قال لي : اذكر عتاب الأخ الحبيب ، وابعث إليه بالإعتذار .... فهل نسيت ؟؟
أجبته بمرارة وانفعال : لاوالذي خلق الشمس بما طلعت عليه ، والقمر بلياليه ، مانسيت الإعتذار ، ولكن أشغلني عنه الندم على الذنب والخطأ ، والحزن بما اقترفت .
قال زاجرًا : ويحك ! وهل يغني الإنشغال بالندم عن الإعتذار ؟!
أجبته : ربما ! شرط أن يعلم لائمي بذلك .
قال : وهل علم اللائم بندم الملوم ؟
أجبته : لاأدري !
صرخ فيّ منكرًا : لاتدري ؟!! وماتغني عنك ( لاأدري! ) ؟!
أجبته بلا مبالاة : لاأدري ! .... لكني سرعان ماانتبهت ، فقلت متحمّسًا : لقد أغنت ( لاأدري! ) أرباب الورع من أهل العلم ، فكانت بردًا على أكبادهم ، وراحة لهم من الفتيا في القول الثقيل ، والتوقيع عن رب العالمين ، أفلا تغنيني أنا العبد الفقير الجاهل ، وتكون بـ ... !
قاطعني محتدًا : سبحان الله ! إنما أغنت ( لاأدري! ) أهل العلم ورعًا أن يفتوا فيما لايعلمون ، فكيف تقيسها بـ ( لاأدريك!) هذه ؟!! وهل تعتبر ( لاأدريك!) بحسب قياسك السقيم ورعًا عن الإعتذار لمن أخطأت في حقه ؟! وهل أغنت ( لاأدري! ) صاحب القبر لما تلاها ، فصُرخ فيه : لادريت ولاتليت ؟!!
لذت بصمت ، وأنزلت رأسي خجلا ، ثمّ قلت : صدقت ! أسأل الله لي ولك حسن الختام ، والنجاة من عذاب القبر !
سرت بيننا دقائق من السكون والصمت ، تلت ذكر عذاب القبر ، الذي أضاء في القلب مكانا مظلمًا سرعان ماخفت وانطفأ ؛ لأن هذه الدنيا وهمومها لاتترك لطالب النور مجالا ، فتُسْكِرُهُ بطيف خيالها ، وخداع سرابها ، حتى ينغمس المرء فيها ، ولاينتبه إلا في ذروة من الإنغماس ، ليجد آثار هذه الغفلة ، قسوة في القلب وران ، فيصحو ضميره ، ويأسى لحاله ، فيصرخ بين الجموع : ( نافق حنظلة ) ....
انتبهت... فإذا صاحبي يقول : إذا ؟
أجبته : إذًا ماذا ؟!!
قال : هل ستعتذر منه ، أم تصرّ على ذنبك بحجة الندم عليه ؟
قلت : بل أعتذر ، ولاأجعل للشرّ مدخلا .
سرعان ماوضع صاحبي القلم والورقة أمامي ، ولم ينطق بأي كلمة ؛ بل اكتفى بنظرة تحثّني على الإستعجال ، فأخذت القلم وقربت الورقة ، ثم شرعت في كتابة الرسالة :

ياصاحبي !
سلام الله عليك ورحمته وبركاته
اعلم - وفقني الله وإياك - أن الشيطان الرجيم يجد كامل سعادته ومنتهى لذته في العمل للشر ... وللشر فقط ، والشرّ في جهة معاكسة تماما للخير ، والخير كل الخير في اتباع كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وليس بخاف عليك أن الكتاب والسنّة يحثان على مبادئ الأخوة الإسلامية ، عقدٌ عقده الله عز وجل بين المؤمنين ، وأثبته على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين قال عليه الصلاة والسلام : " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا " ثمّ شبّك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه .... فياصاحبي ! هل ترضى أن تكون حالنا وكأنك ممسك بيد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنا ممسك باليد الأخرى ، نحاول أن نمنعه عن تشبيك أصابعه الشريفة ، لنهدم هذا البنيان الربّاني .؟!!! حاشا وكلا ؛ بل نفدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرواحنا وأنفسنا ضدّ من يفكر في هذا الأمر .... مجرد تفكير ! فهلمّ ياأخي نولي وجوهنا وجهة الخير ، مخلفين وراءنا الشيطان وحزبه كل يبكي ويصيح : البنيان لم ينهدم...البنيان لم ينهدم ... هلمّ نغيظ عدوّ الله ورسوله .

أخي ........ أنا أعتذر !
أخي ........ أنا آسف !
فهلا قبلت اعتذاري وأسفي ؟!!