إحكام الخَلْطَة في فوائد الخُلْطَة

مخالطة البشر فيها الدروس والعِبر ، تجعل من الإنسان أستاذَ العصور والأزمان ، ويستطيع تمييز الغث من السمين فلا مجال عليه عند الماكرين ، وتبرز فيه مَلَكة الحديث ويكون سعي الناس إليه حثيث ، يعرف العادات والأعراف فلا ظلم يعتريه ولا إجحاف ، عنده قصص وأخبار السابقين يرويها لمن جاء من اللاحقين ، وتورث أخلاق الفضلاء وتذهب أحلام السفهاء ، تجعل في الوجه نضارة وتمحو عن القلب الغشاوة ، بها يعرف الآخرين ويفرق بين الجميل من المشين ، يأخذ منهم الآراء ويعدل ما حصل من أخطاء ، يصبر على الزلات ويجمع منها الحسنات ، يعرف حديث المجالس حتى لو كان في بيته جالس ، يتأمل أحوال الناس وما يحصل فيها من غنىً وإفلاس ، فيستفيد من الجميع ويحمد الله البصير السميع ، ويستعين بهم في أحلك الظروف لأنه عندهم معروف ، يشاطرهم الأفراح والأحزان غير متخاذل أو متوان ، وكل ما ذكرت من فوائد إنما هو مرهون بشرائط ، فلست أعني مخالطة الفاشلين لأنها عار وجرم مشين ، فعشرتهم تزيد الطين بِلّة والمرض عِلّة ، فهم لم يسمو بأنفسهم فضلاً عن أن يرتقوا بغيرهم ، إنما كل القصد صحبة من يبحث عن مراقي المجد ، يرفع الهمّة ويعطر النسمة ويرشدك للحكمة ، يحمي الظهر ويساعد على نوائب الدهر ، فإذا ظفرت بمن هو كذلك فاسلك إليه كل المسالك ، فهو الجوهر الثمين فلاتكن من الغافلين ، سهل الله لك الطريق وشكرا لمرورك ياصديق...