[align=center]سويلفات بنت اللذين ...!!!

( أبي أمرّك الليلة ..مبطي علمي بك ...بس بالله جلسة خاصة أنا وأنت بس ) ...تلك هي الرسالة التي استلمتها عصر ذالك اليوم من صديق قديم ولكن محبته قد حفرت داخل القلب عميقاً هناك حيث أتفرّد بمن أحب حقاً وسط ظروف الحياة القاسية ...أعلل نفسي بينهم حينما أشعر بالغربة وأعتزل الناس لأستحضر تلك الاطياف المبتسمة والوجوه النظرة المفعمة بكل معاني المودة والإخاء ...أولئك الذين جاد الزمان بهم عليّ حتى لم يعد للحياة مذاق ولا رائحة بغير مؤانستهم والإنتعاش بمخالطتهم رغم أنّ أكثرهم لم يجتمع تحت سقفٍ واحد أبداً ...أشعر أحياناً بالغبطة لأنني أجيد اختيار أبناء تلك الحفرة ولأن نظرتي بهم وبغيرهم لا يغيرها مرور الزمن ولا عوامل التعرية ولا انهيار سوق عالمي بل هم في أخلاقهم ومظاهرهم وبواطنهم كذلك الصفوان الذي أصابه وابلٌ فتركه صلداً ... أخذت أعد الساعات حتى يختفي قرص الشمس ويسدل الليل أستاره لأنني على يقين أن أبا عبدالرحمن شخص يقلب الأيام الطويلة إلى لحظات ساحرة جميلة فقد آتاه الله حسن منطق ورصف للكلام لم يؤته أحد ممن قابلت على ظهر هذا البسيطة ... أتاني صاحبي والبشر كما هي عادته يعلو محياه وجلس معي جلسة ما أظن أنها ستكرر في مابقي لي من أيام ...قال لي : سأحكي لي قصتي مع بنت اللذين...كانت حارتنا القديمة مليئة بالمواطنين الأصليين قبل أن تتغير وتجد بين كل أربعة بيوت مواطن مثلك .... في تلك الحارة التقليدية كان الكبار يقولون أن أكثر من ولد في سنة 1398هم الذكور وهذ الذي كان ظاهراً للعيان فمن درس معي من أبناء الحارة كثير وقد يتجاوزون الأربعة عشر ذكرا تجاوزنا معاً كل المراحل الدراسية وتخرجنا سوياً ولكن الأيام فرّقت بيننا ولم اعد أقابل إلا اثنين منهم يقطنون معي نفس العمارة ...في تلك الحارة العتيقة كان جارنا الملازم لبيتنا " الجدار على الجدار " يدعى أبو عارف وكان قد ولد له تلك السنة فتاة تدعى " مــهــا " ...كانت تلك الفتاة الجائزة العظمى لكل أبناء الحارة فتلك العيون العسلية الساحرة وتلك الظفيرة الغليظة التي تزين قوامها وخطاها التي تنقلها بكل حياء الأنثى إلى هندي البقالة الشرس عبدالكريم ومقام والدها الإجتماعي بصفته عمدة الحارة , كل هذا مهّد لمغامرة أعضائها تجاوزوا الخمسين شاباً 14 منهم في عمري وعمرها ... بدأت فصول تعلّقي بمها لمّا شاهدتها مع أمها وهم يزورون منزلنا في أول أيام الإبتدائية وكيف كانت مع أمها في سعادة غامرة إذ أنها أحبّت المدرسة واندمجت معها من أول يوم بينما كانت أمي تحكي لهم كيف كان يومي الأسود وكيف طلبت من والدتي أن تخبر أبي بأني لا أريد زيارة ذالك المكان الذي يدعى مدرسة مرة أخرى ...كانت علامات الخجل قد ارتسمت على خدودي ولولا أن مها فاجأتني بتلك الإبتسامة التي كانت كنسمة ربيعية في نهار يوم قائظ ...على غير عادتي لم أخرج من الصالة إلى حصني العتيد غاضباً من أمي على ماسببته لي من إحراج أمام مها وأمها بل شعرت بسعادة بالغة إذا أنني أضفيت الإبتسامة على وجه ذالك الملاك ...كان انتزاع الإبتسامة منها صعب للغاية فكم من موقف غبي تسببت فيه لنفسي حتى أرى ذلك المنظر كرّة أخرى ... تخيّل مرة أنني اظطررت إلى الأصطدام بواجهة بقالة عبدالكريم الزجاجية فقط لتخرج تلك اللوحة الفنية التي لم يتخيلها فان غوخ في زمانه ولم تبتسمها حتى موناليزا دافينتشي الأصلية .... لكن الموقف الذي لازال يرن في داخلي حدث معي أيام الخامس ابتدائي إذ مرّت علينا قصيدة لأمير الشعراء في مادة المحفوظات عنوانها " النخلة المعوجّة " كان أحلى وأرق أبياتها يقول : سارت مها مسرورة ** مع والدٍ حنٍ أبر. ما إن قرأت ذالك البيت حتى أعددت العدة لأول ظهر لي في الإذاعة المدرسية ... أخبرت عريف الصف بأنني أريد أن أخرج معكم في الإذاعة القادمة , واجهني بغروره المتأصل بالرفض وقال لي : إنت ماتعرف ... كان ذالك السد المنيع أشبه بعتبة باب في ظل تحقيقي لحلمي وإدخال شعور الفرح لملاكي الخاص ...كان عريفنا ضخم أكول ولإستثارة غضبه ماكان علينا سوى إنشاد مقطوعة من مسلسلٍ مصري تقول : أشعب يا أشعب ...يابطناً أكبر من ملعب . وبالطبع كان أليفاً في حال قدمت له الإغراءات وأصناف المأكولات , فاوضته إن سمح لي بالنشيد في الإذاعة أن أقدم له قدرية تشريب رفحاوي أصلي يدعو لها من يشاء ووافق بعد أن نعتني بالغبي بشرط أن لا أعزم عليها أحداً غيره ...وجاء اليوم المشهود واستيقظت قبل صياح الديك ولعلعة المؤذن وأنا أحفظ تلك القصيدة أكثر من عبدالكريم الهندي لديون البقالة وأكثر من حفظ العريف لمكونات التشريب البلدي ...نسيت أن أخبركم بأن ابتدائية مها لا يفصلها عن ابتدائية البنين سوى شارع بعرض 12 متر وبأن إذاعتنا تستمع لها البنات كل صباح إذ لم يكن في ذالك الوقت إذاعة للبنات ...أخذ المقدم الحصيف بسرد مقدمته وأخذت أنا أتلهف شوقا للحظة التي سيقول فيها والآن مع نشيد الصباح والطالب , حانت تلك الحظة وتقدّمت بكل ثقة ووقفت أمام المايك كما لم يقف الأسطورة الإيطالي لوتشيانو بافاروتي وغردت وكرّرت بيت شوقي : سارت مها مسرورةٌ ** مع والدٍ حنٍ أبر 3 كرّات وختمتها ولم أكترث بتصفيق الحضور من المعلمين الأفاضل ولا المدير المحترم ولا حتى أبناء الكرة الأرضية كلهم بل كان كل همّي ملاكي الخاص وابتسامتها التي جزمت بها ...منذ ذالك اليوم وحتى غطت مها وجهها كانت كلما نظرت إليّ تبسمت لتروي ظمأي لتلك اللحظات التي لا تستطيع وصفها إلا بأنها من نعيم الجنة لا حرمنا الله إياها ...طوت الأيام بعضها حتى أتى ذالك اليوم الذي لم أشعر بحزنٍ مثله يوم أخبرتني أمي فيه بأن أحد الأربعة عشر قد تقدّم لخطبة مها من والدها ...ضاقت عليّ الأرض بما رحبت ولم تسعفني خطواتي للوصول لعمي أبو عارف , رضخت لأمر لم أحسب يوماً حسابه وكنت أعيش على أمل أن ترفض مها وأن لا تقبل إلا بي أنا فهي ملاكي الخاص ولن يشغر أحدٌ من نساء الأرض مكانها تربصت لعمي أبا عارف بعد صلاة مغرب ذلك اليوم , ما إن خرج حتى أخذت بيده وقلت له : ياعمي أبيك موضوع , قال لي : خير ياولدي وش بغيت . جاوبته والدموع قد ملئت محاجري : ياعمي تكفى طلبتك مها لا تعطيها أحد ... تكفى ياعمي إن كان لي خاطر عندك اسألها وهي تعلمك ياعم ...مها لي أنا ياعمّي .


أخذ أبو عبدالرحمن كاسته واحتسى منها رشفة وسألته وأنا أحترق ألماً لقصته : طيب وش صار يابو عبدالرحمن ؟؟
_ مها الآن أم لولدين وبنت .... بنت اللذين أم عبدالرحمن وعلي وسارة... عيالي ياصاحبي .


الأعلام الذين وردوا في السالفة :
فنسنت فان غوخ رسام هولندي



ليوناردو دي فينشي



أمير الشعراء أحمد شوقي



أسطورة الأوبرا لوتشيانو بافاروتي


[/align]