آخر المشاركات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 9 من 9
  1. #1
    الصورة الرمزية أمواج الشرقية
    عضو متميز جدا

    أمواج الشرقية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    الدولة
    الجبيل الصناعية
    المشاركات
    1,258

    فصول مختاره من مؤلفات سيد قطب ..

    [align=center]

    [/align]

    الحقيقة هذه فصول مختارة من مؤلفات سيد قطب .. كتبتها بنفسي عسى أن أكون ساهمت بنشر ولو شيء بسيط من أفكاره رحمه الله ..

    الحريم !!! : هنالك شبهة قوية لصقت بهذا الدين ، وهي بعيدة عن روحه وتعاليمه ، بعدها عن الواقع التاريخي فيه .. شبهة ( الحريم ) ! .
    إن ( الحرملك ) أو ( السلاملك ) لفظان تركيان يشيران إلى نشأة ذلك النظام في العالم الإسلامي .. ولا أظن أحدا يتهم الأتراك بأنهم فهمة الدين ولا كانوا من الصحابة ولا التابعين ! ..
    لقد كانت وثبة الإسلام بالمرأة وثبة ثورية بالقياس إلى العصر ، و ماتزال إلى اليوم خطوة إنسانية كريمة ، لم تزد عليها الحضارة الغربية إلا الاستهتار .
    إن الكثيرات يخشين لو عاد الإسلام إلى الحكم أن يردهن رقيقا ، أو أن يحبسهن في الحريم .. وهي خشية لا أساس لها ولا يعرف الإسلام منشأها ، و الذي نعلمه ونؤكده أن المرأة الفاضلة ليس لها أن تخشى من الإسلام وحكمه شيئا ، فقد منحها الإسلام من الحرية الواسعة الكريمة ما هو حسب أي إنسان فاضل شريف للعمل المثمر في حياة المجتمع .
    منحها حق الملك والكسب بالطرق مشروعة ومنحها حرية تزويج نفسها ممن تشاء بلا ضغط ولا إرغام ، ومنحها حق الخروج والدخول في ثياب محتشمة ، لا تشير الشهوات ولا تجعلها نهبا للنزوات .
    نعم ، إنه منعها أن تخرج للناس بثياب السهرة ، وأن توزع النظرات الغزلة ، والضحكات الفاجرة ... فمن كانت لا تعرف الحرية إلا هكذا ، فلتخش الإسلام وحكم الإسلام .
    فأما الذين يتحككون بحرية المرأة ليحتكوا بالمرأة ، من أصحاب الأقلام المائعة ، فأولئك يعرفون أهدافهم كما تعرفها أوكار النساء التي ترحب بهم ، وتدعوهم إلى حفلاتها الداعرة ، التي يتجرد فيها الإنسان من كل مقومات الإنسانية ليرتد حيوانا في غابة وينقلب الجنسان الذكر والأنثى .. وهذه الحفلات الداعرة لا يعرفها الإسلام .
    لقد كن النساء في عهد محمد صاحب هذا الدين ، يذهبن إلى المسجد للصلاة ، ويذهبن للسوق للتجارة ، ويخرجن في الغزوات لتشجيع الرجال ، فإذا جاء عصر من عصور الظلم و الاستبداد فأحال المرأة سلعة ، وقد أحال ذلك العصر نفسه الرجال إلى أرقاء .
    إنه ليس الإسلام الذي كان يأمر السلاطين بإلقاء الرجال في جب الحيات ، وكذلك لم يكن هو الذي يأمر الرجال بإلقاء النساء في ( الحريم ) إنما كان ذلك ظلما شائعا ذهب ضحيته الرجال والنساء سواء .
    كذلك ليست ( الحرية ) التي تكشف الأفخاذ والنهود في الحفلات الساهرة اليوم ، إنما هي الدعارة الروحية تتزيا بزي الأرستقراطية ، والعبودية للجسد تتزيا بزي الحرية .
    فإذا جاء حكم الإسلام ، فسيرد للمرأة حريتها الكريمة التي تنقذها من الرجعية التي لا تزال تسيطر في بعض الأوساط ، والتي تنقذها كذلك من الإباحية التي خرجت من وسط الأرستقراطية .
    إنه سينقذ روح الإنسانية المهينة في ( الحريم ) وفي ( الصالون ) سواء ، فهي في الأولى مهينة بالكبت والظلم و هي في الثانية مهينة بالرخص والابتذال .
    إنه لا خوف من الإسلام على امرأة فاضلة تزاول نشاطها الإنساني في حدود الشرف و الكرامة ، فأما اللواتي لا يسعهن هذا المجال فلهن أن يخشين كل الخشية من حكم الإسلام .

    عداوات حول حكم الإسلام :
    عداوات المحترفين من رجال الدين : لعل أغرب العداوات لحكم الإسلام هي عداوة المحترفين من رجال الدين ، المحترفين على اختلاف مللهم و نحلهم وفرقهم و طرائقهم . ولكنها في الواقع ليست غريبة إلا في ظاهر الأشياء ، إن هؤلاء جميعا إنما يعرفون أن ليس في الإسلام ( رجال دين ) ، يرتزقون باسم الدين وحده ولا يؤدون عملا منه يأكلون .
    إن الدين ليس حرفة في الإسلام ، إلا أن يكون اشتغالا بتعليم الناس شأنه شأن أي مادة من مواد المعرفة الإنسانية الأخرى ، أو قضاء في أحوالهم شأنه شأن أي تخصص في عمل من الأعمال .
    وإن هؤلاء جميعا ليعرفون أن الإسلام يطارد الدجالين الذين يجمعون حوله الترهات والخرافات ، فالإسلام عقيدة بسيطة واضحة لا تعتمد على المعجزات والكرامات والشفاعات و الدعوات ، إنما تعتمد على العقيدة المستقيمة و السلوك النظيف و العمل الصالح و الجد و الإنتاج .
    ولو حكم الإسلام فسيكون أول عمل له أن يطارد الباطلين الذين لا يعملون شيئا ويعيشون باسم الدين ، والدجالين الذين يلبسون وضوح الإسلام بغموض الأساطير ويستغفلون باسمه عقول الجماهير و الدراويش الذين لا يعرف لهم الإسلام مكانا في ساحته ولا عملا في دولته – وهم في مصر كثير جدا - .
    و المحترفون من رجال الدين يعرفون أن لهم وظيفة أساسية في المجتمعات الإقطاعية و الرأسمالية ، وظيفة ترزقهم عليها الدولة و تيسر لهم مزاولتها والكسب منها في المجتمع ، تلك وظيفة التخدير و التغرير بالجماهير الكادحة العاملة المستغلة المحرومة .
    فأما حين يحكم الإسلام ، فيعطي هذه الجماهير حقها ويكف المستغلين و المستبدين عنها ، ويحدد الثراء الفاحش الذي يؤذي بمجرد وجوده نفوس المحرومين الممنوعين ، حين يتم هذا فما وظيفة هؤلاء المحترفين في المجتمع ؟ وما مكانهم في الدولة ؟ وما عملهم مع الجماهير ؟.
    إن حرفة الدين جزء من النظم الاجتماعية المختلة ، وقطعة أصيلة من أجهزة الحكم فيها ، فإذا صحت تلك الأوضاع و سلمت تلك الأجهزة ، فحرفة الدين تصبح بلا طلب ولا ضرورة ، لأن الدين ذاته سيستحيل عملا وسلوكا ، نظاما ومجتمعا ، ولا يظل أقوالا وشعائر وتمتمة وتراتيل .
    وتلك حقيقة واضحة لا يدركها أولئك المحترفين بأفكارهم وعقولهم ، فهم يدركونها بحسهم وفطرتهم .. وما ينبغي أن نشك في ذكاء هذا الفريق من الناس ، فإن في الكثيرين منهم طاقة كبيرة من الذكاء و المهارة و البراعة يستغلونها استغلال الحواة ، ويستخدمونها استخدام السحرة ، ولو عاشوا في ظل نظام صالح يستغل هذه الطاقة استغلالا سليما فربما كسب المجتمع منها كسبا عظيما ، أما الآن فهم مجرد تروس في جهاز الاستغلال ، وهم مستنفعون مستغلون بدورهم ، وهم يدركون أخطار الحكم الإسلامي وأقل هذه الأخطار الاستغناء عن خدمتهم التي لا يعرفها الإسلام .

    عداوات المستهترين و المنحلين : لقد انتهينا في مصر إلى مجتمع منحل مستهتر مريض ، بفعل جميع العوامل السيئة الناشئة من الاختلال الاجتماعي الذي وصفنا أعراضه فيما سبق ، والناشئة كذلك من التيار العالمي المنحدر بين الحربين العالميتين الكبيرتين ، والحروب بطبيعتها تخلخل بناء المجتمع وتجرف معها الاستهتار و الانحلال على الأقل بحكم التعرض للخطر والموت ، الذي يجعل انتهاب اللذائذ المتاحة أمرا تدفع إليه دوافع الفطرة و الضرورة .
    وأيا ما كانت الأسباب ، فقد انتهينا إلى مجتمع تشيع فيه الفاحشة ، ويطفو على سطحه الاستهتار ويبدو الانحلال في كل جوانبه ، سواء ما يتعلق بالجنس ، وما يتعلق بالمخدرات ، وما يتعلق بالذمة و الضمير ، و الخلق في العمل و السلوك . هذه الجموع المستهترة المنحلة من الرجال و النساء يهولها – من غير شك – أن تسمع شيئا عن حدود الإسلام التي تفزع الفاحشين والفاحشات بل عن أوامره ونواهيه التي تكبح النفوس وتزجر الجناة ، وتمنعهم بحكم العرف وحكم القانون من التبجح والاستهتار .
    وتدخل الأوكار النسوية المتناثرة هنا وهناك في هذا المجال ـ تلك الأوكار التي تشتغل بتفاهاتها الفارغات من النسوة و الفتيات على سنة الفراغ والبطالة الموحي بكل تافه من الأفكار و الأعمال . ولقد أسلفت أن لا خوف من الإسلام على امرأة فاضلة ، تزاول نشاطها الإنساني في حدود الشرف و الكرامة . ولكن هذه الأوكار التي اعنيها تعرف أن هذا الشرط لا ينطبق على نشاطها و أن الحرية الواسعة الكريمة التي يمنحها الإسلام للمرأة لا تسع ذلك اللون من النشاط ! .
    هذه الجموع من الرجال و النساء ، ومن الشبان والفتيات ، هذه الجموع التي لا تجد في الحرية الواسعة الكريمة التي يتيحها الإسلام للشرفاء والشريفات كفاية لنشاطها .. تفزع من حكم الإسلام بحاسة الخوف على الذات وحب السلامة ، والأمن الذي تيسره لها الأوضاع الاجتماعية القائمة بما فيها من انحلال و اختلال ، فهي إذا بطبيعتها عدوة لحكم الإسلام الذي ليس فيه أمان لها .
    وتملك هذه الجموع نوادي وصحفا ، كما تملك نفوذا في جهاز الحكم ومرافق البلاد ، بل إن نفوذها ليفوق كل نفوذ آخر في هذه البلاد ! ، إنه النفوذ الذي يرتكن إلى شهوات الجسم ونزوات الجسد ، وإلى المال ، وإلى الحكم ، ويستخدم هذه القوى في مقاومة كل نظام يمكن أن يحد من هذه الفوضى وذلك الفساد .
    وما زلت أذكر منذ سنوات كلمة أحد الوزراء في ذلك العهد ، في رواق من أروقة مجلس النواب وقد خرج أثناء مناقشة حادة حول ( إلغاء بيوت الدعارة العلنية و مكافحة بيوتها السرية ) قال – لا بارك الله له في بدن ولا عافية - : ( نحن إذن أين نذهب ؟! ) وأتبعها بقهقهة غليظة تابعه فيها الذيول و الأذناب ! ، مثل هذا الوزير كثيرون في مصر .. وكثيرات ! ، يسمون الفوضى الحيوانية السائدة في مصر حرية ، ويسميها بعضهم تقدما وحضارة ، ويباهي بالحديث عنها بشعور الحيوان المنطلق الشهوات ، وبعضهم يسميها طلاقة فنية ، لأن الفن في نظرهم لا يكون إلا إباحية قذرة مريضة .. وكأن الفن لا يعمر روح ( إنسان ) ! .
    وما أريد أن أخط هنا خطبة منبرية في الوعظ الشريف كالتي صاغتها أقلا الأجلاء من كبار العلماء ، ولكني أريد أن أدل على أن اختلال المجتمع المصري قد آتى كل ثماره الخبيثة العفنة الكريهة ، وأن الحكم الإسلامي سيتولى علاج هذه الثمار باجتثاث الأصل الذي يطلعها ، بل بتطهير التربة التي تنبت فيها . والذي أريد التنبيه إليه هنا أن نصيبا عظيما من الضجة القائمة ضد حكم الإسلام إنما ينبعث من المواخير و الأوكار و الجيف الطافية على وجه ذلك المستنقع الآسن الفسيح . المستنقع الذي لا يخوض فيه اللصوص و السكارى و النخاسون و الرقيق الأبيض فحسب ، بل تخوض فيه رؤوس كبيرة كثيرة في البلاد ، و بيوتات فوق مستوى الشبهات ! .
    فإذا سمع الناس هذه الضجة ضد حكم الإسلام ورأوا احتفالا بمثيريها الأقزام فليعرفوا أن الزفة ليست للقزم الذي يلبس الريش ، ولكن للمستنقع الذي تخشى ديدانه من المطهر الفتاك !!.

    من كتابه ( معركة الإسلام والرأسمالية ) .
    [ والصفعة تفقد معناها في زمن التدمير الشامل
    و البغايا ماعدن يومسن في الظل
    وتصير الأرض سلاماً ليس عليك ..!


  2. #2
    الصورة الرمزية أمواج الشرقية
    عضو متميز جدا

    أمواج الشرقية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    الدولة
    الجبيل الصناعية
    المشاركات
    1,258

    سلام الضمير :

    لا سلام لعالم ضمير الفرد فيه لا يستمتع بالسلام .. تلك نظرة الإسلام .. فإذا شاء أن يقيم السلام العالمي على أساس ركين ، فهو يبدؤه هنالك في قرارة الضمير .
    وللفرد في النظام الإسلامي قيمة أساسية ، فهو اللبنة الأولى في بناء الجماعة ، وفي ضميره تنبت البذرة الأولى للعقيدة ، وفي سلوكه تستحيل العقيدة المكنونة حقيقة ظاهرة ، بل يستحيل هو ذاته ترجمة حية لهذه العقيدة .
    وفي ضمير الفرد يغرس الإسلام بذرة السلام ، السلام الإيجابي الذي يرفع الحياة ويرقيها ، لا السلام السلبي الذي يرضى بكل شيء ، ويدع المبادئ تداس في سبيل العافية و السلامة .
    السلام النابع من التناسق و التوافق ، المؤلف من الطلاقة و النظام ، الناشئ من إطلاق القوى و الطاقات الصالحة البانية ، ومن تهذيب النزوات و النزاعات ، لا من الكبت و التنويم والخمود .
    السلام الذي يعترف للفرد بوجوده و بنوازعه و بأشواقه ، يعترف في الوقت ذاته بالجماعة و مصالحها و أهدافها ، وبالإنسانية وحاجاتها و أشواقها وبالدين و الخلق والمثل .. كل هذا في توافق و اتساق .



    المنطق و العقيدة :
    يعقد الإسلام السلام بين المنطق الإنساني و العقيدة الدينية منذ الخطوة الأولى . فالإسلام عقيدة بسيطة واضحة لا تعقيد فيها ولا غموض .
    الله ليس كمثله شيء ، هو خالق كل شيء ، ومحمد بشر كسائر البشر ، أوحي إليه أن يهدي الناس إلى عبادة هذا الإله الواحد بلا شريك له ، والله ليس ثلاثة في واحد ولا واحدا في ثلاثة ، وليس الله والدا ولا مولودا ، ومحمد ليس بشرا وإلها ، وليس رسولا في الأرض وربا في السماء !.
    في الإسلام لا شيء من الألغاز و المعميات ، التي تهرب من الضوء وتدع المنطق الإنساني في حيرة ، والضمير الفردي قلق ، لأنه إما أن يؤمن فيهمل منطقه وإما أن يعتصم بالمنطق فيقوده إلى الكفر والإلحاد ، وإما أن يبقى متأرجحا بينهما ممزقا مضطربا لا يقر على قرار .
    وفي الإسلام ليس من العسير تصور بشر يتصل بالقوة الكبرى ففي روح الإنسان تلك الطاقة التي تصله بتلك القوة ، وأفراد عاديون يحسون في تجاربهم العادية تلك الصلة ، لكن أرواحهم لا تثبت لهذا الاتصال إلا لحظات خاطفات أما أرواح كأرواح محمد و عيسى ونوح وإبراهيم – عليهم أفضل الصلوات وأتم التسليم – فلا يتعذر تصور استمدادها من هذه القوة وتلقيها .
    وإذا قيست قضية تصور الوحي على هذا النحو بقضية تصور اللاهوتية و الناسوتية في أقنوم ، وتصور ثلاثة في واحد ، وتصور نزول الإله إلى الأرض في صورة ابنه ليعاني الآلام تخليصا للبشرية من خطيئة آدم ... إلى آخر أوهام الكنيسة و المجامع التي دستها في النصرانية .. إذا قيست تلك القضية إلى هذه القضايا فإنها تبدو يسيرة جدا ! .
    لقد دخلت هذه الأساطير إلى النصرانية ، وهي منها بريئة ، فالنصرانية في منابعها الأولى صورة من الدين الواحد الذي أرسل الله به رسله جميعا ، دين التوحيد الذي لا يجعل لله شريكا ، الذي يطلق البشر من عبودية الشريك ، لكن الرومان الذين دخلوا في المسيحية ومعهم آلهتهم المتعددة لم يطيقوا أن يخلصوا سريرتهم لهذا التوحيد في النصرانية ، ومن ثم بدأت تلك الأساطير ، وشيئا فشيئا صارت هي النصرانية كما تعرفها الكنيسة ، أي النصرانية الرسمية التي يشرد من لا يعتنقها و يكتب عليه الحرمان !.
    ولكن صيرورة النصرانية إلى هذا الوضع أوقعت المثقفين من النصارى في قلق نفسي و فكري دائم ، فهم إما أن يستجيبوا لمنطقهم فيخرجهم من عداد المؤمنين إلى عداد الملحدين ، وإما أن يلغوا عقولهم ليحتفظوا بعقيدة هذه الأساطير التي تحميها الكنيسة ، وإما أن يكلوا أنفسهم إلى القلق الروحي الدائم بين جوعتهم إلى العقيدة و منطقهم الذي يفر من تلك الأساطير .
    وفي الإسلام كاد يحدث ما حدث في النصرانية ، فالرغبة البشرية في الأساطير والتهويل تحاول أن تغشى على وضوح الإسلام وبساطته ، ظلت تصوغ حول محمد بن عبد الله وحول المختارين من آل بيته وخاصة الحسين رضي الله عنه .. ظلت تصوغ الخرافات و الهالات التي تأباها طبيعة الإسلام ، وظلت تجد عند العامة قبولا لا تجده حقائق الإسلام الواضحة البسيطة .
    ولكن بناء الإسلام ذاته بقي سليما ، وأصوله بقيت محفوظة فلقد كانت طبيعته من الوضوح والبساطة بحيث بقيت هذه التهاويل والأساطير تتناثر حول هامشه ولا تدخل في بنيته .
    في النصرانية قادت الكنيسة ذاتها هذه التهاويل و تبنتها ، لأنها تزيد من سلطانها ونفوذها على نفوس الجماهير ، كان تعقيد العقيدة وإحاطتها بأجواء من الغموض غرضا مقصودا لتكون للكنيسة في حياة الناس وظيفة ، فلو أن العقيدة المسيحية بسيطة كما هي ، واضحة كما هي ، مفهومة كما هي .. فماذا يصنع رجال الدين ؟! .. وما حاجة الناس إليهم إذا استطاعوا هم بأنفسهم أن يفهموا دينهم ، وأن يمارسوا شعائرهم ، وأن يتصلوا مباشرة بخالقهم ؟! .. انه لابد من هذا الغموض ، لابد من هذه الأساطير والرؤى والأحلام كي يلجأ الناس إلى الكنيسة دائما ، تحل لهم رموز العقيدة وتكشف لهم بحساب عن الأسرار . وبذلك يبقى سلطان الكنيسة قائما وتبقى سلطتها كاملة ، ولا يملك الناس أن يخطوا خطوة في حياتهم الدينية وحياتهم الروحية إلا ومعهم قديس أو قسيس ! .

    سلام البيت :
    الحدود : وإن الإسلام ليكره أن تشيع الفاحشة في المجتمع : ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم ) ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ) ولشيوع الفاحشة أثره الفاحش في تحطيم أسس المجتمع ولكن الذي يعنينا في هذا الموضع أثره في أمن البيت وسلامه ، وحرص الإسلام على هذا السلام .
    إنه يبدأ بأسباب الوقاية على نحو ما أسلفنا : يأمر بالحشمة ويحرم التبرج ويتحرج من الاختلاط ، ويحاول تيسير الإحصان بالزواج قدر الاستطاعة ، حتى إنه ليدعو المسلمين إلى مساعدة من يبتغي الزواج بالمال ، فإذا تعذر فهو يدعو للصوم تلطيفا لفورة الجسم : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر و أحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) .
    وهو يحبب الرياضة والفروسية ملاحظا هذا المعنى بجانب غايات الفروسية الأخرى .
    وما من شك أن التربية الإسلامية المعتدلة المتناسقة و توقي مواضع الإثارة وأسباب الفتنة بتحريم التبرج و التطري في الحديث : والتحرج من الاختلاط في غير ضرورة قاهرة مع أخذ الجسم بالرياضة و الصوم و التبكير بالزواج بمجرد الاستطاعة .. ما من شك أن هذه كلها عوامل إيجابية في ضبط الجسد والنفس إلى حين .
    والببغاوات هنا والشاردون هناك يقولون : إن هذا الضبط لا بد مؤد إلى عقد نفسية ، ذلك أنهم لا يتخيلون صورة للمجتمع غير تلك الصورة القذرة ، صورة الشبان الهائجين محتكين بالفتيات الفائرات ، صورة النهود والأفخاذ عارية ، صورة النظرات جاهره في العيون و الشهوات ناضحة في الشفاه ، تدفعها كلها وتؤججها مناظر الأفلام الداعرة ، وصور الصحف المجرمة ، وأصوات المخنثين والمخنثات في الإذاعة ، والتوجيهات الخبيثة في كل أجهزة التوجيه و الإعلام العامة ، ومن وراء ذلك كله الترف و الفراغ في جانب ، و العوز والانحلال في جانب ، ومن حول ذلك كله تجار الأعراض و مخانيث القوادين !.
    إن مجتمعا هذه صورته ليتعذر فيه الضبط ، لأن عوامل الفتنة كلها هائجة صاخبة جامحة طليقة . و إن مجتمعا هذه صورته ليعز فيه على النفوس القرار ، ويعز فيه على البيوت السلام ، ولكن المجتمع الإسلامي شيء مغاير لهذا كله من الأساس ، إنه مجتمع يحارب العوز ويسده ، ويحارب الاختلاط و التبرج ، ويحارب التخنث التأنث ، وتشتغل أجهزة التوجيه و الإعلام فيه بتوجيه الناس إلى الفضيلة و الخير ، والنظافة و العفة ، وتقوى الله ومراقبته ، و تعبيدهم كذلك لله وحده ! . وهو بعد ذلك كله يملأ فراغ الحياة بهموم كبار في سبيل الله وفي سبيل الإنسانية ، يملأ فراغ الوقت بالعمل ، فلا يوجد أولئك الفارغون و الفارغات الذين لا يجدون ما يملئون به حياتهم ويصرفون فيه طاقاتهم ، إلا الشهوات و النزوات ، إلا الترف الفاجر الداعر في الحفلات و السهرات والرحلات و المعسكرات المختلطة و مضايقة طلاب اللذائذ و المتع من السياح والسائحات .
    إن الإسلام لا يدع كؤوس الخمر تهيج في العروق ، و نظرات الخليعات الفاجرة تهتف بالرجال ثم يكلف الرجال أن يضبطوا نزواتهم و يكبحوا شهواتهم ! .. كلا.. إنه يأخذ الأمر من أطرافه جميعا ، و يأخذ على أسباب الفتنة الطريق منذ الخطوة الأولى ، ثم يكلف الناس ما في طوقهم حينذاك بدون مشقة وبدون إعنات .
    فإذا وقعت الفاحشة بعد ذلك ففي سبيل سلام البيت و في سبيل تماسك المجتمع يأخذ الأمر بعقوبات رادعة يوقعها على الفاحشين والفاحشات : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ... ) وقد عاقب الرسول صلى الله عليه وسلم بالرجم للمحصن و المحصنة وعاقب به الخلفاء من بعده .
    و تسمع من الببغاوات هنا والشاردين هناك أنها عقوبة قاسية ، أم تحطيم البيوت و قلق الضمائر و تدليس الأنساب فما هي بقاسية ، قاسية لأن المترفين و المترفات ، والداعرين والداعرات ، يحسون – وهم يصفونها بالقسوة – وقع السياط على جلودهم الناعمة المترهلة ، ونفح الأحجار في أجسادهم اللينة الرخيصة ، إنهم يدافعون عن أنفسهم وهم يتشدقون باسم القوانين المتحضرة و ينعتون حدود الإسلام بالقسوة والهمجية ، وهم الهمج المنتكسون إلى حياة البهيمية الأولى .
    والإسلام مع ذلك لا يقضي بهذه العقوبة الرادعة إلا في حالات التأكد المطلق الذي لا شبهة فيه ، وفي حالات الإحصان بالزواج حيث تنتفي الحاجة القاهرة أما غير المحصنين و غير المحصنات فعقوبتهم أخف وليست تجاوز الجلد .
    و النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( ادرءوا الحدود بالشبهات ) لأن الجريمة التي تقوم عليها شبهة ليست هي الجريمة الواضحة الظاهرة المتبجحة ، وهي أولى بالتخفيف و العطف ، وفي التعزير ما يكفي لغير المجرم المتبجح بجريمته حتى ليراها الشهود – وهم في حالة الزنا أربعة - يتأكدون جميعا من وقوع الفعل بلا شك في نفس واحد منهم ولا مطعن في عدالته ، وإلا فرجم أو جلد .
    وإذا عرفنا أن التجسس وتسور الأبواب و اقتحام البيوت الخاصة ممنوع ، فإن ضبط هذه الجريمة ورؤية الشهود لها على الوضع الذي يشترطه الإسلام لإقامة الحد ، لا يكون غالبا إلا في حالة التهتك الفاضحة ، والتبجح بالجريمة في الأماكن العامة . وتلك إشاعة للفحش و استهتار بالكرامة و العرض ، لا توصف العقوبة بالقسوة عند ذوي الفطر المستقيمة و الطباع السليمة .
    ومنعا لشيوع الاتهام بالحق وبالباطل ، يعاقب الإسلام بالجلد والحرمان من الثقة و إسقاط الشهادة كل من يرمي امرأة محصنة أو رجلا محصنا بتهمة ولا يأتي بشهود أربعة : ( و الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ، إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ) وذلك كي لا يشيع الاتهام ويشيع القلق في النفوس و البيوت ، وتشيع قالة السوء في المجتمع ، فتفقد الثقة ،ويحل مكانها التشكك و الخوف : ( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما ).

    من كتابه ( السلام العالمي و الإسلام ) .
    [ والصفعة تفقد معناها في زمن التدمير الشامل
    و البغايا ماعدن يومسن في الظل
    وتصير الأرض سلاماً ليس عليك ..!


  3. #3
    الصورة الرمزية أمواج الشرقية
    عضو متميز جدا

    أمواج الشرقية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    الدولة
    الجبيل الصناعية
    المشاركات
    1,258
    سلام العالم :
    الجهاد في سبيل الله : و المسلمون إذن مكلفون تبعات إنسانية تجاه هذه البشرية بحكم وصايتهم هذه عليها ووصاية كتابهم على كتبها ، هم مكلفون أن يحققوا في الأرض ذلك السلام الذي أسلفنا خطواته و عرفنا أسسه من إفراد الله سبحانه بالربوبية و بالإلوهية و بالحاكمية ن ومن العدل والمساواة و الحرية ، ومن ضمانات الحياة القانونية و المعيشية ، و من منع البغي و إزالة الظلم و تحقيق أسباب التوازن الاجتماعي و التكافل و التعاون ، وإزالة أسباب الفرقة و الخصام والنزاع بين الأفراد والجماعات ، وسد الذرائع التي تدعو إلى قيام الطبقات وتميزها و صراعها ..
    وقد جاءت هذه الأمة وسطا عادلا بين طرفي التفريط و الإفراط في كل اتجاهات الحياة ، كما ترسم لها حدود هذا الدين ومبادئه التي عرضنا طرفا منها في مجال السلام ، فكان عليها أن تنهض بهذا العبء و ألا تنكل به لأنه نصيبها المقدر لها لتكون الحياة من خالق الحياة .
    ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر و تؤمنون بالله )
    ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ، لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) .
    ولكن هذا الدين – مع هذا كله – لم يتعسف الأمور ، ولم يكلف المسلمين إكراه غيرهم على اعتناق عقيدتهم ، بسبب أنها الصورة الشاملة الكاملة الصادقة لدين الله الواحد في الأرض : ( لا إكراه في الدين ، قد تبين الرشد من الغي ) ، إنما كلفهم أولا حماية المؤمنين حتى لا يفتنوا عن دينهم ، وكف القوة عنهم بالقوة ، لأن الدعوة بالحسنى هنا لا تجدي ، وليس هذا مكانها ، وكلفهم ثانيا كفالة حرية الدعوة وإزالة كل قوة طاغية في الأرض تمنع أن تصل دعوة الإسلام إلى الناس كافة .. وكلفهم ثالثا إقرار سلطان الله في الأرض ، ودفع المعتدين على هذا السلطان ، أولئك الذين يدعون أن لهم حق التشريع للناس من دون الله ، فهم يدعون بهذا حق الإلوهية ، ويقيمون من أنفسهم أربابا من دون الله أو مع الله .. وكلفهم رابعا : إقامة العدالة الكبرى في كل ميادينها ، سواء كانت للأفراد خاصة في المجتمع ، أو بالجماعات في هذه الأمة ، أو بالأمم التي تعيش على هذه الأرض وتتألف منها البشرية العظمى .
    ولقد تضمنت مبادئ الإسلام الأساسية ثورة حقيقية كاملة ، تعد أكبر ثورة تحررية عرفتها البشرية ، ثورة على ربوبية العباد للعباد ، وثورة على الظلم بكل صنوفه و أنواعه ، وفي كل ميادينه ومجالاته ، و وثورة على النظم و الحكومات التي تسند هذا الظلم وتستبقيه لحساب فرد على جماعة في صورة حاكم أو مستغل ، أو لحساب طبقة على طبقة في صورة إقطاعيين و رأسماليين وصعاليك ، أو لحساب دولة على دولة في صورة مستعمرين و محتلين .
    ولم يكن بد أن يقاومه أفراد ، أو تقاومه طبقات ، وأن تقاومه دول ، ولم يكن بد كذلك أن يمضي الإسلام بثورته الكاملة الشاملة في وجه هذه المقاومة ، ولم يكن بد أن يكتب الجهاد على المسلمين لنصرة هذه الثورة وتحقيق ربوبية الله و حاكميته في الأرض . و استنقاذ البشرية أفراد و جماعات من جور الأرباب الأرضية الممثلة في الأشخاص والحكومات و النظم و الأوضاع ، لكي يقيم السلام العالمي الأكبر على أسسه الأصيلة لا بين الدول فحسب ، ولكن في داخل هذه الدول كذلك فلا يسكت على وقوع الظلم في داخل دولة من الدول ليشتري السلم معها بأي ثمن ، إن النظرة الإسلامية نظرة ربانية محيطها ( العالم ) وموضوعها ( الإنسان ) فليس همه أن يشتري السلم الكاذبة مع دولة من الدول بأن يدع هذه الدولة تقيم لرعاياها أربابا من دون الله يدعون حق الربوبية فيها وتحرمهم العدل القضائي والعدل الإجتماعي .
    حيثما كان ظلم فالإسلام منتدب لرفعه ودفعه ، وقع هذا الظلم على المسلمين أم على الذميين – الذين أعطاهم الإسلام ذمته ليحميهم – أو على سواهم ممن لا يربطهم بالمسلمين عهد ولا اتفاق ، وأظلم الظلم تعبيد العباد لغير الله و إقامة أرباب يشرعون لهم ما لم يأذن به الله ، وحيثما واجه الإسلام الفرد الظالم أو الطبقة الظالمة أو الدولة الظالمة ، واجههم على أنهم جماعة من البشر تظلم جماعة من البشر ، لا على أنهم سود وحمر أو بيض أو صفر ، ولا على أنهم مسيحيون أو يهود أو مشركون .
    والإسلام يواجه القوى الواقفة في وجهه بواحدة من ثلاث : الإسلام أو الجزية أو القتال .
    فأما الإسلام : فلأنه الصورة الأخيرة لدين الله الخالد ، لأنه الهدى للبشرية جميعا ، ولأنه الناموس الذي يحقق العدالة الإنسانية للجميع .
    وأما الجزية : فلأنها دليل الكف عن المقاومة ، وتحقيق حرية الدعوة ، وغزالة القوة المادية التي تصد الناس عنها .
    وأما القتال : فلأنه في هذه الحالة هو الرد الباقي على مقاومة كلمة الله عن إصرار وعناد ، وحرمان البشرية من الاستمتاع بما تحمله لها هذه الكلمة من نور وعدل و من سلام شامل كامل لبني الإنسان .
    فإذا استسلم من يطلب السلام ، فهؤلاء هم الذميون وهؤلاء لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين بنص الإسلام الصريح .

    من كتابه ( السلام العالمي و الإسلام ) .
    [ والصفعة تفقد معناها في زمن التدمير الشامل
    و البغايا ماعدن يومسن في الظل
    وتصير الأرض سلاماً ليس عليك ..!


  4. #4
    الصورة الرمزية أمواج الشرقية
    عضو متميز جدا

    أمواج الشرقية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    الدولة
    الجبيل الصناعية
    المشاركات
    1,258
    الفصام النكد :ليس من طبيعة الدين أن ينفصل عن الدنيا وليس من طبيعة المنهج الإلهي أن ينحصر في المشاعر الوجدانية و الشعائر التعبدية و الأخلاقيات التهذيبية ، أو في ركن ضيق من أركان الحياة البشرية .. ركن ما يسمونه ( الأحوال الشخصية ) .
    ليس من طبيعة الدين أن يفرد لله سبحانه قطاعا ضيقا في ركن ضئيل – أو سلبي – في الحياة البشرية ، ثم يسلم سائر قطاعات الحياة الإيجابية العملية الواقعية لآلهة أخرى وأرباب متفرقون ، يضعون القواعد و المذاهب والأنظمة و الأوضاع و القوانين والتشكيلات على أهوائهم دون رجوع إلى الله ! .
    ليس من طبيعة الدين أن يشرع طريقا للآخرة لا يمر بالحياة الدنيا ! ، طريقا ينتظر الناس في نهايته فردوس الآخرة عن غير طريق العمل في الأرض ، وعمارتها والخلافة فيها عن الله وفق منهجه الذي ارتضاه ! . ليس من طبيعة الدين أن يكون هذا المسخ المشوه الهزيل ! ، ولا هذه الألعوبة المزوقة التي يلهو بها الأطفال ! ولا هذه المراسم التقليدية التي لا علاقة لها بنظم الحياة العملية ! .
    ليس من طبيعة الدين – أي دين فضلا عن أن يكون دين الله – أن يكون هذا العبث الممسوخ .. فمن أين إذا جاءته هذه السلبية الهازلة ؟ وكيف إذا وقع ذلك الفصام النكد بين الدين و الحياة ؟
    لقد تم ذلك الفصام النكد في ظروف نكده ! كانت له آثاره المدمرة في أوروبا .. ثم في الأرض كلها ، حين طغت التصورات الغربية و الأنظمة الغربية و الأوضاع الغربية على البشرية كلها في مشارق الأرض ومغاربها .. ولم يكن بد – وقد انفصمت حياة المخلوقات عن منهج الخالق – أن تسير في هذا الطريق البائس و أن تنتهي إلى هذه النهاية التعيسة ، وان تحيط بالبشر الدائرة التي يتعذبون الآن في داخلها ، ويذوق بعضهم بأس بعض ، بينما هم عاجزون عن معرفة طريق الخلاص فيها ! .


    المستقبل .. لهذا الدين :إلا أن الحرب المشبوبة على الإسلام لا تفقدنا الثقة المطلقة في أن المستقبل سيكون لهذا الدين .
    لقد صمد الإسلام في حياته المديدة لما هو أعنف وأقسى من هذه الضربات الوحشية التي توجه اليوم إلى طلائع البعث الإسلامي في كل مكان ، وكافح – وهو مجرد من كل قوة غير قوته الذاتية – وانتصر وبقى .. و أبقى على شخصية الجماعات والأوطان التي يحميها السلاح ، إن الإسلام هو الذي حمى الوطن الإسلامي في الشرق من هجمات التتار كما حماه من هجمات الصليبيين على السواء ، ولو انتصر الصليبيون في الشرق كما انتصروا في الأندلس قديما ، أو كما انتصر الصهيونيين في فلسطين حديثا ، ما بقيت قومية عربية ، ولا جنس عربي ، ولا وطن عربي .. و الأندلس قديما و فلسطين حديثا كلاهما شاهد على أنه حين يطرد الإسلام من أرض فإنه لا تبقى فيه لغة ولا قومية بعد اقتلاع الجذر الأصيل ! .
    المماليك الذين حموا هذه البقعة من التتار ، لم يكونوا من جنس العرب ، إنما كانوا من جنس التتار ! ، ولكنهم صمدوا في وجه عدوان بني جنسهم من المهاجمين حمية للإسلام لأنهم كانوا مسلمين ! .. صمدوا بإيحاء من العقيدة الإسلامية ، وبقيادة روحية إسلامية من الإمام المسلم ( ابن تيمية ) الذي قاد التعبئة الروحية وقاتل في مقدمة الصفوف ! .
    ولقد حمى صلاح الدين هذه البقعة من اندثار العروبة منها والعرب واللغة العربية ، وهو كردي لا عربي ولكنه حفظ لها عروبتها ولغتها حين حفظ لها إسلامها من غارات الصليبيين ، وكان الإسلام في ضميره هو من حارب الصليبيين كما كان الإسلام في ضمير الظاهر بيبرس و المظفر قطز و الملك الناصر .. هو الذي كافح التتار .
    لقد كافح الإسلام وهو أعزل لأن عنصر القوة كامن في طبيعته ، كامن في بساطته ووضوحه وشموله ، وملائم للفطرة البشرية ، وتلبية لحاجاتها الحقيقية .. كامن في الاستعلاء عن العبودية للعباد بالعبودية لله رب العباد ، ومن أجل هذا يطلقون عليه حملات القمع والإبادة كما يطلقون عليه حملات التشويه و الخداع و التضليل !
    ومن أجل هذا يريدون أن يستبدلوا به قيما أخرى ، تصورات أخرى ، لا تمت لهذا المناضل العنيد ، لتستريح الصهيونية العالمية و الصليبية العالمية ، والاستعمار العالمي من هذا المناضل العنيد ، إن خصائص الإسلام الذاتية هي التي تحنق عليه أعداءه الطامعين في أسلاب الوطن الإسلامي ، هذا هو دافعها الأصيل ..

    من كتابه ( المستقبل لهذا الدين )
    [ والصفعة تفقد معناها في زمن التدمير الشامل
    و البغايا ماعدن يومسن في الظل
    وتصير الأرض سلاماً ليس عليك ..!


  5. #5
    الصورة الرمزية أمواج الشرقية
    عضو متميز جدا

    أمواج الشرقية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    الدولة
    الجبيل الصناعية
    المشاركات
    1,258
    ذوق الأمريكيين :

    سيد قطب يتفكّه على الأمريكان : كنا على المائدة في مطعم ملحق بالجامعة ، حينما رأيت بعض الأمريكان يضعون الملح على البطيخ ، وكنت قد اعتدت على رؤية مثل هذه التقاليع واعتدت كذلك أن أتفكه عليهم في بعض الأحيان ، قلت متجاهلا : أراكم ترشون الملح على البطيخ ؟
    قال أحدهم : أجل ! ألا تصنعون ذلك في مصر ؟
    قلت : كل ! إنما نرش نحن الفلفل ! ..
    قالت واحدة في دهشة واستفسار : أو يكون ذلك مستساغا ؟!
    قلت : يمكن أن تجربي !
    وجربت .. وذاقت ... ثم قالت في استحسان : كم هو لذيذ ! .. وكذلك فعل الآخرون .
    وفي يوم آخر جاء فيه البطيخ ومعظم من يأكلون على المائدة هم هم ، قلت : وبعضنا في مصر يستخدم أحيانا السكر لا الفلفل ! ..
    وبدأ أحدهم ففعل وقال : كم هو لذيذ ! وكذلك فعل الآخرون !.
    إن ذلك لا يعني أن الأمريكان شعب بلا فضائل ، وإلا لما أمكنه أن يعيش ، ولكنه يعني أن فضائله في فضائل الإنتاج و النظام ، لا فضائل القيادة الإنسانية والاجتماعية ، فضائل الذهن واليد ، لا فضائل الذوق والشعور .

    من كتاب ( أمريكا من الداخل بمنظار سيد قطب )


    [align=center]انتهى ..
    [/align]
    [ والصفعة تفقد معناها في زمن التدمير الشامل
    و البغايا ماعدن يومسن في الظل
    وتصير الأرض سلاماً ليس عليك ..!


  6. #6
    عضو متميز جدا

    ليث غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل
    Jan 2004
    المشاركات
    10,687
    الفصام النكد :ليس من طبيعة الدين أن ينفصل عن الدنيا وليس من طبيعة المنهج الإلهي أن ينحصر في المشاعر الوجدانية و الشعائر التعبدية و الأخلاقيات التهذيبية ، أو في ركن ضيق من أركان الحياة البشرية .. ركن ما يسمونه ( الأحوال الشخصية ) .
    ليس من طبيعة الدين أن يفرد لله سبحانه قطاعا ضيقا في ركن ضئيل – أو سلبي – في الحياة البشرية ، ثم يسلم سائر قطاعات الحياة الإيجابية العملية الواقعية لآلهة أخرى وأرباب متفرقون ، يضعون القواعد و المذاهب والأنظمة و الأوضاع و القوانين والتشكيلات على أهوائهم دون رجوع إلى الله ! .
    ليس من طبيعة الدين أن يشرع طريقا للآخرة لا يمر بالحياة الدنيا ! ، طريقا ينتظر الناس في نهايته فردوس الآخرة عن غير طريق العمل في الأرض ، وعمارتها والخلافة فيها عن الله وفق منهجه الذي ارتضاه ! . ليس من طبيعة الدين أن يكون هذا المسخ المشوه الهزيل ! ، ولا هذه الألعوبة المزوقة التي يلهو بها الأطفال ! ولا هذه المراسم التقليدية التي لا علاقة لها بنظم الحياة العملية ! .
    ليس من طبيعة الدين – أي دين فضلا عن أن يكون دين الله – أن يكون هذا العبث الممسوخ .. فمن أين إذا جاءته هذه السلبية الهازلة ؟ وكيف إذا وقع ذلك الفصام النكد بين الدين و الحياة ؟
    لقد تم ذلك الفصام النكد في ظروف نكده ! كانت له آثاره المدمرة في أوروبا .. ثم في الأرض كلها ، حين طغت التصورات الغربية و الأنظمة الغربية و الأوضاع الغربية على البشرية كلها في مشارق الأرض ومغاربها .. ولم يكن بد – وقد انفصمت حياة المخلوقات عن منهج الخالق – أن تسير في هذا الطريق البائس و أن تنتهي إلى هذه النهاية التعيسة ، وان تحيط بالبشر الدائرة التي يتعذبون الآن في داخلها ، ويذوق بعضهم بأس بعض ، بينما هم عاجزون عن معرفة طريق الخلاص فيها ! .





    يعطيك العااااااافيه على الاختيار الموفق
    ramekoo@hotmail.com



  7. #7
    الصورة الرمزية أبو هيا
    عضو متميز جدا

    أبو هيا غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل
    Aug 2002
    الدولة
    USA
    المشاركات
    1,789
    جزاك الله خير..جهد تشكرين عليه وقليل اللي يفرغ نفسه لعمل سامي مثل هذا..

    الف شكر

  8. #8
    الصورة الرمزية أمواج الشرقية
    عضو متميز جدا

    أمواج الشرقية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    الدولة
    الجبيل الصناعية
    المشاركات
    1,258
    العفو الله يعافيكم .. آمل أن يكون كل من قرأ الموضوع قد استفاد
    [ والصفعة تفقد معناها في زمن التدمير الشامل
    و البغايا ماعدن يومسن في الظل
    وتصير الأرض سلاماً ليس عليك ..!


  9. #9
    الصورة الرمزية ابو مشعل
    عضو متميز جدا

    ابو مشعل غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل
    Jun 2004
    الدولة
    حيث انا
    المشاركات
    3,046
    رحم الله السيد قطب وجزاك
    عنه خير الجزاء











    [CENTER]

+ الرد على الموضوع

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك