قاتل الله السفر...
جعل أقواماً يكتشفون أموراً كانت عنهم مغيبة!.
كنا نسمع بعض مسئولينا وهم يخرجون علينا صباح مساء ليتحدثوا عن كل جميل أحدثوه في فترة إدارتهم لمنشاة، أو وزارة، أو هيئة، أو إدارة صغيرة.
كان عندنا أكبر مطار في العالم، وأكبر إستاد رياضي في التاريخ.
شوارعنا ليس لها مثيل في الكوكب الصغير.
خدمات الماء والكهرباء لا يجارينا فيها أحد - حسب علم المسئول وقت التصريح - حتى لا يحرجه أحد عام 2100 للميلاد لو خرج الأحسن.
كنا نعتقد أن آخر نظام ينقصنا هو ربط الحزام، فتم تطبيقه والحمد لله!.
أمّا السياحة في بلادنا فحدث ولا حرج!.
فلا شيء أفضل من نظام الفنادق والشقق، ولا أحد أحسن انتظاماً من ملاك القرى السياحية، ولا شيء أنظف من منتجعات الطائف وأبها وشواطئ جدة والشرقية!.
كنا نظن أننا لن نهنأ براحة إن قفزنا البحر، ولن نجد أخلاقاً إذا تجاوزنا الحدود... ثقافة غذيت بها عقولنا من وسائل الإعلام، وتصريحات مسئولين غير مسئوله, وثقافة شعرية مترهّلة بزمن الماضي البئيس، كنا نظن أن الماء القراح لن نشربه إن تركنا أهلنا، وان الأكل الصحي لن نجده في غير مطاعمنا - قبل جولات البلدية الأخيرة - كنت أظن، وكنت أظن، وخاب ظني! وأحسن الشاعر لو أراد بها ظننا الميت المسكين!.
قاتل الله السفر...
هدم كل الظنون، وأحرق (ديسك) المعلومات السابقة، ليصدمني بدول فقيرة تملك قطارات أرضية متطورة تسير بدقة ونظام, وأخرى لديها إستاد رياضي يتسع لمائة ألف متفرج مع أنها فقيرة جدا!.
وثالثة تملك نظاماً سياحياً يحترم الإنسان قبل أن يخرج بطاقته البنكية أو محفظة نقوده... لا تجد فيها استفزازاً سياحياً لإنسانيتك ولا استهجاناً فكرياً لطلبك.
ورابعة ولدت قبل سنوات فهي من أحفادنا في العمر، تملك نظاماً لتسيير حياة مَنْ على أرضها
بكل دقة وإتقان، فلست بحاجة إلى قاموس الثناء والاستعطاف للموظف أو المسئول! بل يكفي أن تقدم أوراقك كاملة، ولو كنت أخرساً.
قاتل الله السفر...
علمني أنّ الاتصالات في العالم قديمة، وان معلوماتي عن الهاتف وشبكته والانترنت وسرعته معلومات قديمة قبل عصر الأصفار في عام 2000 المخيف لنا!.
وعلمني أن قيادة السيارة فن وذوق وأخلاق، ولا خوف عليك البتة إن وقعت في يد رجل المرور، لأنه سينزل إليك مستأذناٍ في طلب هويتك، ويشرح لك أسباب الخطأ معتذراً إليك إن كانت دقات قلبك قد زادت عن الوضع الطبيعي!.
وعلمني السفر قاتله الله أن الصحة تاج.
والمستشفيات كثيرة تفتح لك الأبواب، والاستقبال في تلك الفنادق - آسف:المستشفيات - يزيل خمسة أرباع المرض عنك قبل أن تقابل الطبيب الذي اعتذر إليك لأنه تأخر عشر دقائق.
علمني السفر أن الصباح الباكر متعة لا تعكرها الطرق المخيفة والزحام الخانق في بلدة يسكنها أكثر من عشرين مليون نسمة، يتحركون صباحاً إلى أعمالهم بكل راحة ويسر، يحملون معهم تفاحة يأكلونها في سياراتهم حتى لا يحتاجوا للطبيب ألف يوم.
قاتل الله السفر....
أراني معالم البلدان التي مضى عليها آلاف السنين، دون أن يكون مكتوباً عليها(بالبوية): عاش مروس، ويسقط النمل، وأموت فيك!.
بلدان عمرها قديم، تحافظ على كل ما تملك ويحمل لها هوية.
علمني السفر أن لا أحزن لأني احتجت أن انتقل من بلدة إلى أخرى داخل إحدى الدول، فبحثت في هاتفي عن أرقام أصدقائي ليفزعوا لي في الحجز، تذكرت أنهم في بلدي!.
توجهت للمكتب فقال: لي أي شركة تريد؟!، وأي وقت تريد؟! وأي سعر تريد؟! وأي خدمة تريد؟!.
هل هذه حقيقة أم سخرية؟! لا يا سيدي! (لاحظ العبارة) عندنا أكثر من خمس شركات طيران فأي شركة تريد؟!.
قاتل الله السفر...
كشف لي أن التجار أوفياء ليسوا لصوصاً!.
فالبضائع المتاحة واضحة، والرقابة عالية، والزبون هو صاحب الحق، فلك أن تشتري سلعة وتعيدها متى شئت! وأن تدخل المحل التجاري لتجد المعروض أمامك بكل وضوح ودون دجل،وتختار من البضائع ومن الصناعات ما شئت بقدر مالك.
أيها السفر:
لا تفرح علينا كثيراً، فليس في أروقتك أعظم وأشرف وأكرم بقعتين: {مكة المكرمة، والمدينة المنورة}. فلهما نسافر ومن أجلهما نتوجّه مهما حصل، فهما الأعظم والأكرم والأبقى، نسينا في حبهما كل الصعاب، وتجاوزنا في سبيلهما كل المشاق.
أدام الله عليهما نعمة الإسلام والأمن والأمان.

استمتعت بقرائته فحبيت ان تشاركوني المتعة