@هذيان المجالس@.









إن المبصر لواقع مجالسنا في أواننا هذا , يدرك حجم التفاوت الشاسع



بين ماضيها ( اللائق بها ) وحاضرها المسيء لمعناها الشمولي .



فسابقا كانت مثالا رائدا في تعلم المثل العليا والقيم السامية , بين جلسائها وهم كبار السن



مع ما تحتويه أحيانا من تجمعات لصغار السن وهم فئة الشباب.



فكانت تلك التجمعات مدرستين رائدتين للحفاظ على مجتمعهم, جراء احتوائها على أحاديث



وقصص تكون فوائدها مشاهده على ارض واقعهم.



مع ما كانت عليه من البساطه وضيق الحال , إلا إنهم تغلبوا عليها



بعزيمة صادقه كان هدفها الرقي أولا بمحيطهم .



ولا ننسى التعلم العصري الذي كان مفقودا آنذاك , ورغم هذا كله



فلم يلين من تلك العزيمة .



لكن , مع تقدم الزمان وظهور الكثير من مؤثراته التي تعددت استخدامنا لها



بالصالح والطالح.





بدا جليد هذه المجالس بالذوبان السريع .



وأصبحت تجمعات لكثير من أنواع ( الهذيان ) .



فمثلا كبار السن , نرى وضعهم رديء للغاية مقارنة بما هو مؤمل منهم بناء على مكانتهم الاجتماعية



في مجالسهم .



فغالب حديثهم ما يكون ذو ( شطحات ) غير مبررة بالبته , منتقين بذلك أدسم شخصيات



المجتمع وأقربها لسوط ظهره بانتقادات لاذعة وعلى ابسط أمور الحياة .



فان كان الشخص ذو منصب حكومي كان سيل الاتهامات الجارف الموجه له من قبلهم



انه إنسان غير متعاون مع ( عصبته الاجتماعية ) , أو انه احد أفراد جماعة ( علي بابا ) ,



أو انه كثيرا ما يكون غير متواجد في دائرته الحكومية .



وان كان منعم عليه من الكريم الذي قال ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم )



كانوا حسدا له ولنعمته التي وهبها الله إياه , وكأنهم هم المتفضلين عليه وليس الله جل جلاله .



فهنا تعجب اشد العجب من انتقاد ( لفضل الله ) على عبيده.



ولا يقف أمرهم على الحسد , بل يتم ( تمليح ) الحديث بالتشكيك في مصادر حصول



هذا الرجل على ما فيه من النعمة .



ويبدؤون بتأويل المزاعم والافتراءات ضد ذاك المسكين الذي ليس له ذنب



سوى أن ما به من ( الله ) .



وتتواصل فصول جلستهم لتطال أفرادا آخرين في محيطهم .



فربما حتى صغار السن كان لهم نصيب من كعكتهم ( المسمومة بلحوم المسلمين ) ,



حيث القول بان أولاد فلان تائهين في الطرقات وليس لهم قول أو عمل



سوى إيذاء الناس أو سرقة ممتلكاتهم أو إيذاء العمالة المارة من حيهم .



علما ( بان بعضا منهم لا يعلم أي ارض تقل أولاده في ذاك الوقت ) .



هنا تتضح الصورة الحقيقية عن فقدان مجالس الكبار لخواصها التي كانت تعرف بها سابقا ,



وما كانت تتمخض عنها من صغار كانوا حولهم آنذاك وأصبحوا في مستقبلهم ممن يشاد له بكل ما هو جميل .



جراء احتكاكهم المباشر بمن عاصروا الحياة وتعلموا من تجاربها ونقلوها لأبنائهم وأحفادهم



بأفضل الطرق والوسائل .



أخيرا تظهر في أذهاننا الكثير من التساؤلات حيال أسباب طفو هذه المجالس على سطح المجتمع .



وعن كيفية تلافيها بأسرع الطرق وأجودها .



إن المتابع لحال المجالس حاليا



يراها ذو وجه واحد >>> كيف ؟



تجد بان وقت الصباح يكون لهم مجلس , ثم العصر كذلك, ويختمونها ليلا .



وهذا من أسباب ( تشبعهم ) من أحاديثهم ووجوههم أيضا .



مما يولد لديهم فراغا كبيرا من الأحاديث .



فلا يجدون سوى ما ذكرت آنفا .



ليكملوا شغف ميلهم إلى هذه التجمعات اليومية .



ونصيحتنا لهم هنا هي أن يقتصدوا في مجالسهم حتى يستفيدوا ويفيدوا



من ( يحلم ) بالاستفادة منهم .



بدلا من تجمعاتهم ( المتخمة ) بلا أدنى طائل سوى ( أكلهم للحوم بعضهم بعضا ) .



وربما هناك سبب آخر ,



وهو مدى الفراغ الذي يعانونه في بيوتهم



وهذه تقع على عاتق أفراد أسرهم



الذين لم يستثمروا خبرة هذا الرجل في أصعب علم في الدنيا وهو ( علم الحياة ) ,



لم يستثمروه وهو قد عاصر عصورا لم نشهدها ومر بغمار مراحل يقسر علينا مرورها .



فكان ضياعهم له عبئا ثقيلا عليه وعلى أناس زمانه .



وأسباب يطول سردها نراها فرعية ولكنها مؤثرة أيضا إلى جانب السببين السابقين الذكر .



فلابد لنا من توليد عزيمة كبيره للحفاظ على ارث هؤلاء



واستثمارهم بأكمل وجه ,



حتى يكون ريع فائدتهم لنا ولأعقابنا .



ولا ننسى شبابنا ومجالسهم ايضا , ولكن في وقت لاحق باذن الله سوف نعرج اليهم .