بين مزالق الشك ومُثيرات الغيرة يجب على وزير التربية ألَّا يُعوِّل كثيراً على مقولة: (التوجيهات العليا) كما يجب عليه (أيضاً) ألا يعوِّل على كونه وزيراً للتربية والتعليم ، لأن ذلك يا معالي الوزير لن يجعلك محرماً لبناتنا ، ولن يَحْمِلنا على التغاضي عن التقائك بنسائنا ومُصافحتهن خلف أبواب المدارس النسائية المُغلقة ، وإنَّ طلبك من المحتسبين أن لا ينزلقوا في قضيتك إلى مزالق الشك لا يكفي لتبرئتك ورفع الحرج عنك ، ولا يخفى على سمو الأمير أن ردَّة فعل الناس حين الاقتراب من أعراضهم لا تشبه ردة فعلهم حين الاقتراب من أرزاقهم حتى لو كان الأمر بحسن نية ، فهناك فرق شاسع وقوي لا ينبغي لعاقلٍ تجربته . يا سمو الأمير: إن كونك أحد أفراد الأسرة الحاكمة هو مدعاة لاحترامك وتقديرك ولكنه ليس سبباً كافياً لغض الطرف عن بعض التجاوزات ، لذلك فإني ادعو سموكم إلى مراعاة عاداتنا وتقاليدنا بعدم إثارة غيرتنا وتجاوز حُرُماتنا باقتحام مدارس نسائنا (رغم أني أثق في نوايا سموكم ) إلا أن هذه الأمور لا مجال فيها للمجاملة وحسن الظن كما أن سموكم ليس مضطراً لذلك وليس النساءُ بحاجة إلى مثل تلك الزيارات ، وكونك وزيراً من أصحاب السمو لا يعني إمكانية تمرير بعض المُخالفات (حتى ولو كنت تراها صواباً) فنحن شركاء في هذا الوطن والأمر يعنينا كأولياء أمور ، وبِلادنا ولله الحمد مليئة بالمُحتسِبين ورِجال الدين ، كما أن ولاة أمرنا لا يرضون المِساس بِديننا وأعراضنا ويرفُضون مثل تلك المُبادرات المُخالِفة والممقوتة ، ولك يا سمو الأمير في محاولة إغلاق حِلَق التحفيظ عِبْرةٌ ومُدَّكَر. ونحن لا نُنْكِرُ ان هناك مخذولون لا يرفضون مثل تلك الخطوات ، بل قد يفرحُ بعضهم ان زوجته التقت بالوزير!!! ، ولكنهم شِرذِمةُ قليلةٌ لا تُمثِلُنا ولا نعترِفُ بوجودهم ، وإنَّ مِن جميل خصائِص الرجال العِفة والنئيُ عن مواطن الشُبهات ومُنْزلقات الفِتن و...(من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) ، وعلى سموكم أن تضرِبوا أروع الأمثلة في هذا المجال لِتكونوا قدوة لشبابنا وأجيالنا الذين يُشرِفُ سموكم شخصياً على تربيتهم وتعليمهم ، ولا ينبغي أن يرَوْك مُبادِراً إلى تجمعات النِّساء وأماكن خلوتهن ، لتِفتح الباب على مِصراعيه أمام ضعاف النفوس وأصحاب الهوى وكُلُ ذلك دون ضرورة مُلِحَّة. وعلى الصعيد الشخصي لو أنَّ وزيراً زار مدرسةً فيها إحدى قريباتي لمنعتُها ذلك اليوم من العمل ، و لبذلْتُ جهدي في مُقاضاته ومنعِه مِن تِكرار فِعلًتِه ، ولك يا سمو الأمير أن تتخيل حجم الغضب الذي يحمله لك كثير من الرجال الذين التقيت نسائهم بغير إذنهم ، ومهما كانت مُبرِّراتك فهي لن تُقبَل في أرض الحرمين وعلى مرْمى حجرٍ مِن مهبط الوحي ومدافن نِساء الأنصار اللاتي ما إن نزلت آية الحِجاب حتى مَشَيْن وكأنَّ على رؤوسهن الغِربان أدباً وحِشمة وامتثالاً لأمر الله عز و جل وتقديراً لِغيرة أزواجهن ، ولا ينبغي لعاقلٍ قضى بِضع سنوات مع الغرب مُتأثِّراً بأفكارهم مُعجباً بأفعالهم أن يعتقد أنَّ بإمكانه تغيير موروثٍ عمره ألف وأربعمائة عامٍ مُعزَّزاً في قلوبنا بنصوصٍ أثبتُ من الجبال الراسيات . خِتاماً: أدعوك يا سمو الأمير إلى مُساعدة المُعلِّمين والمعلمات ، الموظفين منهم والمُعطَّلين ، وتلمُس احتياجاتهم ورفع الظلم عنهم ، والضخ في سلك التعليم بدماءٍ جديدة عُطِّلت لِعقود على رصيف البطالة وهم اكثر شرائح المجتمع تعرضاً للغبن والتعقيد والظلم الشنيع ، وهم الذين فرِحوا بتوزيرك أملاً في أن ترفع عنهم ما حل بهم من الوزراء قبلك ، كما أنهم على يقين بأنك لو أردت خِدمتهم لاستطعت ذلك حسب النظام أو الجاه الذي لا ينقُصُك مِنه شيء .
[COLOR="rgb(244, 164, 96)"]د/حسن العجمي
[/COLOR]
مواقع النشر (المفضلة)