لماذا نخاف النقد؟؟؟؟
سؤال وجيه، حري بكل عاقل أن يتأمله ويتدبره، بل أن يطرحه على نفسه..فإن كنا نقر بأننا لم نبلغ درجة الكمال ـ ولن نبلغها ـ فلمَ الخوف من النقد؟ وهل النقد إلا عملية تطهير وتصفية، تماماً كالذهب حين يصهر بالنار فيتبين جيده من رديئه، وخالصه من مغشوشه.
وهل تقدم المسلمون الأوائل إلا بالنقد الهادف الذي يطال الكبير قبل الصغير، بل إن هذا وللأسف الشديد هو حال المجتمعات الغربية الكافرة اليوم، التي لا تعيش إلا على النقد، واستدراك الأخطاء، ولو كانت من أكبر مسئول، والذي يتابع وسائل الإعلام الغربية يدرك ذلك بوضوح.
لماذا نخاف من النقد، بل نكرهه، ونكره من جاء به ولو كان حقاً! ونربي أجيالنا على المداهنة والنفاق والسكوت عن الخطأ.
لماذا لا تتسع صدورنا لقبول النقد ولو كان مجافياً للصواب.. ولو كان من عدو أو حاسد.. إنها حينئذ فرصة مواتية لإيضاح الحق وبيانه، وكبت هذا العدو الحاسد.
كما قال الشاعر:
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت *** أتاح لها لسان حسود
كما أنها فرصة لتحقيق مزيد من التقدم والنجاح.. كما قال الشاعر الآخر:
عـداتي لهـم فضل عـليّ ومنة *** فلا أبعد الرحمن عني الأعاديا
هموا بحثوا عن زلتي، فاجتنبتها *** وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا
وإن كان النقد حقاً، فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، بل إن رجوع الإنسان إلى الحق، واعترافه بالخطأ، لا يزيده في أعين الناس إلا رفعة ومكانة وثقة به.
أما إن كان الأمر لا يعدو أن يكون اختلافاً في وجهات النظر، فالواجب على كل طرف أن يحترم وجهة نظر أخيه، ولا يصادر حقه في إبداء الرأي لمجرد أنه خالفه فيه.
إن الخوف من النقد دليل على خلل في الشخصية، وضعف في الثقة بالنفس، بل ضعف في العقل، فما يخاف النقد إلا ضعيف أو عاجز، وما أحسن ما قيل: إذا ركلك أحد من الخلف، فهذا دليل على أنك في المقدمة.. وحتماً إن هذه الركلات لن تزيدك إلا حماساً، وانطلاقاً إلى الأمام، فإياك أن تتوقف، فتُطرح أرضاً، ويطؤك الناس.
وأختم هذه المقالة بقصة طريفة رائعة، تدل على عظمة الجيل الأول، وما بلغوه من عزة النفس، ورحابة الصدر، وحسن التربية.
فقد ذُكر أن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ـ وهو من هو في الهيبة والشدة ـ مرّ بصبية يلعبون في أحد أزقة المدينة، فلما رأوه مقبلاً تفرقوا جميعاً إلا واحداً منهم ظل واقفاً في مكانه كالطود الشامخ، فقال له عمر مُعْجَباً ومتعجباً: لمَ لم تفرّ مع أصحابك؟! فرد عليه الغلام بثبات وعزة قائلاً: لم أعمل ذنباً فأخافك، وليست الطريق ضيقة فأوسعها لك!
إنه نقد هادف، من طفل صغير، لأعلى سلطة في البلد.. وإذا عرفنا من هو هذا الطفل الصغير، ومن هي أمه ومربيته، زال العجب.
إنه عبد الله بن الزبير، وأمه هي أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهم - أجمعين، فأنعم بهذا الغلام وأنعم بأمه وأبيه.
والله ولي التوفيق
مواقع النشر (المفضلة)