المسألة السابعة بعد المائة
ليلة القدر
ليلة القدر في رمضان ولم ترفع بل هي باقية لم ترفع ، وهي في العشر الأواخر منه ، لما روى الإمام أحمد والشيخان عن عائشة رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان) وهي في أوتاره آكد ، وأوتاره هي الحادية والعشرون والثالثة والعشرون والخامسة والعشرون والسابعة والعشرون والتاسعة والعشرون ، لما روى البخاري عن عائشة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان) رواه البخاري .
وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أنها ليلة سبع وعشرين واستدلوا بما روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داوود والترمذي عن زر بن حبيش قال : سمعت أبي بن كعب يقول ، ( وقيل له إن عبدالله بن مسعود يقول : من قام السنة أصاب ليلة القدر) ، فقال أبي : والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان، يحلف ما يستثني ووالله إني لأعلم أي ليلة هي ، هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها ، هي ليلة سبع وعشرين ، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن ليلة القدر تنتقل بين ليالي الوتر من العشر الأواخر من رمضان ، واستدلوا لقولهم بورود الأحاديث الصحيحة في تعيينها في أكثر من ليلة مما يدل على انتقالها بين ليالي الأوتار ، ومن هذه الأحاديث ما رواه أحمد ومسلم عن عبدالله بن أنيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (رأيت ليلة القدر ثم أنسيتها وأراني صبيحتها أسجد في ماء وطين قال فمطرنا في ليلة ثلاث وعشرين صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه) ، زاد مسلم : فكان عبدالله بن أنيس يقول ثلاث وعشرين.
وروى مسلم في صحيحه عن ابن عمر قال : أري رجل أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (أرى رؤياكم في العشر الأواخر فاطلبوها في الوتر منها) ، وروى الإمام أحمد والشيخان عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية على سدتها حصير قال فأخذ الحصير بيده فنحاها في ناحية القبة ثم أطلع رأسه فكلم الناس فدنوا منه فقال إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة ثم اعتكفت العشر الأوسط ثم أتيت فقيل لي إنها في العشر الأواخر فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف فاعتكف الناس معه قال وإني أريتها ليلة وتر وأني أسجد صبيحتها في طين وماء فأصبح من ليلة إحدى وعشرين وقد قام إلى الصبح فمطرت السماء فوكف المسجد فأبصرت الطين والماء فخرج حين فرغ من صلاة الصبح وجبينه وروثة أنفه فيهما الطين والماء وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر. وليس في لفظ البخاري العشر الأول.
المسألة الثامنة بعد المائة
كيف تحدد ليلة القدر
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ( ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، هكذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتكون في الوتر منها، لكن يكون الوتر باعتبار الماضي فتطلب ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وليلة خمس وعشرين وليلة سبع وعشرين وليلة تسع وعشرين ويكون باعتبار ما بقي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لتاسعة تبقى ، لخامسة تبقى ، لثالثة تبقى ) فعلى هذا إذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الإشفاع وتكون الاثنين وعشرين تاسعة تبقى وهكذا فسره أبو سعيد الخدري رضي الله عنه في الحديث الصحيح وهكذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم في الشهر ، وإن كان الشهر تسعا وعشرين كان التاريخ بالباقي كالتاريخ بالماضي، وإذا كان الأمر هكذا فينبغي أن يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جميعه وتكون في السبع الأواخر أكثر، وأكثر ما تكون ليلة سبع وعشرين، كما كان أبي بن كعب يحلف أنها ليلة سبع وعشرين فقيل له بأي شيء علمت ذلك ؟ فقال بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبرنا أن الشمس تطلع صبيحتها كالطشت لا شعاع لها ) فهذه العلامة التي رواها أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم من أشهر العلامات في الحديث ، الخ كلامه رحمه الله تعالى.
المسألة التاسعة بعد المائة
سبب تسميتها (ليلة القدر)
سميت بذلك:
1. لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة ، قال تعالى {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (4) سورة الدخان.
2. لشرفها وعظم قدرها عند الله تعالى ،
3. لأن للطاعات فيها قدرا عظيما ،
المسألة العاشرة بعد المائة
فضل ليلة القدر
هي أفضل الليالي قال تعالى {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)
تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} سورة القدر.
نأخذ من هذه السورة عدة فضائل :
1. نزل فيها القرآن الكريم الذي هو أفضل الكتب والمهيمن عليها وهو سبب الهداية والسعادة في الدارين.
2. عظم شأنها وجلالة قدرها يدل على ذلك قوله تعالى:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} (2) سورة القدر.
3. أنها خير من ألف شهر ، قال تعالى {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (3) سورة القدر.
4. تنزل الملائكة فيها بالخير والرحمة قال تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ} (4) سورة القدر .
5. وصفها بأنها سلام كلها وخير كلها لا شر فيها.
6. أن الله أنزل في فضلها هذه السورة تتلى إلى يوم القيامة.
وأما من السنة :
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)، رواه أحمد والشيخان، زاد أحمد (وما تأخر) حسن إسنادها الحافظ ابن حجر ، وحكم عليها بعض الحفاظ بالشذوذ ،،
و قالت عائشة يا نبي الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول قال: (تقولين اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) ، رواه أحمد والترمذي بمعناه ، وابن ماجه.
انتهى ما أردت تقييده من أحكام الصيام وسيتبع ذلك إن شاءالله أحكام الاعتكاف وصدقة الفطر.