آخر المشاركات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 15 من 17

العرض المتطور

  1. #1
    عضو فعّـال

    قلم غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل
    Jan 2005
    المشاركات
    324
    ذهبت عائشة إلى حفل التخرج ، برفقة والدتها وأختها وقريباتها . كانت محل حفاوة الجميع . صفق الحضور طويلاً ، حين أعلن عن اسمها ضمن المكرّمات ، والحائزات على جوائز تقدير . والدتها التي كانت تصلها إشاعات ، أن ابنتها صاحبة مشاكل ، وعلى خلاف مع الجميع ، لم تجف دمعتها ، وهي ترى حجم الحفاوة الذي نالته . بين دقيقة وأخرى ، يأتي من يسلم على عائشة ، ويبارك لها ، ويغدق عليها عبارات الثناء . ترد هي بالشكر والامتنان ، ثم تشير إلى والدتها :
    - هذه أمي .. الفضل لها ..
    فتغرق الأم في بحر من الدموع .

    كانا أسبوعا احتفال ، ازدحما بكل مظاهر الاحتفاء . حفلات عشاء ، وهدايا ، وباقات ورد .. وتبريكات . اتصالات هاتفية ، ورسائل جـــــوّال ، وفاكسات . وقت سمته : كرنفال حب . عادت بعد هذا ( الكرنفال ) لتغرق في دوامة العمل . اعتادت أن تضع هاتفها الجوّال على وضع الصامت ، حينما تدخل العيادة . حين توقفت عند صلاة الظهر عن استقبال المرضى ، نظــرت إلى الجوّال لترى ما قد يكون وصلها من رسائل ، أو فاتها من اتصالات . لاحظت أن هناك أكثر من 10 اتصالات فــــائتة . حين استعرضتها ، انتابها قلق . سبع من هذه الاتصالات جاءت من والدتها . بادرت بالاتصال ، وهي تـــظن أن أمراً سيئاً أصاب أهلها . دق جوّال أمها حتى انقطع الرنين .. فازداد قلقها . أعادت الاتصال ، فجاء صوت أمها عجلاً :
    - هلا عيوّش .. أقلقتك يا عمري ..!
    - سلامات يا أمي ، عسى ما شر ..؟
    - أشغلتني أم نايف اللاوي ، من صباح رب العالمين وهي تتصل . تقول إن زوجة ولدها في المستشفى تنتظر الولادة .. تواجه مشكلة في تنويمها ، وزوجها مُصِّر على أن تُوَلّدها دكتورة ، واتصلت بي ، تبغى فزعتك ..!
    - فهد اللاوي ..! ما تذكرين يا أمي أعمال فهد اللاوي ..؟ أنا مجروحة منه .. والله ..
    - خليك أكبر منه يا عائشة ، ولو من أجل أمّه ..!

    فهد اللاوي شخص سليط ، وهو أحد أقرباء عائشة من جهة والدتها . يتبنى موقفاً متشنجاً ونشازاً ، ضد دراسة الفتيات في كلية الطب ، من منظور التعصب القبلي . دراسة المرأة للطب وممارسته ، من الأمور ( الوضيعة ) ، التي لا تليق بامرأة تنتسب لأسرة تحترم نفسها .. كما يقول . لم يتورع في كل مناسبة ، عن الغمز واللمز بطالبات الطب ، ونال عائشة منه الشيء الكثير . كان يسميها ( المسترجلة ) ، ويقول عنها : " من سيـــــتزوج بنتاً ، تقضي من الوقت ، تخالط الرجال ، أكثر من الذي تقضيه في بيتها " .
    بيّتتْ عائشة في نفسها أمراً . اتصلت بإحدى زميلاتها ، طبيبة نساء وولادة ، وشرحت لها موقف الرجل ، ورجتها أن تقبل المرأة لتكون مريضتها ، وتتولى توليدها . اتفقت معها كذلك ، أن تطلب من المرأة ، أهمية أن يتصل زوجها بعائشة ، ويطلب منها أن يتولى توليد زوجته طبيبة .. على اعتبار أنها هي المسؤولة ، دون أن يعلم أنه يتصل بعائشة . اتصلت زوجة نايف اللاوي بزوجها ، وأبلغته ضرورة أن يتصل بالمسؤولة ، لأنها صاحبة القرار ، بأن تكون هي ، تحت إشراف دكتورة تقوم بتوليدها .
    اتصل نايف اللاوي بعائشة ، وعرّف بنفسه ، وسأل .. بصوت فيه الكثير من الخضوع ، أن تقوم طبيبة بتوليد زوجته . كانت مفاجأة كبيرة له ، أن يعلم أن من يتحدث معها هي عائشة ، التي لم تَبْقَ نقيصة لم يلصقها بها . حاول أن يبدو أكثر لطفاً ، وأكثر تقديراً وامتناناً . لكنها أشعرته أنها لن تعمل هذا من أجله ، وإنما من أجل والدته التي اتصلت بوالدتها ، ملمحة إلى مواقفه السابقة . زميلتها أيضاً ، أخبرت زوجته أن تَدَخّل الدكتورة عائشة الصالح ، هو الذي جعلها تقبل أن تكون مريضتها ، وتقوم بتوليدها ، بالرغم من أن جدولها مزدحم بمريضات أخريات ، وهي ليست من المراجعات المنتظمات للمستشفى .. ثم أضافت :
    - هل تعرفين ماذا كان يقول زوجك عن الدكتورة عائشة والطبيبات ..؟

    استحت ولم ترد ..! لا يخفاها ما اعتاد زوجها أن يقول عن الطبيبات ، والعاملات في القطاعات الصحية ، مقــــــولته التي دائــــــــــــماً يـــــرددها : " بــــــــــنات ( الحمايل ) لا يشتغلن هذه الشغله " . بعد أن انصرفت الدكتورة ، اتصلت زوجته بعائشة وشكرتها بشدة ، واعتذرت عن مواقفه وتصرفاته :
    - أنا متأكدة أنه سيشــعر بالخجل من كلامه السابق .

  2. #2
    عضو فعّـال

    قلم غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل
    Jan 2005
    المشاركات
    324
    في المساء حين عادت عائشة إلى البيت ، أخبرت أمها أن مشكلة زوجة فهد اللاوي ، تم حَلّها ، وأنها الآن .. ربما ، في غرفة الولادة ، تحت إشراف إحدى زميلاتها . سعادة والدتها كانت كبيرة ، ليس من أجل أم فهد اللاوي . لكن لأن تصرف عائشة ، يعبّر عن شهامة ، وسيخرس لسان ولدها ، الذي نال ابنتها منه الشيء الكثير . لم تفوّت الفرصة ، فسارعت للاتصال بأم فهد اللاوي :
    - أبشرك يا أم فهد .. الدكتورة عائشة ، جزاها الله خيراً ، توسطت لــــزوجة ولدك ، عند واحدة من زميلاتها الدكتورات .
    - جزاها الله ألف خير ، وجعل ما قامت به ، في ميزان أعمالها .
    - هذه عائشة ، التي لم يبق شيء لم يقله فهد فيها ، وفي زميلاتها ..!
    - لا عليك منه يا أم أحمد .. سفيه . عائشة تاج رأسه .
    كانت قد تعمدّت ، أن تجعل جهاز الهاتف على وضع السماعة الخارجية ، لكي تسمع عائشة الحوار . حين قالت الأم عن ولدها أنه سفيه ، وأن عائشة تاج رأسه ، ابتسمت ابتسامة عريضة ، والتفتت نحو عائشة ، وغمزت لها بعينها . هزت عائشة رأسها ، وردت على ابتسامة أمها ، بابتسامة خفيفة . لم تكن تفضل أن تشمت أمها بالرجل أمام والدته . لكنها .. قدرت شعور والدتها تجاهها .. ودفاعها عنها .

    أحياناً تبدو الأمور ، وكأن الأحداث تجري وفق مصادفات مرتبة . لم يمر عليها أسبوع .. من قبل ، بمثل هذه الصدف الغريبة . اليوم الأحد يوم عمل مزدحم . لديها عملية في بداية اليوم ، ثم جولة ميدانية على المرضى .. وبعد الظهر عيادة . في آخر النهار كانت منهكة جداً . قبل أن تعود إلى البيت ، مرّت على مكتب ، تشترك فيه مع بعض الزميلات ، وأخذت بعض الأوراق وجوّالها ، الذي تركته الصباح ، لأنها .. في هذا اليوم بالذات ، لا تحتاجه أبداً . في طريق العودة ، أجرت اتصالاً مع والدتها .. تطمئنها على نفسها ، كما اعتادت أن تفعل ، في نهاية كل يوم عـــــمل . فــــوجئت برد والـــــدتها .. الذي تأخر ، وكـــان مجرد ( نعم ) جافة ، بدلاً من : ( هلا بروحي وعــيوني ) ، التي اعتادت أن تسمعها منها ، كلما ردت على اتصالها . سلمت .. وقبل أن تستوعب المفاجأة من ردها البارد ، بادرتها أمها :
    - عيوش .. أنت غيرت رقم جوّالك ..؟
    - لا .. ليه يا أمي ..؟
    - أيش الرقم الجديد هذا ..؟
    أدركت أن ثمة خطأ ما .. وقع . تأملت الجهاز ، فاكتشفت أنه يشبه جهازها . شرحت لأمها ، أنها أخذت عن طريق الخطأ ، جوّال زميلة لها ، يشبه جهازها . لم يكن من وسيلة لمعرفة صاحبة الجوّال ، إلا انتظار اتصالها عليه .. للسؤال ، أو مراجعة الاتصالات والرسائل الصادرة والمرسلة . مر وقت .. بعد وصولها البيت ، ولم يرِدْ أي اتصال . دفعها الفضول ، لاستعراض الاتصالات الصادرة . لم تكن كثيرة ، وليس بينها مكرر ، إلا واحد تم الاتصال به مرتين . لاحظت أنه الرقم الرديف ، لجوّال إحدى الزميلات .شكّت أن يكون رقم زوجها . أرادت أن تتثبت أكثر قبل الاتصال ، ففتحت صندوق الرسائل المرسلة . كان فيها رسالة واحدة .. تحمل نفس الرقم المتصل به ، فتأكدت أنها هي .. رشا . قرأت الرسالة :
    " وددت أن أقول شيئاً .. كنت هذا النهار ، فارسي النبيل والجميل " .
    " كنت فارسي النبيل والجميل " . الرسالة جميلة .. ما أعذبها ، أرسلتها لزوجها .. همست لنفسها . ارتاحت أنها عرفت صاحبة الجوّال ، لكن الرسالة أثارت شجنها . منذ سنوات ، وهي تنتظر ( فارسها ) ، الذي لم يأتِ ..! لواعج حزنها ، التي صارت تتنامى ، جعلها تذكر الله . خشيت أن تحسد صاحبتها .. التي لها ( فارس ) تؤوب إليه ، وتلوذ به . يتمدد الحزن ، ويتناثر في أعماقنا ، مثل بقعة نفط ، تنتشر على سطح البحر .. لا نستطيع أن نحاصرها ، أو نسيطر عليها . تماماً .. حين تكون سعادة الآخرين ، تثير دواعي شقائنا . إذ كلما ظننّا أننا سلونا ، يفجؤنا وجودها .. مثيراً لذكرى ، أو محرضاً على ألم . نجده يترصد لنا .. فـــرحهم ، لينكأ جرح أحزاننا : في رسالة جوّال ، أو حديث باسم .. أو أماكن غفت فيها الذكريات .
    أقفلت الجوّال ولم تشأ أن تتصل بزميلتها . خشيت أن تسألها ، كيف عرفت أنه جوّالها .. فتضطرّ أن تقول لها ، أنها اطلعت على الرسالة المرسلة . لا تريد أن تبدو فضولية ، تتجسس على خصوصيات الناس ، ولم تستحسن كذلك ، أن تعرف زميلتها أنها اطلعت على رسالة ، بينها وبين زوجها ، تحمل قدراً كبيراً وجميلاً ، من الحميمية ، والمشاعر الخاصة . لو حصل وتكدرت علاقتهما ، لاتّهمتها أنها هي السبب .. وعزت ذلك لعينها . هكذا يفكر كثير من الناس .
    من الغد ، أخذت الجوّال معها إلى العمل . في فترة الاستراحة لصلاة الظهر ، وجدت بعض الزميلات مجتمعات في الكافتيريا . سلمت .. ونادت عليهن :
    - يا بنات .. أنا أمس أخذت جوّالاً ، ليس لي .. بالخطأ ، وأبحث عن جوّالي . لم استطع أن أتصل بصاحبة الجوّال لأنه مغلق .
    صاحت الزميلات عليها ، وأخبرنها أن زميلتهم رشا ، هي أيضاً معها جوّال لا تدري من صاحبته ، وقد تركته في المكتب ، ويمكن أن يكون هو جوّالها . ذهبت إلى المكتب وأخذت جوّالها ، ووضعت الجوال الذي معها ، في صندوق البريد الخاص برشا .

    لم تمر الصدفة التي جعلتها تَطّلع على الرسالة ، في جوّال زميلتها .. بهدوء . الرسالة أيقظت مشاعر كامنة ، وبعثت آمالاً توارت ، أمام دوّامة العمل ، ورتابة روتينه اليومي . حين وصلت البيت ، صلت العصر ونامت ، لتستيقظ في المساء ، على الصدفة الثانية ، على حدث عائلي .. أثار جدلاً . أختها أروى خطبت اليوم .. للمرة الثالثة ، ووالدها ووالدتها يرفضان تزويجها قبلها . غضبت واحتجت .. ورفضت أن يربط مصير أروى بمصيرها :
    - جاءها نصيبها .. لا تقفوا في طريقها ..! أنا إذا جاء نصيبي سأتزوج .

    حديث خالتها أم شهاب الإسلام ، يوم حفلة تخرجها ، عن الفرحة الكبرى بها ، ما زال حياً في قلبها . رسالة الجوّال التي قرأتها في جوّال زميلتها ، عن ( الفارس النبيل الجميل ) .. أحيت الأمل .. بــ ( الفارس ) الذي لابد أن يأتي ، ولكنه تأخر . أي صــدفة جعلت أروى تُخطَب ، ويصر أهلها على أن تتزوج هي أولاً .. لحظة انبعث حلم الفارس من مرقده ، بعد طول سبُاَت .. تساءلت ..؟
    تمت الموافقة على زواج أروى ، وبدأت الاستعدادات له . العطلة الصيفية على الأبواب ، لكن برنامجها المزدحم ، لا يسمح لها بمشاركة فاعلة في التجهيز . قالت لأروى :
    - حين تبدأ الإجازة ، يسافر الناس ، ويخف الضغط ، وسأكون إلى جانبك . لو تدرين كم أنا سعيدة بك .. ولك .
    - لو تدرين .. كم أتطلع إلى الليلة ، التي أراك فيها عروساً .. يا سندريلا ، دون أن تضطري ، أن تفقدي فردة حذائك .
    ابتسمت عائشة . فهمت أن أختها تلمح لحكاية الفتاة ( سندريلا ) ، في الأسطورة الشهيرة .. التي لم يأتها فارس أحلامها ، إلا بعد معاناة وطول انتظار .
    كانتا تتحدثان حين دخلت والدتهما ، فقالت مداعبة :
    - هاه .. إن شاء الله فيه تبديل أدوار .. عائشة قررت أن تأخذ العريس .. هذا ..؟
    نظرت عائشة لوالدتها بعتاب .. فأضافت والدتها :
    - قلبي عليك يا حبيبتي ..
    ثم غيرت مجرى الحديث ، موجهة الخطاب لأروى .. لتفادي جرح مشاعر عائشة :
    - خالتك نورة أخبرتني ، أنها اتصلت على جوّالك ، أكثر من مرة .. تريد أن تبارك لك .. قالت أنه مغلق .
    - أكلمها الآن ..
    - أكدي عليها ، إن موعد اجتماعنا الأسبوعي .. الأربعاء ، صار في البيت ، وليس الاستراحة .
    اتجهت أروى لغرفتها ، واتصلت بخالتها . كانت مرتبكة .. وبدا واضحاً ، أنه لم يكن هدف الاتصال الوحيد ، المباركة لها بالزواج . أسرّت لها بأمر :
    - أتـــدرين يا أروى .. تحدثت مع عبد السلام .. شهاب الإسلام ، قبل أيام عن الزواج ، واقترحت عليه عائشة ، لأتأكد من شعوره تجاهها . قال لي : " عائشة والنعم .. لكن أنا ما يهمني نجاحـــها ، ودورها في المجتمع .. أنا لا يمكن أن أتزوج بنتاً ، تتفرج على عورات الرجال في غرفة التشريح .

+ الرد على الموضوع

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك