء بل وياكلون نفس الطعام !!.
وسر الأسرار في ذلك كله ، كما أعتقد وأزداد بذلك يقينا في كل عام ، أنها ميكروبات ممرضة كثيرة مع وقف التنفيذ....!! فهؤلاء الحجاج والمعتمرون هم ضيوف الرحمن .....!! ومن اكرم على صفوة العباد من خالقهم خاصةً في دياره المقدسة ...!! نعم ميكروبات معطلة القدرة بأمر الله .....!!
لأنها جندي مطيع من جنوده الكثيره ( وما يعلم جنود ربك إلا هو ).
والدليل على ذلك من القران الكريم ، في قصة نقرأها كثيرا ولكننا كالعادة لا نعي منها إلا جانبا أو آخر ، حيث يقول الله تبارك وتعالى في سورة البقرة ( أوْ كَالَّذِي مـَرَّ عَلَى قَرْيَـةٍ وَهِـيَ خَـاوِيَةٌ عَلَى عُـرُوشِهَا قَالَ أَنَّـى يُحْـيي هـذِهِ اللهُ بَعْـد مَوْتِهَا فَأَمَاتَـهُ اللهُ مائَةَ عـامٍ ثـمَّ بَعثـهُ قـَال كَـمْ لَبِثْتَ قَََـال لَبِثْتُ يوماً أو بَعـضَ يومٍ قَـال بل لَبِثْتَ مائةَ عـامٍ فانظُر إلى طَعَامـِكَ وشرابِكَ لـم يَتَسَنَّه وانظُرْ إلى حِمَـارِكَ ولِنَجْعَلـَكَ آيةً للنَّاسِ وانظُرْ إلى العِظَامِ كيف نُنشِـزُهَا ثُـمَّ نَكْسُوها لَحْمـاًً فَلَمّـَا تَبَيّـَنَ لَهُ قَـالَ أَعْـلَمُ أنَّ الله عَلَى كُلَّ شَيءٍ قَدِيـرٌ ) .
ففي هذه الآية الكريمة ، يذكر الله تبارك وتعالى عن الطعام والشراب بأنه لم يتسنه ( تين وعنب وشرابهما ) ، أي لم يفسد ، بمعنى لم تحلله البكتيريا وتخربه كما تفعل عادة ، وكما هو مألوف لدينا ، ورغم أنه مكث مئة عام ، وفي الأحوال العادية وهي سنة الله في كونه ، أن لا يمكث الطعام والشراب في العراء أكثر من عدة أيام ، حتى تتلفه الميكروبات و يتحول إلى مواد أخرى كليا ، ولا يبقى طعاما على الإطلاق .... !! إذاً أوقف الله تبارك وتعالى عمل الميكروبات الموجودة على الطعام والشراب وفي الهواء المحيط ، فلم تحرك ساكناً ، بل كانت جنديا مطيعا لأمر ربها ....!! وفي نفس الآية الكريمة يأمر الله تبارك وتعالى الميكروبات الموجودة في جسم الحمار أن تُحلل لحم الحمار وعظمه .....!!
لهذا أصبح تُرابا كغيره من المخلوقات ، عندما تتفسخ وتتحلل ثم أراه الله الآية العظيمة كيف ينشز الله العظام ثم يكسوها لحما ، فيعود حماره امامه كاملا كما تركه قبل مئة عام ( .... فَلَمّـَا تَبَيّـَنَ لَهُ قَـالَ أَعْـلَمُ أنَّ الله عَلَى كُلَّ شَيءٍ قَدِيـر).
ففي الحادثة نفسها في هذه القصة ، نرى وبمنطوق القرآن الكريم حالتين ، مختلفتين تماما ، لهما علاقة بالميكروبات
الأولى : أوقف الله تبارك وتعالى فعل الميكروبات فلم يتحلل الطعام والشراب.
والثانية : أجرى الله سنته ، وترك الميكروبات تقومُ بعملها المعتاد ، فتحللَ الحمارُ كلياً .
فالميكروبات مخلوقات مطيعة لخالقها تماما ، وجنود جاهزة لتنفيذ أوامر الله دون تلكأ وتباطئ أومجادلة أو كلل وملل ، كما يفعل الإنسان الذي قال فيه ربُّ العزًة( وَلَقد صرّفنَا في هذا القرآنِ للناسِ من كلِ مثلٍ وكانَ الأنسَانُ أكثَرَ شيئٍ جَدَلا ) . نعم ميكروبات ممرضة ..... مع وقف التنفيذ خاصة في الحرم المقدس .....!! فلا غرابة فهم ضيوف الرحمن وخاصته ....
فهم في رعاية الله وحفظه فلا تقلقوا عليهم من إنفلونزا الخنازير وأمثاله.
الدكتور عبد الحميـد القضــاة
إختصـاصـي الجراثيــم الطـبيــة
مواقع النشر (المفضلة)