.. بنـــاء الهـــدم ..
أذكينا روح الثناء بداعي العجب فتوقف البناء ،
وأشهرنا معول الاحتقار بداعي الإخلاص فجنينا الهدم










[justify]ربما استغرب البعض من هذا التناقض الذي يحمله ذلك العنوان وظنهم حقيقة كان في محله ، فالبناء والهدم ضدان لا يجتمعان إلا كما يجتمع الحوت والضب ، وحين تتحدث مع أولئك الذين يتقنون هندسة ( بناء الهدم ) مباشرة يشرحون لك عن نيتهم الصادقة وأنهم يحاولون النصح والتوجيه من خلال الوصاية على الآخرين والدخول في نياتهم شعروا بذلك أم لم يشعروا ، بيد أن تصرفاتهم وانعكاساتها على أرض الواقع تقول غير أرادوا تماما ، فعندما يعمد أحدهم لمشروع خيري أو عمل تطوعي يكون من خلاله نفع الأمة والصالح العام يجلب بعض الأفاضل بخليهم ورجلهم ويتحدثون عن ضرورة الإخلاص في العمل وأنه إنما يتقبل الله من المتقين وكل هذا أمر طيب ومطلب مهم ينبغي للمسلم أن يجعله نصب عينيه ، لكن وبعد استمرار العمل ونجاحه والتقدم فيه خطوات للأمام نجد أن بعضا من بعض أولئك الأفاضل لم يكلف نفسه ولو مرة واحدة أن يشجع هذا الشخص المبدع أو تلك المؤسسة الرائعة بكلمة شكر أو ثناء أو تحفيز تكون دعما لمسيرة البناء ودافعا لمزيد من البذل والعطاء ، وحجتهم في ذلك أن هذا الثناء وذلكم الشكر ربما يقود صاحبه إلى العجب والغرور الذي من شأنه إحباط العمل وعدم قبوله ، وحتى لا يساء فهم تصرفهم لا بد من تعبئة وسد الفراغ وإغلاق الفجوة التي أحدثوها فتجدهم يضربون على وتر احتقار النفس وضرورة لجمها ويعكفون على سياسة التجريح والازدراء بداعي أنه أقرب للإخلاص والقبول ، فجنينا من تعميم ذلك الفهم السقيم كل هدم وتحطيم .. إذ عقلا كيف تريد من إنسان أن يعمل أو يبذل أو يقدم وأنت كل يوم تحتقره ولا ترى فضل عمله بل حتى أنه لم يسمع منك كلمة ثناء أو شكر فغاية ما يتردد على لسانك في أذنيه ( نسأل الله الإخلاص ) ولسان الحال يقول له ( نسأل الله منك الخلاص ) ، يا كرام : نحن لو تأملنا القرآن الكريم لوجدناه قد مليء بعبارات المدح والثناء لأناس بذلوا وضحوا بل ونزلت فيهم تحديدا آيات تتلى ليوم الدين كما قال سبحانه عن أهل بيعة الرضوان ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ) وقال عن أيوب عليه السلام ( نعم العبد إنه أواب ) ، والنبي عليه الصلاة والسلام مدح أصحابه في مواقف كثيرة خذ مثالا واحدا على ذلك حين سمع قراءة أبي موسى الأشعري فقال له : لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داوود ، فقال أبو موسى : لو علمت أنك تستمع إلي لحبرته لك تحبيرا . أيها الإخوة : هو الفهم السيئ للنصوص وعدم ربط بعضها ببعض وإلباس كل حالة لبوسها يقود لكثير من الإشكالات التي مع مرور الزمن لا يمكن رأب صدعها إن لم تتدارك وتضبط بفهم متزن يراعى فيها كل من الجوانب الدينية والنفسية والاجتماعية .[/justify]