آخر المشاركات

النتائج 1 إلى 15 من 15

الموضوع: أزمة أخلاق

مشاهدة المواضيع

  1. #1
    عضو جديد

    أبو شذا غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    26

    أزمة أخلاق

    [ALIGN=JUSTIFY]مدح الله – وهو للحمد أهل – نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله : (( وإنّكَ لعلى خلُقٍ عظيم )) وفي هذه الآية يقول الطبري : يقول الله لنبيه وإنك يا محمد لعلى أدبٍ عظيم ، وذلك أدب القرآن الذي أدّبه الله به ، وهو الإسلام وشرائعه .
    ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوةٌ حسنة ،بيد أن ما نشاهده وما نسمعه من أناس ينتمون إلى الإسلام ليجعلك تحتار فهم يعيشون أزمةً في أخلاقهم يخيّل إليك – أو هو كذلك - أن منهم من لم يأخذ من الإسلام إلاّ اسمه ونزراً يسيراً من شرائعه بما يتفق مع هواه أو اعتاده منذ صغره وإلاّ فهو يعاني مشكلةً عويصة تتمثل في سفالة أخلاقه وبيان عوارها وما علم هؤلاء بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : (( ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق )) .
    وإذا أخذنا الملتزمين كأنموذج نجد أن هناك فئة – وهي قليلة – ليست بمنأى عن هذه الأزمة ، أعلم أن مصطلح ( ملتزم ) غير منضبط للكثيرين بل وأصبح يطلق على الالتزام الظاهري في بعض جوانبه أيضاً ، لكن لو أمعنا النظر في بعضهم وهم محل نظر كثيرين لرأينا أن منهم من كان في بعض أخلاقه من قبل أفضل حالاً منه الآن ، وليس السبب في الالتزام وما يترتب عليه ، وإنما السبب في نظرته المغلوطة لبعض المفاهيم فهو يرى – على سبيل المثال – الابتسامة نوعاً من قلّة المروءة فغادرت الابتسامة محيّاه وأخلفها التجهّم ، وهو يعدّ إجابة الدعوة ومخالطة الناس ذهاباً لهيبةٍ أصبح ينشدها فآثر الاعتزال إلا مع من يوافق هواه .
    وإن عرّجنا على كتّاب المنتديات نرى أن فئةً منهم قد سقطوا في امتحان الأخلاق فأصبحت تقرأ الاتهامات والألفاظ البذيئة والجارحة والعبارات السيئة التي تخدش الحياء والمروءة ، تجد أن أحدهم اختفى خلف اسمٍ مستعار ليلقي – فقط – ساقط ألفاظه واتهاماته على الآخرين وليفسّق ويبدّع أو ليمدح هذا ويقدح في هذا ليس إلاّ ، وما إن يختلف مع هذا الكاتب أحد حتى تراه قد نفض كنانته النتنة وراش سهام ألفاظه البذيئة وضاق صدره باختلاف الرأي المتاح والمقبول ليصادر آراء الآخرين وينصّب نفسه خصماً وحكماً وليجعل من رأيه صواباً مطلقاً لا يحتمل النقد .
    وإذا قلّبت طرفك في حال من تقلّدوا مناصب أو حازوا شهادةً أو رتبة تجد أنهم في اللحظة التي نالوا فيها ما نالوا قد دفنوا شيئاً اسمه التواضع فأضحى أحدهم لأنه – فقط – أصبح مديراً لدائرة أو مدرسة – مثلاً – يحاول الابتعاد عن إخوانه وزملائه السابقين فلم يعد هؤلاء ذوو الوظائف المتواضعة – بنظره السقيم – أهلاً للجلوس أو الحديث معهم ، بل إنه قد يتحرّج أن يدخل عليه في مكتبه إخوانه من أصحاب الحاجات ويحاول أن يصنع لنفسه برجاً عاجياً ينظر إلى الناس وهم أسفل منه وكأنه قد حاز ما عجز عنه الأوائل ، وهو في حقيقة الأمر لا يعدوا كونه يحمل مركّب نقص يحاول من خلال المنصب أن يعوّض ذلك ، فهؤلاء فئة ابتليت بها الأمة ناهيك عن أصحاب الإمارة والوزارة .
    وقد تنكشف أخلاق البعض في مواقف معيّنة فيظهر ما كان يحاول أن يخفيه ويبدي خلافه ومن هذه المواقف البسيطة ما تلحظه في قيادة البعض لسيارته – مثلاً – فتجده غير عابئٍ بالأنظمة وإعطاء الطريق حقه ، وبما تلحظه من البعض في ممارسته للرياضة الجماعية من لسانٍ سليط وكلماتٍ نابية بل ربما وصل به الحال إلى السّبّ والكذب ، وكذا في النقاش والاختلاف ، وكثيراً ما تجد الكذب في عمليات البيع والشراء بين الناس مع ما يصاحب بعضها من غشٍّ وتدليس .
    ولعدد من النساء نصيب في هذه الأزمة فإنهن يكثر لديهن السخرية والاستهزاء واللعن وأكثر آفاتهن من اللسان ، وهذا ربما انعكس على أطفالهن من كثرة ما يتردد على أسماعهم من هذه الألفاظ .
    لا شك في أن عدداً من الناس لم يفلحوا في أن يتحلّوا بأخلاق الإسلام الفاضلة فتجدهم متباينين في درجة أخلاقهم فهي لدى بعضهم تسوء لدرجة نفور الآخرين منه ، وعند آخرين تجدها واضحةً في نطاقٍ محدّد أو هي تبرز في بعض الصفات دون بعض ، وهي لدى آخرين لا تكاد تستقرّ بحال فهي تتقلّب بتقلّب أمزجتهم ..
    بل إن البعض لا يستحيي أن يبرز بوجه الضاحك أمام أخدانه وخلاّنه ثم هو بوجهٍ آخر مع أهله فلا تكاد ترى للابتسامة محلاً على شفتيه البائستين .
    فبعض الناس – واعجب من هؤلاء - إمّعة لا يوطّن نفسه أو لاتّاً بمغراف غيره ، أو تراءت لهم أخلاقهم السمجة في برهة عرَضٍ أشبه بعارضٍ خلّب وما حاملو هذه النزوات إلاّ كمريضٍ ظن الجرح اندمل وإنما هو قد رمّ على فساد ، يرتضع أحدهم من أجاج القوم ثم يظن الشهد فاض من أوكية المعصرات ، ويحتطب من أودية الهالكين فيخال السنا قد أسرج من وهج الضياء .
    وبعضهم يظهر بمظهرين ، وبعضهم يعجبك في الرّخاء ليس إلاّ ، وآخرون تسير أخلاقهم مع مصالحهم وعقولهم الانتهازية ..
    إن حمأة التنافس على متاع الدنيا الفاني أنسى كثيرين سموّ الأخلاق وأغرقهم في مستنقعات السجايا الهزيلة وكبّلهم بقيود طباع الرّعاع القميئة فعزّت النجاة وبعدت حريّة الخلاص وانبرى أناس لرفع السوقة واتهام النبلاء وإلاّ فالعقلاء يمايزون بين ذي الخلق السويّ وبين المربادّ المجخّي .
    يقول القس زويمر – رئيس مؤتمر القدس التبشيري – : ( ولكن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية بها في البلاد المحمدية ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية، فإن هذا هداية لهم وتكريم، وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها ... ) .
    ولذا فإن الانسلاخ من الأخلاق هو إيذانٌ بالانهيار الاجتماعي مما يعصف بالاستقرار الأمني والاقتصادي وحتى النفسي .
    إنها فئة لم تعطِ للأخلاق الفاضلة اهتمامها كما أعطته لمظهرها وحياتها المادية وشهواتها الفانية فتجد أحدهم لا يسلم من أن يكون فظّاً غليظ القلب جافّ الطّباع عابساً مستكبراً ، أو بذيء اللسان فاحشاً طعّاناً لعّاناً ، أو حسوداً حقوداً يحمل الغلّ بين جنبيه ، أو متلبّساً لبوس السفهاء تابعاً قد نهل كأس الحياة مدهوقةً بالذّلّ مستسمناً كل ذي ورم زلّت به قدمه في وهدة أتون الحتوف .
    إننا نسمع عن فئات لا تعطي للأخلاق نصيبها كما تعطيه لملذاتها فنسمع عن أزواج يظلمون زوجاتهم ويرونهن مخلوقاً أدنى ، عليها واجبات وليس لها حقوق والقرآن يُـتلى (( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف )) ؛ ونسمع عن أناس يظلمون من يشتغل عندهم من العمّال مستغلّين غربتهم وضعف لغتهم وحاجتهم والقرآن يُتلى (( ولا تبخسوا الناس أشياءهم )) ؛ بل ونسمع شعوباً بأكملها تتظلّم من تسلّط حكّامها وعدم العدل في الرعية أو القسم بالسويّة والقرآن يُتلى (( اعدلوا هو أقرب للتقوى )) .
    إن من أسباب هذا الخلق الرديء هو ما يحمله أهله أصلاً من مرض الفكر وقلّة العقل والبصيرة فتتولّد لديه أفكار مهينة تنعكس على تصرفاته وتعاملاته ، ولذا يجب البدء مع هؤلاء من تصحيح جانب الفكر لديهم قبل تصحيح تصرّفاتهم حتى لا يكون العلاج آنيّاً ينتهي بانتهاء فترة التأثّر ، ثم ننطلق مع هؤلاء في توجيههم نحو التأسي بأخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم والتحلّي بأخلاق الإسلام الفاضلة فيكون صادقاً نقيّاً فخير الناس ذو القلب المخموم واللسان الصادق ..
    إن على المرء أن يكون حسن الخلُق باذلاً للمعروف يتحلّى بكريم الخصال وحميد الفعال من تكافلٍ وتراحم وبذلٍ للمعروف وكرم نفس وطيب معشر وصفاء سريرة ونقاء طويّة وصدقٍ وصبرٍ وعدلٍ وأمانةٍ وتواضع .
    وفي الحديث الصحيح: (( أعظم ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق )) أخرجه الترمذي وابن ماجه.
    قال ابن القيم في الفوائد: ( جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين تقوى الله وحسن الخلق في هذا الحديث لأن تقوى الله يصلح ما بين العبد وبين ربه، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقِه، فتقوى الله توجب له محبة الله، وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته ) .
    [/ALIGN]
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو شذا ; 23 Jul 2003 الساعة 01:29 PM
    (( ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ))

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك