[align=center]حكاية من عبق الماضي "الرفحاوي"


-الحلقة الثانية-[/align]


[align=center]لم يكن مساعد طفل يختلف كثيراً عن بقية الأطفال لا بسلوكه العام ولا في شكله,فهو كغيره ,

حنطي البشرة, نحيل الجسم,

يرتدي الثوب القديم (القصير)الذي قد يصل إلى ما دون الركبتين !!

كان هادئاً, مسالماً, محباً للجميع, مجتهداً و محافظاً على الصلاة ..

قد تربى مصاحباً لوالده في كل مكان يذهب إليه ,في المسجد, في العمل,

في نادي التابلاين (الريكييشن) , في الزيارات وغيره.

كان يحب أن يصاحب والده إلى (الريكييشن)كأكثر مكان يستمتع به, ويمضي فيه وقتاً طويلاً,

وأحياناً يظل مع والده حتى التاسعة مساءً,

وعندما يأتي إلى المدرسة في الصباح, فإنه يتباطأ في مشيته ويتثاءب كثيراً,

حتى أنني أذكر له حواراً مع المراقب (صاحب العصا الطويلة) عندما مر بجانبه وشاهده يتثاءب فصاح بغضب شديد:

- مســاعد !!! نايم ؟؟ صحصح ولا شفت هذي العصا ترتفع فوق وتهف على إيدك علشان تصحى مضبوط ..

- بس أنا صاحي..

- وليه تتثاوب وعيونك حمرا؟؟؟ شي طبيعي إنك تجي للمدرسه نايم , وإنت طول يومك قاعد في الريكييشن إلى آخر الليل..

- أنا أحب أروح للنادي, هناك أتعلم إنجليزي, وأنا أكثر واحد يعرف إنجليزي في المدرسة,
حتى أكثر من أستاد (ويليام) مدرس الإنجليزي في المدرسة المتوسطة..

- طيب اسكت اسكت, ولو تجيني شكوى من أي مدرس يقولي إنك مقصر في دروسك عقابك عسير,
ولي كلام ثاني مع أبوك..

- بس أنا ماني بقصر بدروسي اسأل المدرسين عني..

- نشوف..


كان مساعد كسولاً في طابور الصباح فقط , أما في الفصل فهو مجتهد مشارك,

وإذا سأله المُدرس فإنه يجيب بنباهة ويحصل على درجات ممتازة,

له صديقُ مقربُ اسمه (علي), تجدهما لا يفترقان داخل المدرسة إلا نادراً,

وخارج المدرسة يحاول كلاً منهما أن يبقى مدة طويلة قدر الإمكان مع صاحبه..

كنت استغرب كثيراً كيف ينسجم الاثنان مع بعضهما, ف(علي) يختلف تماماً عن مساعد,

و (علي) طفل مشاكس, كثير الضحك , لا تكاد تنطق بحرف حتى تتأجج عيناه بريقاً, وذهولاً واستعداداً لإطلاق قهقهات متواصلة,

كتعبير عن تأييده لكَ أحياناً, وأحياناً أخرى كتعبير عن سخريته مما تقول.

في أحد الأيام وأنا في طريقي إلى المدرسة في الصباح, رأيت مساعد يمشي أمامي في طريقه إلى المدرسة ,


فرأيته يُزيل أي حجارة تُصادفه في الطريق, ويضعها جانباً, استغربت لذلك كثيراً,


و أشغل فكري بما صَنع حتى اقتربت منه وسألته عن ذلك فأجابني:

" قال لي أستاذنا (أبو ليث) أن الله يكتب لي حسنات كثيرة إذا سويت كذا,
وأنا أحب الإستاد (أبو ليث) لأنه رجل طيب ومسكين وأنا أساعده علشان ما يتعب وهو يشيل الحصى"

وهنا سمعنا صوت جرس طابور الصباح فأسرعنا في المشي نحو بوابة المدرسة,

وأثناء قيامنا بتمارين الصباح , شاهدتُ (علي) يدخل متأخراً إلى الساحة ويركض بسرعة نحو الصف الأخير في الطابور,

نظرتُ خلفي أبحث عن المراقب, لكنني لم ألمحه, كنتُ أظن أن(علي) سينال جزاء تأخره عن الطابور,

لكن لحسن الحظ لم يكن المراقب موجوداً ,

وبعد دقائق قليلة رأيت المراقب يخرج من الإدارة ويبدأ جولته في الطابور ويهز عصاه الطويلة,

وبعد أن بدأنا بالسير متوجهين إلى فصول الدراسة قلت ل(علي):

-احمد ربك, ماشافك المراقب..

- بس أنا ما تأخرت كثير!!

- طيب ليش جيت تركض وتلهث؟؟

-- كنت أجمع الحصى الكبيرة, وأحطها على الطريق, وجمعت حصى كثييرة وحطيتها قدام باب المدرسة,

- ليش؟؟

-- بس كذا, أبغى الإستاد( أبو ليث) يتأخر عن الحصة ومايجينا بدري,
بس لا تقول لمساعد وتفتن علي..
[/align]


[align=center]-يتبع-[/align]