المكان : قرية سانتو دومينغو – أسبانيا .
الزمان : قبل البدء بالكتابة .
أنا : أحمد .. شاب شرقي بسيط يعيش كما تعيش الطبيعة.
هي : سارة .. طفلة شرقية أيضا ً أدعوها " شمس " لأنها مصدر قوة الطبيعة.
لم يكن المطر رادعا ً لما أأقوم به ..
اخترت الملابس المخصصة للحياة الطبيعية بدون أي تكلف ..
فالهيئة العامة للرجل تشرح أدق تفاصيل نفسيته وتضع الكثير من أجزاء شخصيته امام الأمر الواقع
كان علي أن أبقي عطري الممتد للماضي في حوزتي فقد أحتاج إليه ..
احترت كثيرا ً أمام صندوق ذكرياتي فأي الذكريات سأصطحب , متأكد من أنني سأحتاجها فهي الشيء الوحيد الذي يستطيع إعادتي إلى ما كنت عليه ..
كان الخاتم هو الأهم بالنسبة لي ولكنني خشيت إضاعته فاخترت إحدى القصاصات المعلقة على هدية تبلغ من العمر أربعة سنين وخمسة أشهر حسب ما تمليه علي ذاكرتي الضعيفة في كل شيء إلا الماضي!
وقفت أمام نفسي عند عتبة مرآة صغيرة قالت لي ذات يوم " كن كما أنت فالكل لا يأبه لما تشعر به " .
بدا لي أن ملامحي أصبحت تشبه السابق فابتسامتي كانت الأقرب للحقيقة هذه المرة .
تفقدت خوفي الذي خذلني في أشد اللحظات حرجا ً عند ظهوره , الخوف الذي ما إن يحل بي حتى تبتعد الصورة وتظهر لي كل عواقب الحياة في الوقت الذي لا أريد أن أرى به إلا تلك اللحظة ..
لما لم أدع المستقبل للمستقبل واترك الماضي خلفي وأعيش بأفضل حالاتي الذهنية عندما أريد ذلك .. هو الخوف !!
حتى الأبواب التي صنعت لتفتح أصبحت موجودة لتغلق في حياتي بسبب الخوف ..
ما عدا باب شقتي الصغيرة فهو المغلق الذي ينتظرني أن أفتحه بشوق فربما قد شعر بحاجتي للخروج او انه سئم وقوفي أمامه للتفكير بذلك !
تأملت الحي الذي أعيش به ..
المباني , الشوارع الصغيرة وقطتين أذكر يوم خروجهن للحياة فقد كانت أتعس ليلة يخلد بها شخص متعب إلى فراشة !
أشعر برعشة غريبة في أطرافي ..
هي أمل ..
لا !!
بل هي شوق عارم ..
لا أعلم ..
ولكن الأهم أنها بعيدة عن الخوف !
فقد اتخذت قراري بعد سنين طويلة من الغياب ..
وها أنا ذا اعزم على المضي قدما ً بكل شجاعة لتحقيق ما قد تمنيت تحقيقه منذ زمن ..
أن أكمل نصفي الآخر !
فقد فقدته منذ ولادتي ووجدته بعد خمس وعشرين سنة وغبت لثلاث سنوات متواصلة من الفقد والحزن والتفكير المتعب ..
وها انا أستعيد قوتي ..
بلحظة واحدة وقرار واحد !
سأخالف عاداتي الشرقية واذهب لوحدي ..
وهل هناك اجمل من مواجهة الحياة وحيدا ً .. فهي أكثر الوسائل إحساسا ً بالثقة والثبات ..
فالداعم النفسي لي هو انا والمثبت الحقيقي لخطواتي هو انا والقادر على الأخذ بيدي والمضي قدما ً هو انا ايضا ً ..
تسارعت خطواتي نحو مكان ولادتي الحقيقية ..
تجاذبتني الكثير من الأفكار السيئة الآن !
هل انا قوي كفاية لمواجهة مستقبلي الأجمل ؟!
هل ما زالت شمسي مضيئة كما عهدتها !
هل لازت انا الرجل الذي تحب ان تكمل معه السير بطريق لا يعلمه الا الله !
شتت أفكاري أحد المتهورين بعد ان مر بجانبي مسرعا ً بكل لا مبالاة وخشيت ان أفقد توازني ..
ليس خوفا ً من الحادث بل لانني في جزء من الثانية فزعت من فكرة سيئة صاحبتها أصوات مركبة هذا المتهور ..
استعدت ما كنت عليه من حيره وقلق ..
ومضيت نحو طريقي وانا غارق بالتركيز لكي أصل بسرعة دون أي مقاطعة من خيالي الغريب الذي يبحث عني حينما لا أريده ولا اجده حينما أبحث عنه !
بدت لي ملامح بيت الشمس ..
كان كما هي عادته مشرقا بمن يقطنونه .. هادئا ً بمن يتنفسون به .. حنونا ُ على كل من يمر به ..
اقتربت اكثر ..
حتى رأيت شجرتي القديمة التي غرستها من دون ان تعلم !
وأردت أن أفاجئها بعد سنين ..
بانني أنا من تسبب بجمال هذه الشجرة وأنها تمثل لي عمر علاقتنا الممتد من يوم أحسست بالحياة حتى الآن ..
تحسستها فإذا هي نظرة جميلة خضراء وكأن هناك من قام بمساعتدي بالحفاظ على علاقتنا ندية يانعة ازهارها تشبه وجنات شمسي العزيزة حينما تخجل مني وانا أردد " أحبك أحبك أحبك " بصوت مرتفع وانا لا أخشى شيئا ً !
وهي تحاول إسكاتي باي وسيلة خشية كل شيء !
تقدمت اكثر حتى وقفت امام الباب ..
باب لقاءنا الأول !
عدت لأهتم بمظهري من جديد ..
تفقدت نفسي بحذر خشية أن يبدو القلق والتعب على ملامحي وأنا متقدم لحياتي الجديدة فيعيق ذلك أي شيء من مستقبلي ولو كان إنطباعا ً تافها ً لا يرتبط بقرار عائلتها عادة ً ..
أخذت نفسا ً عميقا ً ..
ونفسا ً آخر..
ارخيت عضلاتي المجهدة من الطريق وحاولت ان أركز تفكيري بإبتسامتي الأولى حينما أراها ..
قد لا تتذكر ابتسامتي بعد هذه السنين !
قمت بتجربت ابتسامتي مره ومرتين وأربع ..
حتى شعرت بأنني مازلت أجيد الإبتسام فقد مر علي الكثير من الأيام والأشهر وانا لا أبتسم ابتسامة حقيقية ..
بدأت في ترتيب كلماتي التي سأقولها عندما يفتح الباب ..
اود ان اكون في قمة لباقتي في هذه اللحظة ..
ولكن هناك من يزعجني بالخارج !
فصوت منبه احد المركبات ضايقني كثيرا ً ..
تمنيت ان اذهب له لكي اطلب منه ان يكف عن الإزعاج قليلا ً ريثما تنتهي هذه اللحظة الحاسمة في حياتي ..
عزمت على طرق الباب ..
بقوة العاشق الصادق الذي لا يريد سوى أن يكمل ما بقي له من حياته مع حياته ..
مددت يدي المغلقة نحو الباب وانا أفكر بطريقة طرق الباب وان لا اكون مزعجا ً !
التصقت اصابعي المغلقة بالباب ..
رفعتها لاعيدها من جديد بشكل أقوى وصوت أكثر تنبيه ..
فقاطعني طفل جميل بقميص ابيض ووبنطلون قصير تظهر من خلاله ارجله النحيلة الناعمة ..
لفت نظري انه باللون الأخضر وهو اللون الذي احببته !
اقترب مني فنزلت لتقبيله كي اشتت تركيزي واسترخي قليلا ً قبل موعدي ..
فسالته ما إسمك يا حبيبي فقال " أحمد " !
ففرحت كثيرا ً بأن يحمل هذا الإسم من هم بهذا اللطف والجمال ..
فتشوقت للحديث معه اكثر ..
هممت في سؤاله عن عمره !
فإذا بالباب يفتح ..
وإذا بسارة خارجة من البيت لتفاجأ بوجودي أمامها ..
حاولت ان أتذكر كلماتي التي اللتي قمت بتجهيزها قبل الوصول فلم أستطع ..
ولم استطع قول أي كلمة اخرى ..
وقفت اتأمل بها ومخيلتي تزدحم بماضينا الجميل وحاضرنا في هذه اللحظة .. ومستقبلنا الذي قدمت لأبدءه !
وهي صامته ..
بلا حراك ..
وبقينا على هذه الحال أكثر من ثلاث دقائق ..
حتى قاطع صمتنا صوت صغير ياتي من جانبي " ماما " !
حاولت ان اتفقد المكان ومن المتحدث ولكنني لم أرد ان اضيع اي لحظة لمشاهدة شمس ..
فقاطعنا مره اخرى ليردد " ماما .. ماما " !
حتى انقطع شريط هذه اللحظة حينما بدأت شفاه شمس بالحركة ..
هل ستقول أحبك ؟
هل ستقول إشتقت اليك ..
أو ربما أهلا ً بك من جديد ..
بدأ صوت أنفاسها يتزايد ..
وتحركت شفتاها اكثر فقالت وأنا متصلب امامها !
" نعم يا صغيري " ..
صغيري ؟
لم تناديني بصغيري يوما ً ..
هل حاولت أن تعبر عن إحساس لم أكن اعلم به ..
فقلت " صغيرك أو حبيبك لا يهم المهم انني أعني لك ِ شيئا ً في حياتك " ..
فتقدم الطفل الصغير الذي غاب عن رؤيتي لإنشغالي بشمس ..
فمسك أناملها بحنان كبير واقترب منها حد الإلتصاق وأنا أراقبه ..
فقال " ابي ينتظر بالخارج " !!!!
بدأت الصورة تختل في بصري ..
لم استطيع الرؤية جيدا ً
اختل توازني أحسست بانني سأقع فتمسكت بحاجز الأشجار القريب مني ..
لا أقوى الحراك ولا الكلام !
وهي صامته ..
والطفل يجر أناملها بإلحاح ..
بدأت عيناها بالبكاء من دون صوت ..
نزلت الدمعة الأولى والثانية ..
حتى اختنقت بالكلام فقالت " هذا ابني يا أحمد " !
فلم استطيع الجواب ..
فرددت " هذا إبني ... هذا إبني .. تأخرت كثيرا ً " ..
وكأنها تغرس بين أضلعي سكين حادة لا تخشى الجسد ولا العظام ..
حتى نفذت مني كل ملامح الفرح ..
وإسود الفضاء ولم لم أعد أرى سواها والصغير .. إبنها !
لم تستطع الإحتمال أكثر ..
فإبتعدت وعيناها ترى كل ما هو بعيد عني . .
بخطوات مسرعة !
وتبعها الصغير وتفاصيل الحيرة تملئ وجهه الجميل .. لماذا تبكي أمي !
فأسرع أمامها متجها ً لما أتى من أجله ..
حتى ارتمى بين أحضان رجل بدا يحبه كثيرا ً ..
فرفعه فوق يديه ..
واقترب من شمس ..
وأمسك بيدها بلطف شديد .. وإبتسامة رضا أقسم أنني متأكد من صدقها
وغابوا .. ولم يبق سواي ..
والشجرة !
نقله بسيطه لقلم الاستاذ والشاعر والمبدع عبدالله البكر اللذي يلامس شفق الفجر في كتاباته ووخجل الاوراق في احساسه .... تحياتي
مواقع النشر (المفضلة)