[poem=font="simplified arabic,5,white,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/21.gif" border="groove,4,white" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]

قصيدة الشاعر الدكتور / عبد الرحمن العشماوي

لا تسألوا عن جدَّةَ الأمطارا =لكنْ سلوا مَنْ يملكون قرارا
لا تسألوا عنها السيولَ فإنها =قَدَرٌ، ومَنْ ذا يَصْرف الأقدارا؟
لا تسألوا عنها بحيرةَ (مِسْكِهَا) =فَلِمِسْكِهَا معنىً يؤجِّج نارا
أتكون جدَّةُ غيرَ كلِّ مدينةٍ =والمسكُ فيها يقتل الأزهارا؟!
لا تسألوا عن جدَّةَ الجرحَ الذي =أجرى دموعَ قلوبنا أنهارا
لكنْ سلوا عنها الذين تحمَّلوا =عبئاً ولم يستوعبوا الإنذارا
مَنْ عاش في أغلى المكاتب قيمةً =وعلى كراسيها الوثيرة دارا
مَنْ زخرف الأثواب فيها ناسياً =جسداً تضعضع تحتها وأنهارا
لا تسألوا عن بؤسِ جدَّةَ غيرَ مَنْ =دهَنَ اليدَيْن، وقلَّم الأظفارا
مَنْ جرَّ ثوب وظيفةٍ مرموقةٍ =فيها، ومزَّق ثوبها وتوارى
وأقام في الساحاتِ أَلْفَ مجسَّمٍ =تسبي برونق حُسْنها الأبصارا
صورٌ تسرُّ العينَ تُخفي تحتها =صوراً تثير من الرَّمادِ (شراراً)
أهلاً برونقها الجميل ومرحباً =لو لم يكن دونَ الوباء سِتارا
لا تسألوا عن حالِ جدَّةَ جُرْحَها =فالجرح فيها قد غدا موَّارا
لكنْ سلوا مَنْ يغسلون ثيابهم =بالعطر، كيف تجاوزوا المقدارا
ما بالهم تركوا العباد استوطنوا =مجرى السيول، وواجهوا التيَّارا
السَّيْلُ مهما غابَ يعرف دربَه =إنْ عادَ يمَّم دربَه واختارا
فبأيِّ وعيٍ في الإدارة سوَّغوا =هذا البناء، وليَّنوا الأحجارا؟!
ما زلت أذكر قصةً ل(مُواطنٍ) =زار الفُلانَ، وليته ما زارا
قال المحدِّث: لا تسلني حينما =زُرْتُ (الفُلانَ) الفارس المغوارا
ومَرَرْتُ بالجيش العَرَمْرَمِ حَوْلَه =وسمعتُ أسئلةً وعشتُ حصارا
حتى وصلْتُ إلى حِماه، فلا تسلْ =عن ظهره المشؤوم حين أدارا
سلَّمتُ، ما ردَّ السلامَ، وإنَّما =ألقى عليَّ سؤاله استنكارا
ماذا تريد؟ فلم أُجِبْه، وإنَّما =أعطيتُه الأوراقَ و(الإِشعارا)
ألقى إليها نظرةً، ورمى بها =وبكفِّه اليسرى إليَّ أشارا
هل كان أبكم - لا أظنُّ – وإنَّما =يتباكم المتكبِّر استكبارا
فرجعتُ صِفْرَ الرَّاحتَيْن محوقلاً =حتى رأيتُ فتىً يجرُّ إزارا
ألقى السؤالَ عليَّ: هل من خدمةٍ؟ =ففرحتُ واستأمنتُه الأسرارا
قال: الأمور جميعها ميسورةٌ =أَطْلِقْ يديك وقدِّم الدولارا
وفُجِعْتُ حين علمتُ أن جَنَابَه =ما كان إلا البائعَ السِّمْسارا
وسكتُّ حين رأيتُ آلافاً على =حالي يرون الجِذْعَ والمنشارا
ويرون مثلي حُفْرةً وأمانةً =ويداً تدُقُّ لنعشها المسمارا
يا خادم الحرمين، وجهُ قصيدتي =غسل الدموعَ وأشرق استبشارا
إني لأسمع كلَّ حرفٍ نابضٍ =فيها، يزفُّ تحيَّةً ووقارا
ويقول والأمل الكبير يزيده =أَلَقاً، يخفِّف حزنَه الموَّارا
يا خادم الحرمين حيَّاك الحَيَا =لما نفضتَ عن الوجوه غبارا
واسيتَ بالقول الجميل أحبَّةً =في لحظةٍ، وجدوا العمارَ دَمَارا
ورفعت صوتك بالحديث موجِّهاً =وأمرتَ أمراً واتخذت قرارا
يا خادم الحرمين تلك أمانة =في صَوْنها ما يَدْفَعُ الأَخطارا
الله في القرآن أوصانا بها =وبها نطيع المصطفى المختارا
في جدَّةَ الرمزُ الكبيرُ وربَّما =تجد الرموزَ المُشْبِهَاتِ كِثارا
[/poem]