د.موج البحر
احبائي، جفتني كل كلماتي، أحبائي،أنا منكم، ومعكم تزدهر ذاتي، اغني اليوم آهاتي واناتي، وتخبوا بين ايديكم، جراحاتي وصرخاتي، وأجد اليوم من يسمع، ترانيمي وضحكاتي

رحلتي في جزيرة الكنز





ف البداية أتت فلم أرها إلا ثواني معدودة ، سكنت ذكراها في خيالي منذ ذلك اليوم ، مع أني لم أكن حتى اللقاء الثاني اذكر ملامحها كاملة ، ، بل لم أكن أذكر منها سوى ابتسامتها الساحرة الرائعة ، تلك التي لمست قلبي بقوة وبدأ معي حينها إحساس بدوار البحر ، إحساس باني مشتاق لشيء مجهول لا اعلمه ، رافقتني تلك الملامح الخفية وذلك السحر ليالٍ كثيرة منذ ظفرت برؤيتها ، حتى عادت مرة ثانية برقتها وحلاوة سهمها الذي استقر بقوّة جوار قلبي .
تى غدويوظللت مظلّلا بالسحر حتى سألني بدقّاته المفعمة بالحنين : من تلك الحسناء التي غزتني حت بحالة شديدة الروعة ، كلما اقتربت منك غمرتني بسحرها ، وكلما افترقت عنها تباطأت دقاتي بحزن وشوق جديد لان تتسارع برؤيتك لها من جديد فوقفت أردد سؤال قلبي لي ،، فعلا : ماهذا السحر الذي اعتراني ، ومن هذه العصفورة التي شدّتني بشوقي إليها ، حتى اصبحت اسمع أهازيج قلبي كلما غرّد صوتها بقربي ، من تلك التي أصبح تأثيرها في فؤادي كتأثير القمر في مد البحر وجذره ، يفكلما حاول الفؤاد اقترابا من شاطئها ، أعدته وأوقفته ، لكنه يعاود مرات ومرات ليداعب شاطئها بتدفقاته الرائعة التي تزداد شوقا وتنقص كلما ازداد تأثير سحر قمرها عليه حتى أفقد سيطرتي تجاهه وانصاع لحركاته .


بتأمل شديد بيني وبين قلبي ، ومراقبة لصيقة لما يحصل بداخلي أيقنت أن هناك شيئا غريبا قد تحول بداخلي ، أحسست أني كمن سحر بعطر بهي أريجه ، أو تعلق بتغريد عصفورة زادها نقاء الوانها وصفاء أعماقها سحرا ، وراح يعبر هذا السحر جسدي في حضورها وفي غيابها يدغدغني ليشحذ بي الشوق اليها ، تقربت منها أكثر ، تعرفت على أفكارها وأمنياتها وشجاعتها وجبنها وملامح ، وأحلامها وصحوتها ، كنت كمن ينتظر كل حرف تنطق به ليحتفظ به في الذاكرة ويحلله ويجمعه ليختطف صورة جديدة من هذه الشخصية الحالمة الرائعة التي لا تنسى ، أسعدتني أفكارها وأثارتني تضحياتها ومزّقتني آلامها وذكرياتها ، تفاعلت مع ساعاتها ودقائقها وثوانيها ، مع كل لحظات فرحها وغضبها وحزنها وحبها ، وتركت الفؤاد يهرول اليها دون قيد حتى أحسست أن هذه اللؤلؤة النادرة هي جزيرة الكنز التي بحثت عنا طويلا طويلا طويلا ، وواحة الأمان التي مللت موقنا بعد بحثي بعدم وجودها


حلمت بأني قد وصلت إلى الكنز الإلهي الحقيقي الذي خبأه الرحمن لي وأن من حقي بعد كل هذا العناء أن استأثر بعالمها وأحيطها بما أحمل من الحب والرعاية والحنان علّي أنفض غبار الحزن من عينيها ، نعم ، لم لا ، فقد أكون الفارس الفائز بكنوز غلّفتها أنقاض الذكريات ، لكنها لمعت حين غسلتها أمواج حبي لتعيد لها رونقها الرائع الأصيل .

أسرعت بالمسير ، بل هرولت اليها دون توقف ، وبدفق عواطفي واهتمامي الشديدين حاصـــرتها ( آلمتــها ) دون أن أشعر لأنني كنت أفكر بالوصول إلى قلبها وكأني في سباق مع الزمن ، لأني كنت أقول لقلبي : لقد أيقنت أنك ستحيى في حبها حياة لم يستطع عاشق في الأرض وصفها ، فلم لا تترك لعواطفك العنان وتسخّر كل شيء فيك لتنير قلبها بعشقك . لم يخطر ببالي لحظة واحدة أن أهادن أو أستكين ، ، فجمعت كل حب الأرض وكل المشاعر الجميلة لأصنع منها اريكة تستريح بها ، محاولا تعويضها عن كل ما فات من الألم والذكريات الخائبة في بحثها الذي طال مثلما طال بحثي عنها . تدفق لها حبي بشدة وبقوة كانت تسحرها وتفقدها توازنها لدرجة الدوار ، ولم يخطر ببالي أن أي جرعة دواء تعطى بالسرعة البعيدة عن المنطق ، قد تؤدى إلى نتائج عكسية حتى لو كانت ظاهريا تنبئ بالشفاء نجحت في اكتساب قلبها ، ولم أكترث لصرخاتها المستمرة التي تستغيث فيها بي من حبي حين كانت تقول لي أعطني فرصتي ، امنحني الوقت الكافي لأحس بوجودك الحقيقي ، لا بسحرك فقط فقالت لي أحبك مرارا ومرارا ومرارا ، وأحسّت بدفق غيثي يغسل كل جسدها ويريح كل آلامها ، في لحظات ، رسمنا أحلامنا ببيتنا الصغير ، وقررنا سويا أن الوقت قد حان لنستمتع بدفء قلبينا وسحر مشاعرنا ، أصبحت تناديني حبيبي ، حبيبي ، حبيبي ، وترويني بنظرات عينيها الملأى بالحب العظيم ، تلك النظرات الرائعة وذلك البريق الذي لن أنساه ما حييت ، آه ما أروعه عندما كان يمتزج مع ابتسامتها النقية . مع أن حزنها العميق كان يختبئ لي كالوحش في عتمة الليل ، وينطلق بوحشية ليعيد لها آلامها ليلا ، حين تغلق باب غرفتها ، ليبدأ معها إحساس الغربة والوحدة من جديد فيؤرقها ، حتى الصباح .


كنت أطيل اللوم على ظلام ليل غرفتها وبرودة الوحدة التي رافقتها في فراشها ، وأقنعها وأقنع نفسي ، بأني أصبحت بالنسبة لها وطنا وأما وأبا وحبيبا ، أني أصبحت عالما كاملا يخلّف في حياتها يتما وغربة عند فراقه ، (( لا أعرف حتى الآن )) فقد أكون فعلا قد فسرت شعورها بالغربة بالشكل الصحيح ، وأصبحت بالنسبة لها وطنا عزيزا ، وبكل حال لم ، أترك لها الفرصة لتشعر بغير هذا التفسير من شدة السرعة التي كانت تقود حبي لها ، ورغم ذلك ، أصبح حزنها العميق الذي كنت أراه خلف ابتسامتها ، والذي كنت أخافه أنا ايضا ، يشكل لديها خوفا وهاجسا يحطم كل لحظات السعادة التي كانت تشعر فيها بحبي من شدة خوفها من افتقاده .

حاولت الاستئثار بحبها وبقلبها لي وحدي (( فهو كنزي ))، وبغبائي الشديد ، نسيت تراثها الذي جمعته من خلال حياتها ، تصرّفت بأنانيّة الحب الشديدة ، نسيت أن تاريخها وحاضرها ونتاج خبراتها وعلاقاتها في مجتمعها لها وحدها ، وليس لي الحق في محق ومحي عمر كامل من الذكريات والخبرات بحبي و لكني (( وهي تعلم أيضا )) أني ما تصرفت كذلك إلا من وحي خوفي عليها وعلى قلبها من الانكسار في عالم شرير لا يعرف الرحمة ، .

كان علي الانتظار فعندما يصبح حبي في قلبها قويا صارخا سيصبح بالنسبة لها تاريخها وحضارتها وذكرياتها وكل عالمها ، كما أصبح حبها بالنسبة لي كذلك . اعتــــرف نادمـــا بخطأ ارتكبته من شدة حبــــي وهيامــــي بقلبـــها ذلك الهيام الذي لن يموت ولن ينتهي إلا بموتي .

إنها يد القدر ، فكلينا كنا كالأرض العطشى ، لم تجد من يروي ترابها بالمحبة والحنان فأصبحت كل حبّة فيها تتوق للعطاء والغيث ، وحين أمطرتنا قطرات الحب الحقيقية وانهالت علينا بعنف ، نهلنا منها ولكن كل حسب استطاعته ومقدار عطشه ، لذلك لم أنتبه لحظة إلى عنف محبتي وذهولها أمام ذلك العنف في امتلاك كل حبات المطر التي استطيع امتلاكها ،، ولكن ( والله يشهد ) ( وكانت هي تعلم ) أني أحاول كسب كل حبة من مطر أهداها الله إلينا لأجلها ، لأجل أن أزيد عطائي لها ، ومحبتي لها . وللأسف،، لكنني ازهقتها دون قصد تحت تأثير جرعات الحب التي كنت أبثها في أوردتها ليل نهار دون توقف ، فكانت تغدوا إلى بيتها ضائعة متعبة من موجات الحب التي تلاطم جسدها النحيل .



تلك الوردة الرائعة ،، حورية البحر التي أحببت ، كانت تصارع دفق الحب مع انها تعانق هذا الدفق بقوة وبمحبة وتشتاق إليه عند فراقه ، ولكن لم تستطع مقاومة بعض الموج الذي انطلق من مشاعري ليحيط بها حاملا إياها إلى جزيرة الأمان دون أن أفكر لحظة واحدة بأن موجي كان بعنف صارخ وبقوة حب بريئة لكنها مخيفة كما وصفتها ،، وهي تعلم أني ما أطلقت موجي كله بعد إليها ، وأن هذا غيض من فيض تحرك بحبها

هي تعلم أني ما قصدت إغراقها ، بل حملها إلى عالم من السحر الذي لا ينتهي ، أحسست بثمار حبي فيها حين قالت رغم كل الآلام التي سببتها لها : أحبك لكن دون تهور ، دون جنون ، فلنترك ثمارنا تنضج دون سرعتك الخيالية التي تحلم بها .

لكنني أدركت بعد فوات الاوان أن وهي تعلم أن حبي الشديد كان يتحرك نحوها في نفس اللحظات التي كان قلبها يحتضر ويودع عالما من القسوة قد آلمه وأتعبه ، أنا لم أحس بهذا الاحتضار إلا كصاعقة وقعت على كياني فجأة دون سابق إنذار ، فبعد كل هذا الخيال والسحر ، أحسست فجأة بالضياع دون أن يستطيع عقلي القاصر أن يحس بانكسار قلبها . ذلك الانكسار جعلتني أعيش في ذهول صدمة عنيفة بعد حب اعنف ، اصبح مصيره الضياع

وحين كنت افكر أن أسير بمبدأ الضربة التي لا تقسم الظهر تؤدي إلى القوة ، وأن الضربات التي اعترتنا ، رغم قسوتها لم تكن لتقسم وتنهي حبنا ، وأنها كانت درسا يجب أن يعاش بكل أبعاده ليقوي ويمتن أصرعلاقتنا عل الله يباركنا ويصهرنا في قالب واحد من جديد ، قررت أن اجعل موجي هادئا ، سرت اليها لأقول لها : عاهديني أن تستعيدي توازنك ، وتستعدي لحب وجولة أبدية من جولات الحب الرقيق القوي الذي لا يضيع وتستعدي بكل جوارحك ،، ففاجأتني بأنها قررت الانتحار في قلب رجل آخر غير قلبي الأحمق ،، ،، ،، متمنية أن أبارك هذا الانتحار الذي أقدمت عليه فقالت :

هل تبارك لي دخولي للحياة
إنني حطّمت اليوم ، كلّ الذكريات
واستلمت حقيبة السفر الجديدة
بعد أن أرسلت دفاتر الحب
جميــــعا للممات
*****************************
كم قست عيناكِ حين زفّت خبر حبّك
حين حاولت بخوف ، أن تداري رقص قلبك
آهٍ لكلّ الأمنيات
تلك التي خبّأتها ، بين أحلامي الحزينة
يا فتاة المعجزات
كيف أصبح في ثوان كل شيء كالخريف
حين يغزو كالقساة
كلَّ أوراق النبات



ظلَّلتني كلماتها بالسواد ، وهزَّت أركان رجولتي هزّاتٍ أبكت الطفل المسجون في اعماقي ، لم لا ، وهذا الطفل انتظر كثيرا تلك الأم الحانية ليثير انتباهها ببراءته ( كما وصفتها ) لتصفعه عقابا على عنف حبه لها .

رحلت الآن في صمت ، وتركتني أعاني ذهولا مخيفا ، ، فبكيتها بحروف جمعت رحيق الألم ، لتحيك منه ألبسة الحداد .

سأكتب قصة دمعة حزني

فوق الرمال وفوق الجدار

سأذكر كل كلامٍ تدفَّقَ

وكلّ حروفٍ سرت كالمحار

كلّ البراءة ، كلّ السذاجة

كيف تململ شوقي وحار

قصّة حبّ لقلبي أثار

قصّة دمع ، مرّت بعمري

كمرّ سحاب وبرق قطار

سأبكي بحزن – بقلب كسير

على صفحات عمرٍ بريء

كانت كحرب عليّ تدار

على كل نبض - لقلب جريح

تلاعب فيه الحبّ

وأمعن فيه يريد الدمار

سأشكو حنيني

لكل المراكب وكل البحار

وارمي بحرقة دمعي لتعبر

كل الصحارى وكل القفار

وكل جنان كساها اخضرار

لكل مكان سأرمي بموجي

ليحكي قصّة قلب محطم

قصة حلم ، عانى ، تألم

قصة كل حروف تُرسّم

قلبا مدمّى ، يموت اغتيالا

وطعنا بمدية غدر ملثّم

ولكـــــــــن سأشفى

من الغدر يوما

يمضي الزمان ويبقى المكان

شهيدا على ذكريات جنان

حميت ربيعك فيها بخوف

بكل حنان وكل امتنان

سيمضي الزمان

ويصبح قلبي لغيرك يوما

واحة حب ولحن أمان

وأصبح يوما بفرحة قلبي

اغني أقول بكل مكان

موتي بحسرة حبي القديم

في كل آن

لأنك سوف ترين لقلبي

دفئاً كبيراً ، فريداً ثميناً

ولكن ، بعد فوات الأوان