[align=center]الإنسان في محكمة العقل[/align]

أيها السادة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في هذه المحاكمة

تنبيه : رجاء من محاكم الهوى والشهوات والذات أن تغادر المكان ويغلق الباب من ورائها.

الدعوى:

أيها الإنسان أريد أن أعرفك بنفسك التي بين جنبيك فأنت غالباً ما تجهلها ولا تعرفها ولست أعرفها من منطقي ولا من منطقك بل من المنطق الذي نؤمن به أنا و أنت ، أرعني سمعك ونظرك اسمعك آيات بينات

(وكان الإنسان عجولا)
(وكان الإنسان كفورا)
(وكان الإنسان قتورا)
(وكان الإنسان أكثر شيء جدلا)
(وخلق الإنسان ضعيفا)
(قتل الإنسان ما أكفره)
(يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم)
(وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه)
(وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائما ، فلماكشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا على ضر مسه)
(وإنا إذا الإنسان منا رحمة فرحا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور)
(إن الإنسان خلق هلوعا ، إذا مسه الشر جزوعا، وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون)
(إن الإنسان لكنود)
(كلا إن الإنسان ليطغى ، أن رآه استغنى)





أفبعد قول الله مقال لقائل؟


وإذا كان الله يصف الإنسان بذلك فما تريدني أن أقول.؟


أيها الإنسان ما أضعفك وما أهونك
أنظر مما خلقت
أنظر إلى السموات والأراضين من حولك
انظر إلى هذا الكون ، وإلى تلك الكواكب والنجوم، أدم النظرة ، أعد الكرة ، أنظر مرات ومرات

ومع ذلك كله تأتيني وتقول بأنك إنسان عظيم !!! أي عظمة أيها المخدوع بذاتك

كم ترى أن ذاتك عظيمة وأنك أنت الهدية المهداة للبشر ولولا أنت لما عاش البشر ولولا أنت ما عمرت الأرض ولولا أنت ما صلحت الحياة!

وتقول أنا وما أنت ؟
أنت لا تعرف نفسك !!
لا تضحك علي وتقول من منا لا يعرف نفسه ؟

كيف تعرف نفسك وأنت من حين تصبح إلى حين تنام مشغول عنها بحديث أو عمل أو كتاب

ومتى تعرف نفسك وأنت لا تحاول أن تخلو بها ساعة كل يوم تفكر فيها ، لا يشغلك عنها تجارة ولا علم ولا متاع

تفكر في الناس كلهم إلانفسك .......... وتحدثهم جميعاً إلا أها


ولقد كنت يوم طفلاً ثم صرت شاباً ، وصرت شاباً ثم صرت كهلاً فهل خطر على بالك أيها الإنسان أن تعرف ماهي نفسك؟


أتحسب أنك واحد وأنك معروف؟
أتحسب أنك عالم مجهول؟

(نفسك عالم عجيب ، يتبدل كل لحظة ويتغير ولا يستقر على حال ، تحب المرء فتراه ملكاً ، ثم تكرهه فتبصره شيطاناً ، وما ملكاً كان قط ولا شيطاناً ، وما تبدل ،ولكن تبدلت حالك ونفسك ،
وتكون في مسرة فترى الدنيا ضاحكة ، حتى أنك لو كنت مصوراً لملأت صورتها على لوحتك بزاهي الألوان
، ثم تراها وأنت في كدر ، باكية قد غرقت في سواد الحداد ، وما ضحكت الدنيا قط ولا بكت ولكن كنت أنت الضاحك الباكي )


وترى نفسك أنك سلكت الطريق الذي أضاعه الناس ، وفتحت الباب الذي عجز عنه الناس ،
ويراك الآخر أنك التائه الذي لم يبصر الطريق والعاجز الذي لم يجد المفتاح

أيها الإنسان أنت بشر لا إله ولا حجر
أيها الإنسان أنت خلقت من ماء قذر
أيها الإنسان أنت ستموت ومن ثم تصبح طعاماً للدود والهوام
أيها الإنسان أنت ستبعث عارياً خائفاً واقفاً نادماً على ما مضى خائفاً مما أتى

فلما الغرور ، ولما الفتور ، فكر في نفسك وأعرف ذاتك قبل أن يأتي اليوم الذي تعرف فيه ذاتك ولكن لا فائدة مضى كل شيء وفات.


يا إنسان متى تعرف نفسك
أتعرفها يوم أن تكون ممداً على الفراش وحولك أهلك وبنوك ينظرون إليك نظرة الراحم المشفق ، وأنت في سكرات تجتمع الشدائد كلها وتختلط مع البكاء على الماضي والخوف من القادم كلها في لحظة واحدة
أهلك وبنوك وأحبابكم كلهم يجتمعون عند راسك
فتفكر في أهلك من يرعاهم من بعدك
وبيتك من يسكنه من بعدك والمال من ينفقه من بعدك
، تفكر في الدنيا أهلها وقصورها ذكرياتها حلوها ومرها ، وفي نفس الوقت تفكر من القادم القبر وما أدراك مالقبر تفكر في الحشر والبعث والنشور والخروج من الأجداث والصراط والنار والجنة
ومع هذا وذاك ينازعك الملك روحك ليخرجها منك فتصرخ صرخة ألم ووداع ،

ويمضي تاريخ إنسان عاش في هذه الحياة
يمضي ذلك التاريخ كله الذي بدأ من يوم ولد باكياً والناس حوله يضحكون وينتهي يوم يموت والناس حوله يبكون

هل عرفت نفسك أيها الإنسان؟