بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد :
فقد طُبع للشيخ المحدث عبدالله السعد في رمضان 1428هـ عن دار المحدث رسالة بعنوان ( البدر التمام في بيان حكم بعض ما ورد في فضل رمضان ) وتقع في 50 ورقة فقط .
وذكر الشيخ حفظه الله بعض الأحاديث الصحيحة المتعلقة بفضائل رمضان أو فضائل الصيام ثم ذكر بعض الأحاديث الضعيفة في ذلك وقال ص9 :
" ..ومع هذا الفضل العظيم ، إلا أنه جاءت أحاديث لا تصح ، ذاعت وانتشرت بين الناس ، بل وصل الأمر في بعض الأحيان أنه لا يُذكر في فضل هذا الشهر العظيم ؛ إلا هذه الأحاديث ، ويُجزم بنسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فاقتضى الأمر التنبيه على ذلك ، وبيان ضعف هذه الأخبار ، ونكارة متون بعضها ، وذلك بالاختصار والإيجاز ، وإلا فبعضها يحتاج إلى بسط أكثر من ذلك . " اهـ .
وأحببت أن أنقل وأختصر كلام الشيخ ـ حفظه الله ـ على الأحاديث دون إطالة بل سأقتصر على درجة الحديث وما يلزم ذكره من كلام الشيخ نفسه وما بين { المعوقتين } فليس من كلام الشيخ وإنما أضفته للتناسق ، ومن أراد قراءة كلام الشيخ كاملاً فليرجع للكتاب وهو موجود على الرابط التالي وبالله التوفيق :
http://www.alssad.com/publish/article_213.shtml
أولاً : فصل في بعض ما صح من فضائل هذا الشهر الفضيل :
1 / ما جاء في الصحيحين البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن في الجنة باباً يقال له الريان ، يدخل منه الصائمون يوم القيامة ، لا يدخل معهم أحد غيرهم ، يقال : أين الصائمون ؟ فيدخلون منه ، فإذا دخل آخرهم ، أغلق فلم يدخل منه أحد ) .
2 / ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : (الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر ) .
3 / ما جاء في الصحيحين : البخاري ، ومسلم كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قال الله : كل عمل بن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ، والصيام جُنّة ، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل : إني امرؤ صائم ، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، للصائم فرحتان يفرحهما : إذا أفطر فرح ، وإذا لقي ربه فرح بصومه ) .
4 / الصوم يقي المسلم من الشهوة ، فقد أخرج الشيخان : البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) .
5 / الصوم من أسباب دخول الجنة ، فقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من أصبح منكم اليوم صائماً ؟ ) قال أبو بكر : أنا . قال : ( فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟ ) قال أبو بكر : أنا. قال : ( فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً ؟ ) . قال أبو بكر : أنا. قال : ( فمن عاد منكم اليوم مريضاً ؟ ) قال أبو بكر : أنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما اجتمعن في امرئٍ إلا دخل الجنة ) .
{ وذكر الشيخ أحاديث أخرى صحيحة ولكني اقتصرت على نقل هذه فقط }
ثانياً : فصل في بعض الأحاديث الضعيفة الواردة في فضائل هذا الشهر
الحديث الأول :
حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه الطويل المشهور ، وفيه :
( قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك...من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه ...وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار... من فطّر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه ، وعتق رقبته من النار ، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء ) .
الحديث الثاني :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطها أمة قبلهم : خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ، ويزين الله عز وجل كل يوم جنته ، ثم يقول : يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة والأذى ويصيروا إليك ، ويصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصوا إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره ، ويغفر لهم في آخر ليلة ). قيل : يا رسول الله أهي ليلة القدر ؟ قال : ( لا ، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله ) .
أخرجه أحمد والبزار وغيرهما من طريق يزيد بن هارون عن هشام بن أبي هشام عن محمد بن الأسود عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة به .
الحديث الثالث :
حديث: ( صوموا تصحوا ) :
هذا الحديث جاء من عدة طرق عن جماعة من الصحابة ...والحديث لا يصح بحال من جميع طرقه ، وأنه حديث منكر ، وتقدم تضعيف العقيلي له ، وكذا العراقي ، بل حكم عليه الصاغاني بالوضع في الموضوعات (ص51) له .
الحديث الرابع :
حديث : ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ) :
هذا الحديث أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد والبيهقي في الشعب وفضائل الأوقات وابن السني في عمل اليوم والليلة وغيرهم من طريق : زائدة بن أبي الرقاد ، عن زياد النميري ، عن أنس بن مالك مرفوعاً .
الحديث الخامس :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يُبشر أصحابه : (قد جاءكم شهر رمضان ، شهر مبارك ، افترض الله عليكم صيامه ، يفتح فيه أبواب الجنة ، ويغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه الشياطين ، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم ).
أخرجه أحمد وابن أبي شيبة وغيرهما.
وأصله ما جاء في الصحيحين من حديث أبي سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين )
قلت: وكل ما ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُبشّر أصحابه لا يصح فيه شيء .
الحديث السادس :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يستقبلكم وتستقبلون ) ثلاث مرات ، فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله وحيٌ نزل ؟ قال : ( لا ) قال : عدوٌ حضر؟ قال : ( لا ) قال : فماذا ؟ قال : ( إن الله عز وجل يغفر في أول ليلة من شهر رمضان لكل أهل هذه القبلة ) الخ الحديث .
أخرجه ابن خزيمة .
الحديث السابع :
قال صلى الله عليه وسلم ذات يوم وقد أهلّ رمضان فقال : ( لو يعلم العباد ما رمضان لتمنت أمتي أن يكون السنة كلها ) فقال رجل من خزاعة : يا نبي الله حدثنا. فقال : ( إن الجنة لتزين لرمضان من رأس الحول إلى الحول فإذا كان أول يوم من رمضان هبت ريح من تحت العرش فصفقت ورق الجنة فتنظر الحور العين إلى ذلك فيقلن يا رب اجعل لنا من عبادك في هذا الشهر أزواجا تقر أعيننا بهم وتقر أعينهم بنا قال فما من عبد يصوم يوما من رمضان إلا زوج زوجة من الحور العين في خيمة من درة مما نعت الله ( حور مقصورات في الخيام ) على كل امرأة سبعون حلة ليس منها حلة على لون الأخرى تعطى سبعين لونا من الطيب ليس منه لون على ريح الآخر لكل امرأة منهن سبعون ألف وصيفة لحاجتها وسبعون ألف وصيف مع كل وصيف صحفة من ذهب فيها لون طعام تجد لآخر لقمة منها لذة لا تجد لأوله لكل امرأة منهن سبعون سريراً من ياقوتة حمراء على كل سرير سبعون فراشاً بطائنها من إستبرق فوق كل فراش سبعون أريكة ويعطى زوجها مثل ذلك على سرير من ياقوت أحمر موشح بالدر عليه سواران من ذهب هذا بكل يوم صامه من رمضان سوى ما عمل من الحسنات ) .
أخرجه ابن خزيمة .
وأما متنه فظاهر البطلان . والله أعلم .
الحديث الثامن :
قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة ).
أخرجه الترمذي وابن ماجه وغيرهما .
وأصح ما في هذا الخبر الحديث المتقدم في الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعاً : ( إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء ، وغلقت أبواب جهنم ، وسلسلت الشياطين ) .
وليس فيه : ( مردة الجن ). ولا قوله : ( ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة ) .
الحديث التاسع :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أظلكم شهركم هذا ، بمحلوف رسول الله ، ما مرّ بالمؤمنين شهر خير لهم منه ، ولا بالمنافقين شهرٌ شر لهم منه ، إن الله عز وجل ليكتب أجره ونوافله من قبل أن يدخله ، ويكتب إصره وشقاءه من قبل أن يدخله ، وذلك أن المؤمن يُعِدّ فيه القوة للعبادة من النفقة ، ويُعِدّ المنافق اتّباع غفلة الناس ، واتباع عوراتهم ، فهو غنمٌ للمؤمن ، نقمة للفاجر ) .
أخرجه أحمد وابن أبي شيبة وابن خزيمة وغيرهم .
الحديث العاشر :
حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال : ( اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ) .
وله عدة أسانيد : .. { ذكر الشيخ أسانيده وبين الكلام فيها ثم قال : }
فتبيّن مما تقدم أن هذا الخبر لا يصح من أسانيده شيء ، وأقواها السند الأول - طريق : معاذ بن زهرة - على إرساله وعدم شهرة راويه . والله أعلم .
ولذا ضعف ابن القيم في زاد المعاد هذا الحديث فقال : ولا يثبت .
الحديث الحادي عشر :
حديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال : ( ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله ) .
هذا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي في الكبرى وغيرهما من طريق : علي بن الحسن عن الحسين بن واقد عن مروان بن سالم المقفع قال رأيت ابن عمر رضي الله عنهما يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكف ، وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال : ( ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله ) .
وحسنه ابن الملقن في البدر المنير ونقل ابن تيمية في شرح العمدة وابن مفلح في الفروع وابن حجر في التلخيص الحبير تحسين الدارقطني له ولم يتعقبوه .
قلت : هذا الحديث إسناده غريب كما قاله أبو عبد الله ابن منده .
والخلاصة : أن في ثبوت هذا الحديث نظر ، ويمكن أن يُعلّ بعلتين : غرابة إسناده ومتنه . وجهالة راويه { مروان بن سالم } .
ولذا ذكر ابن القيم في زاد المعاد هذا الحديث بصيغة التضعيف ، فقال : وروي عنه ..
الحديث الثاني عشر :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد ).
وقد جاءت أحاديث أخرى أن لكل مسلم ومسلمة في رمضان دعوة مستجابة ولا يصح منها شيء .
الحديث الثالث عشر :
قال صلى الله عليه وسلم : ( ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم ).
هذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد وغيرهم من طريق : أبي مجاهد عن أبي المدلّة عن أبي هريرة به .
وإسناده فيه ضعف . وهذا الحديث من أقوى ما ورد في الباب من الاستجابة لدعاء الصائم .
قال الشيخ :
" فقه الأحاديث الأربعة في الدعاء عند الإفطار :
أقول وبالله تعالى التوفيق :
تبين مما تقدم أنه لم يثبت في الباب شيء يصح الاعتماد عليه ، فإذا اشتغل الصائم بأي ذكر ، أو دعا بما تيسّر ، فلا حرج ، بدون التقيّد بدعاءٍ معين ، أو ذكرٍ مخصوص .
ومما يؤيد مطلق الدعاء والذكر، أن هذه الأحاديث الضعيفة جاءت بألفاظ متغايرة ، وثبت عن بعض السلف بسند جيد -كما تقدم نقله- عن الربيع بن خثيم رحمه الله { وهو : وكان الربيع بن خثيم يقول : ( الحمدلله الذي أعانني فصمت ورزقني فأفطرت ) رواه ابن أبي شيبة } .
والله عز وجل قد وعد بإجابة الدعاء مطلقاً، فينبغي على الإنسان أن يتحرى الأوقات والأزمنة الفاضلة، لا سيما شهر رمضان. والله أعلم . " اهـ
مواقع النشر (المفضلة)