المسألة الرابعة
مراحل فرض الصوم
جاء بيان هذه المراحل في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأبو داوود والحاكم وغيرهم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال ،وأحيل الصيام ثلاثة أحوال .... إلى أن قال : وأما أحوال الصيام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ،فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ، وصام عاشوراء ، ثم إن الله فرض عليه الصيام وأنزل الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}(183)(184) سورة البقرة، فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكينا فأجزأ ذلك عنه ، ثم إن الله عز وجل أنزل الآية الأخرى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (185) سورة البقرة ، فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح ، ورخص فيه للمقيم المريض والمسافر وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام ، فهذان حالان ، قال : وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا ، فإذا ناموا امتنعوا ، ثم إن رجلا من الأنصار يقال له صرمة كان يعمل صائما حتى أمسى فجاء إلى أهله فصلى العشاء ثم نام فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح فأصبح صائما ، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جهد جهدا شديدا فقال مالي أراك قد جهدت جهدا شديدا : قال: يا رسول الله إني عملت أمس فجئت حين جئت فألقيت نفسي فنمت فأصبحت حين أصبحت صائما . قال وكان عمر قد أصاب من النساء بعد ما نام ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فأنزل الله عز وجل {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ } (187) البقرة.
المسألة الخامسة
رؤية الهلال
العبرة برؤية الهلال ليلا ولا عبرة برؤيته نهارا ، لما روى أبوداود والدارقطني وغيرهما عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من أصحاب النبي  أن ركبا جاؤوا إلى النبي  يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم أن يفطروا وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم ،
ولأن الليل هو وقت الرؤية..
المسألة السادسة
يثبت صيام رمضان بشهادة واحد
يصام بشهادة عدل واحد ولو أنثى أو مملوك . للدليل والتعليل.
الدليل ما روى أبو داوود والدار قطني وغيرهما من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه ..
وأما التعليل فذلك لأن رؤية الهلال من باب الخبر والرواية لا من باب الشهادة التي يشترط فيها رجلان أو رجل وامرأتان .
المسألة السابعة
إن صام الناس بشهادة واحد, ولم يروا هلال شوال
إن صاموا بشهادة واحد ، ثلاثين يوماً فلم يُرَ الهلال أو صاموا لأجل غيم لم يفطروا !!,
ويستثنى من ذلك مسألتان :
المسألة الأولى: إذا صاموا بشهادة عدل واحد ، ثلاثين يوماً ولو رؤي الهلال فالمذهب أنه يجب الصوم ولو أتموا ثلاثين يوماً وذلك لأن الفطر لا يثبت عندهم إلا بشهادة اثنين وعليه فيصوموا أكثر من ثلاثين يوماً.،
والراجح أنهم إذا أكملوا ثلاثين يوماً أفطروا لأن الشهر لا يزيد عن ثلاثين يوما..
المسألة الثانية: إذا صاموا وكان ليلة الثلاثين من شعبان قتر أو غيم فإنه يجب عليهم أن لا يفطروا حتى يرى الهلال أو يشهد شاهدان عدلان ـ ولو صاموا ثلاثين يوماً... والعلة أنهم صاموا الثلاثين من شعبان احتياطاً...وهذا يدل على ضعف القول بصيام يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال سحاب أو قتر أو غيرهما,
والراجح أن صيام يوم الشك محرم.. لما روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الشهر تسع وعشرون ليلة فلا تصوموا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) ...
ففي هذا الحديث نهي عن الصيام والأصل في النهي التحريم ، وفيه أمر بإكمال العدة والأصل في الأمر الوجوب
وروى البخاري تعليقا وأهل السنن موصولا عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال:( من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ) وهذا يدل على التحريم.
مسألة: إن صام يوم الشك تطوعاً؟
إن صامه على أنه تطوع فله حالان :
الأولى: إن كان من عادته التطوع فلا بأس .
الثانية: إن لم يكن من عادته فإنه يحرم صومه ، لقوله صلى الله عليه وسلم (( لا تقدموا رمضان بصيام يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه )) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
يتبع..........