السلام عليكم
وبينما كنت أنتقل في بلدان العرب جميعها وأقفز من دولة إلي أخرى بحثا عما يستجد من أخبار من خلال تلك القنوات الفضائية….وإذا بي أتوقف إجباريا عند إحداهن على كلام المذيع مخاطبا المشاهدين وهو يقول :أعد زميلنا المراسل هذا التقريرعن القصف على الحي المدني هذا ونلفت عناية السادة المشاهدين أنه يوجد في التقرير صورا مؤلمة مع الرغم من حذف أكثرها لشدة وقعها على النفوس……….ثم يخرج لنا ذلك المراسل ليشرع في تقريره………..
في ذلك الوقت كنت جالسا أمام الشاشة وبين يدي مالذ وطاب من المأكل والمشرب.فسألت نفسي سؤالا سريعا وأنا أنظر إلي طعامي هل يحق لي أن أنعم بمأكل ومشرب وغيري يكتوي بلظى النيران…ولم أنته من سؤالي لنفسي حتى قطع ذلك السؤال بداية التقرير……..
ياللهول….يالله…..ماهذا…….
هل أستطيع أن أتصور أن ما أراه كان منزلا لعائلة آمنة مطمئنة…هل كانوا اهل هذا البيت موجودون حال القصف أم ماذا حل بهم؟….ثم يأتي صوت المراسل ليعلن أن هذا الدمار قد خلف ستة عشرة ضحية كلهم من بيت واحد وأسرة واحدة……يارباه….أهكذا وبكل سهولة تلغى عائلة بأكملها من سجلات الحياة ….أهكذا وبدون ذنب……وبكل وقاحة….!!!
ثم يأتي صوت المراسل وهو ينبه أنه سيعرض صورا مؤلمة للنفوس….فأبعدت ما بين يدي من طعام…..وهذا أكثر ما نستطيع فعله……تبا لنا …..ثم تبا……
وإذا بمشاهد تقشعر منها الجلود…..الأب وقد تحول إلي كتلة لحمية لا يعرف له ملامح…وذلك رجل بلا رأس…وتلك طفلة وقد تمزقت أعضائها….وذاك طفل وقد غارت عيناه ورأسه قد انفلق إلي فلقتين….يارباه أحقا ما أرى….انه فعلا منظر يكسر النفوس ويطأطيء الرؤوس…..
وياليت مراسل تلك القناة قد اكتفى بما عرض….وانما انتقل بمعداته إلي ذلك المستشفى ليصور لنا الناجي الوحيد من العائلة وليته لم يفعل…….!!!!!
طفل في الثانية عشرة من عمره اسمه ( علي ) ….ملقى على سرير المستشفى بلا ذراعين..بل وحتى بلا أب ولا أم ولا اخوة ولا مسكن….!!!!
رحماك به يارب….كيف سيعيش هذا الطفل ….بل رحماك بنا يارب على تقصيرنا….فلم يعد بوسعنا سوى تحليل الأخبار في المجالس….ماذا قال الصحاف….وماذا قال بروكس…!!!!
وضع المراسل المايكرفون أمام فيه…ليسأله عن وضعه الصحي…فكانت إجابة الطفل في واد والسؤال في واد آخر….بل سأل عن أمه….وقال : ( وين أمي ) …ثم بكى هو …وبكيت أنا…
وشتان ما بين دموعه ودموعي….وماذا عساي أن أفعل….وما بوسعي أن أصنع…..!!!!
اللهم ارحم قلبي…فلقد مات….اللهم ارحمه واسكنه الفردوس الأعلى…فلم يعد يقدر أن يدفع عن إخوانه المصائب..بل ولم يعد يقدر أن ينطق بالحق…..!!!!!
قالوا لعلي أن أمك عند عمومتك في مدينة أخرى…كما ذكرت تلك العجوز المسنة وهي تقول : (ويل قلبي على المسكين ما يدري إن أمه ماتت )……!!!!
ولا أعلم هل سيقولون له أنه لم يبق أحد من عائلته في هذه الدنيا…أم سيظلون ينسجون القصص المفبركة..أمك اليوم عند عمومتك …وغدا عند أخوالك …..وبعدها عند جدتك …
مواقع النشر (المفضلة)