ثالثـًا: تعمير الظاهر باتباع السنة:

فخير الهدي هدي النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ ومن الاقتداء به اتباع سنته في الهدي الظاهر بإعفاء اللحية، وحف الشارب، ولبس الثياب البيض، والعناية بنظافتها من غير تكلف ولا كبر ولا خيلاء.

استمع في هذا المقام إلى وصية العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد -رحمه الله- إذ يقول في حلية طالب العلم:

"لا تسترسل في التنعم والرفاهية، فإن "البذاذة من الإيمان"، وخذ بوصية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في كتابه المشهور، وفيه:

"وإياكم والتنعم وزي العجم، وتمعددوا، واخشوشنوا". وعليه فازور عن زيف الحضارة، فإنه يؤنث الطباع، ويرخي الأعصاب، ويقيدك بخيط الأوهام، ويصل المُجِدُّون لغاياتهم وأنت لم تبرح مكانك، مشغول بالتأنق في ملبسك، وإن كان منها شيات ليست محرمة ولا مكروهة، لكن ليست سمتـًا صالحًا، والحلية في الظاهر كاللباس عنوان على انتماء الشخص، بل تحديد له، وهل اللباس إلا وسيلة التعبير عن الذات؟!

فكن حذرًا في لباسك، لأنه يعبر لغيرك عن تقويمك في الانتماء، والتكوين، والذوق، ولهذا قيل: "الحلية في الظاهر تدل على ميل في الباطن"، والناس يصنفونك من لباسك، بل إن كيفية اللبس تعطي للناظر تصنيف اللابس من:

الرصانة والتعقل.

أو التمشيخ والرهبنة.

أو التصابي وحب الظهور.

فخذ من اللباس ما يزينك ولا يشينك، ولا يجعل فيك مقالاً لقائل، ولا لمزًا للامز، وإذا تلاقى ملبسك وكيفية لبسك بما يلتقي مع شرف ما تحمله من العلم الشرعي، كان أدعى لتعظيمك والانتفاع بعلمك، بل بحسن نيتك يكون قـُربة، إنه وسيلة إلى هداية الخلق للحق.

وفي المأثور عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "أحب إلي أن أنظر القارئ أبيض الثياب". أي: ليعظم في نفوس الناس، فيعظم في نفوسهم ما لديه من الحق.

والناس كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "كأسراب القطا، مجبولون على تشبه بعضهم ببعض"؛ فإياك ثم إياك من لباس التصابي، أما اللباس الإفرنجي، فغير خافٍ عليك حكمه، وليس معنى هذا أن تأتي بلباس مشوه، لكنه الاقتصاد في اللباس برسم الشرع، تحفـُّه بالسمت الصالح والهدي الحسن". "انتهى كلامه رحمه الله".

فإياك ثم إياك والتشبه بالكافرين في زيهم وشاراتهم فإن هذا ليس من سمت الصالحين ولا من هدي المسلمين، وفي الحديث: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).

رابعًا: صحبة ذوي السمت الحسن:

من العلماء والصالحين فإن مصاحبتهم والخلطة بهم تؤدي إلى الاستفادة منهم في هديهم وسمتهم وأخلاقهم، وقد كان الصحابة يجالسون النبي -صلى الله عليه وسلم- ويستفيدون من لحظه ولفظه، ويتشبهون به في هديه وسمته، كما كان من بعدهم يسأل عن أشبه الناس هديًا وسمتـًا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ليأخذوا عنه؛ كما ورد في ذلك أن عبد الرحمن بن زيد -رحمه الله- قال: "سألتُ حذيفةَ عن رجل قريب السَّمْتِ والهَدي والدَّلِّ من رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- حتى نأخذَ عنه؟ فقال: ما نعلم أحدا أقربَ سَمْتـًا وهَدْيًا ودَلاّ بالنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- من ابنِ أمِّ عبد، حتى يتوارى بجدار بيته، ولقد عَلِمَ المحفُوظُون من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-: أن ابن أم عبد أقربُهم إلى الله وسيلة".

ولعل علقمة -رحمه الله تعالى- قد حرص على صحبة ابن مسعود -رحمه الله تعالى- لأجل هذا المعنى؛ فقد أورد الذهبي في السير أنه لازم ابن مسعود -رضي الله عنه- حتى رأس في العلم والعمل، وتفقه به العلماء، وبَعُد صِيته، وكان يشبه ابن مسعود في هديه ودله وسمته.

نسأل الله الكريم بمنه أن يرزقنا حسن السمت وأن يزيننا بزينة الإيمان، وأن يجعل سرنا خيرًا من علانيتنا، وأن يسترنا بستره الجميل الطيب في الدنيا والآخرة، والحمد لله رب العالمين.

منقول للفائدة