[align=justify]كان انفتاح الناس على منتديات الانترنت قبل سنوات سبيلا إلى الافتتان ببعض الفنون الأدبية وانصراف الكثير من متابعي المنتديات إليها بعد أن كان أحدهم لا يتخيل يومًا أنه سيهتم بهذا الجانب أو ذاك، كالمقالة والقصة والشعر.. وغيرها، ثم كان سبيلا -بعد ذلك- إلى الافتتان ببعض المواضيع التي تندرج تحتها تلك الفنون التي يسيّرون أقلامهم ضمن نطاقها، كالنقد والسخرية والنواح والحوار والاستفزاز.. وغيرها.

فرأينا بشكل متكرر مواضيع تندرج تحت نقد الفساد العام من قبل كتاب كبار، قرأنا لهم في الساحات السياسية وفي المدوّنات حتى صار اتجاههم مدرسة عم منهجها في المنتديات الأخرى من قبل كتاب يقلدونهم، وبنسبية ترجع إلى فارق التفكير والذكاء بين كل كاتب وآخر، وهكذا الأمر بالنسبة للأمور الأخرى كالاستفزاز.. الذي تكرر كثيرًا وبشكل ممل، ومن أمثلته الحديث عن قيادة المرأة للسيارة والحجاب ونقد المطاوعة والدفاع عن سرابيت الفكر والتصرفات.. وغيرها، وساعد في إشاعتها تخلي إدارات المنتديات السعودية والإسلامية -في ظاهرة عامة مع الأسف- عن (الحياد الحقيقي)، ولزومها حيادًا آخر لا أعرف كيف وصلوا إليه، وهو الحياد بين الأدب وقلة الأدب، والحياد بين الجد والهزل، والحياد بين النقد البناء وغير البناء.. إلخ، وهكذا حتى ملّ الناس مسلسل الاستفزاز تقريبًا، وبقي نقد الفساد العام كموضة انتشرت بعد فتنة الأسهم وارتفاع الأسعار ومصائب المساهمات الوهمية وشهرة كتاب تصب مقالاتهم في هذا الأمر حتى غدوا نجومًا ومشاهير.. وغيرها، ثم ظهرت منذ فترة كتابات تلوك مصطلحات نجح في إلقاء الضوء عليها الكثير من المشايخ المصلحين والدعاة الأخيار وبعض المفكرين المخلصين وغيرهم ممن هم أقل منهم من ناحية سمو الأهداف، وهي مصطلح (الإصلاح) ومن المصطلحات التي تندرج تحت هذا المصطلح (فقه الواقع) و (نقد الذات).. وغيرها من المصطلحات، وقد يندرج تحت مصطلح الإصلاح (نقد الفساد العام).. إداريًّا كان أو ماليًّا.. أو نحوه.

ومع حبّ أولئك الكتاب وافتتانهم بطريقة وأسلوب مشايخ ومفكرين وإصلاحيين كبار في نقد (الفساد العام) وسلوكهم طرق (الإصلاح) وغيرها من المصطلحات التي ذكرتها، التفتوا إلى مدنهم ومحافظاتهم ودفعهم افتتانهم بذلك الطريق إلى الرغبة بالكتابة عن هذه المصطلحات الرنانة.. كما كتب غيرهم من ذوي الشأن من أهل العلم والفكر، فكانت نظرتهم إلى مدنهم وإلى مؤسساتها وإلى أهل المشايخ فيها نظرةً سلبية جدا لأنهم يرغبون في خلق الأجواء التي تصنعها تلك المصطلحات الفاتنة في مدينتهم.

دعني أضرب لكم مثلا في مدينتنا إذ رأى بعض من رغبوا في الكتاة عن هذه الأمور أنه يجب أن يكون هناك (فسادا إداريا وماليا عام) في رفحاء.. وبالغصب ومن ورى الخشوم، حتى يكتبوا عنها!

لازم يكون المشايخ ما يفقهون الواقع.. ومتشددين.. يجب وجوبًا.. وبالغصب.. حتى يكتب هؤلاء عن فقه الواقع.. وعن الخلافات الفقهية (في أمور معينة فقط.. وأتحداكم أن يتجاوزوها إلى اهتمام عام بعلم الفقه).

يجب أن يؤلفون أن هناك (فسادًا) ونقصا شديدًا في (الإصلاح).. حتى يكتبوا ويهجموا ويتهموا كما يريدون.

فظهر في مجتمعنا الرفحاوي انتقادات كثيرة يلوك مصطلحاتها بعض الحمقى الذين وجدوا قلما وورقة ومكانا يختبئون فيه، وماذاك إلا تقليد وافتتان بالمبدعين الحقيقين في المملكة وغيرها الذين يلوكون هذه المصطلحات عن إخلاص وحب وتحرٍّ للحق، لا مجرد (اتهامات) تلقى يمنة ويسرة ضد أخوان لهم من أهل مدينتهم، ثم يَبني أولئك الحمقى على هذه الاتهامات الجائرة مقالات تنقدها.

بمعادلة بسيطة:
1- يصنع من لايخاف الله تعالى الكذبة ويؤلفها.
2- ينقد هذه الكذبة بزعم (الإصلاح).

وهكذا.. يأتي كذابٌ أشر مات عنده الورغ ويتهم بعض الإدارات التي يعمل فيها إخوان لنا في الله بـ (الفساد الإداري).. ثم يكتب مقالا عن تقصير تلك المؤسسة وأفرادها، ويُرجع السبب إلى الفساد الإداري فيها، وهذا اتهام خطير من المفترض أنه لم يكتبه صاحبه إلا بـ (بينة) و (دليل)، وهذا هو الامر الذي نطالب به شرعًا.

القارئ المسلم الذي يملك أدنى ثقافة شرعية سيستحضر تماما وبشكل بسيط:
أولا: قال صلى الله عليه وسلم: "البيّنة على المدعي".
ثانيا: قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا).

هذان مصطلحان شرعيان عربيّان فصيحان من كلام الله تعالى، ومن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، بلا إضافة من أحد..حتى تعلموا كيف أن البعض يعتمدون على اللاشيء في كتاباتهم كبعض الحمقى الذين رأيناهم يكتبون في الفترة الماضية، وأن هذه المعاني الراقية التي حث علينا دينها كانت حدودا حمراء أمام من يقذفون الاتهامات ضد المسلمين.

حضرت يومًا جلسة للدكتور سلمان العودة، فجاءه سؤال نصه: فضيلة الشيخ، ما رأيك فيمن ينتقد مشايخ بلده بحجة أنه ينقصهم فقه الواقع؟ فابتسم الشيخ ابتسامة ساخرة جميلة ثم قال بالنص: وهل اتهامه مشايخ بلدته بعدم فقه الواقع.. من فقهه للواقع؟ وكأن الشيخ يستحضر أن البعض يقلده في مسألة الإصلاح ونقد الذات والدعوة إلى فقه الواقع بلا علم ولا بصيرة ولا تحرٍّ للحق، أين هم من الدكتور سلمان العودة الذي أحسبه والله حسيبه ورعا ذكيا يتكلم عن علم وعلى بصيرة.

وهكذا.. وجدنا من (يؤلف) أن مكتب الدعوة -مثلا- فيه فسادٌ مالي وإداري.. إلخ، ثم يبني على هذه الكذبة الجائرة مقالا ينضح حماقة وسفهًا وقلة تقوى وبعدًا تاما عن الحكم الشرعي في هذا الأمر، وهذا وأمثاله أمامه سؤال واضحٌ وصريح وبيّن:
-إن كان مامعك حق، فأين الدليل المطالب به شرعًا بما أنه اتهم مسلما بسوء؟
في مثل هذه الأسئلة، دائمًا يأتي من لا يملك دليلا وبينة بإجابة متكررة فيقول: (يعني كل حاجة ننتقدها نحتاج لدليل.. وكل فساد ننقده ونعلم بأنه فساد محتاج لدليل) الاجابة: نعم.. ونعم.. ونعم، فإن لم تملك دليلا فاصمت واتق الله في إخوانك، لأن الأمر ليس لعبا، والقراء ليسوا حمقى، عندك اتهام.. أهلا وسهلا؛ لكن أين الدليل، وأين البينة؟!!

مكتب الدعوة ذكرته كمثال، وإلا فجميع مؤسسات رفحاء ينطبق عليها هذ الأمر كالبلدية والشرطة والهيئة والجمعية الخيرية والمحكمة.. وغيرها.

أرجو -كعضو فيها- من إدارات المنتديات الرفحاوية وغير الرفحاوية أن تسلك الحياد الحقيقي الذي تبرأ به ذمتهم، ويكونون في المكان الحق بالسؤولية، وينبذون الحياد الذي يكون وسطا بين الإيجابي والسلبي.
[/align]