[align=justify]لا مانع من أن تصنفونها من عجائب الدهر ، وغرائب الزمان ... فهي الشهرة ، هل هناك أحد في العالم يجهل الشهرة ؟!
تظهر في كل تجمع إنساني ولو قل ، من رحم المجتمع البشري وُلِدَتْ ؛ فكانت ولازالت شاغل فكر الملايين من بني آدم ؛ بل ومن الكائنات الأخرى ... ما أعجبها !!
يزداد بريقها حين ينشغل البشر في بناء مجتمعهم ، لأجلها تزهق الأنفس ، وتفنى الأعمار ، ويكفر قوم ، ويؤمن آخرين ، لسان حالها : أنا غذاء الحَسَد ، أنا ثوب الرياء ، أنا وقود العمل ، أنا داعي التنافس ، أنا دمعة في المُقل ، أنا لهيب الحماس يشعل الأعصاب ، أنا خفقة تهز القلوب ، أنا روح لملايين الأجساد ، أنا في عالم المادة لي شأن ، أنا في عالم الروح .. أغدو وأروح .
أنا من عظم الـ ( أنا ) ... !
أنا ( الشهرة ) ويحكم !
تتخفى – في الغالب – تحت قناع النجاح ... وكفى ، ومن النجاح فلترسم حدودها ، أو تبني مخروطها ، أو تنشأ هرمها ، فإن شئت فاجعل غطاء العِلم على رأس الهرم ، وقمة المخروط ، وقلب الحدود ؛ لكنك ستحار بينه وبين غطاء الفن ، هذا الفتي المشاكس ... ، وتضيع حينا بين العلم والفن و ... السياسة أو العظمة !
عبيدها كثر ، وخدامها تخطوا أعناق القرون ، تترحم على أكثرهم وفاءً ، وأشدهم فداء .. ذلك الأعرابي الذي بال في زمزم ، لكي يذكره الناس بفعله ؛ فلا زالوا يذكرونه ، وخلدت قصته بالأسفار ، هذا وقد فعل فعلته عاريا ؛ فلا غطاء علم ولا فن ولا سياسة .. ما أعجبه !
فعل الأعرابي نقطة تتلاقى فيها أفعال طلاب الشهرة على مدى القرون والدهور ، والأعرابي صنمٌ يمثلها ، يسجد له كل عبادها حول العالم .
في هذا المقال سأحدثكم شيئا عن أخبار عبادها وأتباعها من خلال نظرة فرد منكم لمجتمعنا الذي نعيش فيه .
من خلال صفات الكذب والجرأة وقلة الحياء وانعدام استشعار مراقبة الله عز وجل وأمراض في القلب ... قويت الرغبة في الشهرة لدى بعضهم ؛ عبر رفع الصوت في المجالس متحذلقا متفيقها متفاصحًا ، وعبر إنكار هؤلاء أنهم بذروا بذورًا تثمر سُمًّا زعافا يقتل الدين والأخلاق ، وعبر تمييل الأحداث والقصص لصالحهم بالكذب والافتراء والتصنع .
ومن خلال غطاء النجاح ، وعدم المبالاة بالناصحين ، ووصمهم بأنهم ( كلاب تنبح ) وأنهم ( أعداء البروز ) وأنهم ( حساد ) و ( جهلة ) .... سار البعض في طريق الشهرة ، غير مبالين بخطورة هذا السبيل الذي يسلكونه ، حيث الكذب والافتراء والغش والحقد والحسد ؛ ثم بكل بساطة يستشهدون بأمثال وحكم ليثبتون أنهم على الحق ومعه ؛ فقافلتهم تسير والكلاب تنبح ، جملة رنانة .. لكنها مطاطية ، لم تكن صيحة الإنكار والنصح على ( قافلة المنكر ) من كلاب تنبح ؛ بل – والله العظيم – أنها من ناصحين مشفقين ... ولو قسوا في العبارة .
أو يستشهدون قائلين ( لكل بارز أعداء ) ، ويْحَكُم ! بروز يختلف عن بروز ، وعدو يختلف عن عدو ؛ فهل بارز بالخير والتقى والنصح والعمل والاجتهاد ؛ كبارز في السباحة ضد التيار ، وقذف الناس ، وغيبتهم في المجالس ، وتقييم أعمال الخير باستعلاء وتكبر ؟!!
وهل عدو الحلقات والنوادي الصيفية وطلبة العلم والهيئة والقضاء ... قبح من عدو ؛ كعدو محبي الشهرة وعبادها ، وعدو المتعالمين الكذابين ... الذين قتلوا الحياء ؟!! بورك من عدو .
ومن خلال قناع النصيحة ، وقناع العلم ، وقناع الغيرة ، وقناع فقه الواقع ... يُسعى للشهرة ؛ عبر الفتوى بغير علم ، والانتقاص من أهل العلم ، ورمي مدرسي الحلقات باتهامات يمتلئ قلب الرامي بها ، وملئ القلوب غلا وحقدا على فرسان الحلقات ، وأسود العمل الخيري ، ورجالات النوادي الصيفية ، وفرسان الهيئات .
إذا خفق القلب لها ، وفكر العقل لأجلها ؛ فقد نزع الحياء ، وحضر المكر ، وطغت الأنانية ، وانعدمت الأخلاق ، وهذا رأيناه شاهدًا أمامنا في قوم عشقوا الشهرة حتى الثمالة ، وأسكرتهم بطيف خيالها ؛ ففعلوا المستحيل لكي يلتمسوا بريقها في كل مجلس تكثر فيه الأعين ؛ عبر مناقشة سقيمة مع الكبار ، وقلة الأدب مع طلبة العلم ، ثم الإدعاء في مجالس أخرى بأنها تغلبت عليهم ، ولالتماس بريقها عبر الانشغال بشواذ المسائل .
طاغوتٌ هذه الشهرة !
حدثتكم عن السير نحو الشهرة ، بقناع النجاح ، عبر غطاء العلم ، وبسلاح الكذب والجرأة واستغلال السُذَّج ، أما السير نحو الشهرة عبر غطاء السياسة والفن ؛ فلن أحدثكم عنه ؛ لأني معهما كما حال رجل حدثه صديقه باهتمام عن فن لا يهتم به ؛ فقال – غير مكترث - : سأقرأ عنها في كتاب ( سخافات لا أهتم بها ) !!
أترحم على الشيخ الموسوعة علي الطنطاوي – رحمه الله تعالى - والذي نال أعلى مراتب الشهرة ؛ حيث احتل صدور المجلات والصحف ، وهتف عبر الإذاعات العربية ، وتحدث عبر المحطات العربية ؛ عُرِف في اليابان شرقا إلى الجزائر غربا ، واشتهر أكثر وأكثر في بلاد الشمال ، والخليج العربي ... لقد نال الشهرة !
وإليكم رأيه عن الشهرة ، بعد أن نالها ، وانغمس في لذتها : " إن الشهرة وهمٌ ليس له في سوق الحقيقة قيمة ، وليس له في ميزان الواقع وزن ... إن الشهرة سراب زائف .. هل تشبع الشهرة ، أو يكسو الثناء ؟!! " ليتنا نبدأ من حيث انتهى الطنطاوي – رحمة الله عليه - .
بالمناسبة !
أليس أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ... عُبَّاد للشهرة ؟
وصلى الله على الحبيب وسلم .[/align]
مواقع النشر (المفضلة)