تحلقوا حول النار.. ففي برودة الجو تزدان جلسة النار
ومن خلفهم ذلك الجبل الرملي الشامخ الهائل كأنه يقف حارسا على رؤوسهم
كانت جلستهم كجلسة أي طلاب مدرسة
حديثهم معهود ومعروف : الأساتذة وما أدراك مالأساتذة
يتكلمون عنهم معلم معلم من أول ابتدائي وحتى لحظتهم الحالية ثالث ثانوي
حتى تظن أنهم في محكمة ويريدون أن يصدروا حكما ..

كان محمد هو أصغرنا وكان واقفا يناولنا الحليب
الجميع سكت في هذه اللحظة ينتظرون الحليب
وعندما مد محمد آخر كوب قال
والأستاذ ( سين ) مارأيكم فيه ..!!؟

الأول : أوييييييييييييييلي ..رجل متكبر
الثاني : ههههههههههههههه يموت بقلم الرصاص
وبدؤوا يكيلون له التهم والشتائم
كأنهم علموا كل خفاياه وكل شؤونة
صدقوني لو أن امرأته سمعت الكلام لربما طلبت الطلاق منه ..

كان سعيد صامتا على غير العادة
فقد كان قبل أن ينطقوا باسم المعلم يبدأ بالجزر والتقطيع
فلايجعل شاردة ولا واردة في معلم حتى يحظرها
وإن لم يجد لم يتورع عن إحضار ماليس صحيحا


قلت : سعيد ماسر هذا السكوت ..!!؟
قال : إن للأستاذ ( سين ) معي قصة
عجيبة لو قلتها لكم لم تتوقعوها تصدر منه أبدا
اسمعوا اسمعوا وحتما سيتغير رأيكم ...

شرب قليلا من الحليب ثم سعل وقال :
في يوم من الأيام خرجت إلى المدرسة وقد ارتديت شماغي
وكانت بعض خيوط الشماغ مقطوعة ولم أنتبه لها
أو انتبهت لها لكن لم أعطيها اهتمام لأنه هو الشماغ الوحيد الذي أملكه
دخلت المدرسة وقرع الجرس واصطففنا في الطابور الصباحي
كما يصطف العساكر
وكان المعلم ( سين ) يدور على الطلاب من وسط الطوابير
يتخللهم كما يتتخلل الضابط الجنود
فرأى شماغي ورأى الخيوط المنقطعة ..
سين : مااسمك ..؟
سعيد : سعيد الــ
سين : أين أبوك ..؟
سعيد : والدي متوفي
الأستاذ : رحمه الله , في أي فصل أنت ..؟
سعيد : ثاني متوسط أ
ثم انصرف من عندي من دون أي كلام
وقد أخذني العجب من هذا المعلم وماذا يريد..؟
ولماذا اختارني أنا وحدي من بين الطلاب ..؟
خصوصا وأنه لا يدرسني..؟
لكني لم أبالي كثيرا فيه بل نسيته منذ أن اختفى عن نظري

ذهبنا إلى الفصل
وفي الحصة الثانية قـُـرع الباب فدخل المعلم ( سين )
وقال لأستاذنا : أريد سعيد ..
زاد التسائل في داخلي وهاج
والعجب طرح علي أجنحته
ماذا يريد مني ..!!؟
وأخذت أتبعه لا أعلم إلى أين يذهب
تبعته حتى خرج من المدرسة فترددت هل أخرج أم لا ..؟
ربما هذا الملعم يريد بي شرا ..
ولكن أنا ..!!!؟ مستحيل لم يدرسني ولم أتلفظ عليه أبدا
ترددت هل أخرج ..؟
ثم جائني هاجس الشجاعة يقول أنت رجل هيا اخرج لاتتردد..
فلما قدمت رجلي للخروج سحبتها بسرعة
وترددت مرة أخرى فالتفت إلى باب المدير ثم تسائلت هل أذهب إليه وأخبره ..؟
وسلك بي الظن السيء كل الطرق حتى الطرق المكسرة
فسمعت المعلم يناديني فخرجت بسرعة وقلبي يكاد يكسر ضلوعي
تبعت الأستاذ حتى وصلنا سيارته ففتح بابها
ثم أخرج كيسا أبيض لايرى مافي داخله ..

ثم مد سعيد كوبه إلى محمد : اسكب لي قليلا من الحليب نصف الكوب فقط
وعدّل من جلسته وغطى مابدا من جسمه جيدا ببطانية كانت على ظهره
ثم أكمل : ناولني الأستاذ الكيس
وقال : خذ هذا الشماغ وألبسه بدلا من شماغك
واعتبرني مثل أبيك إن أردت شيئا فلاتتردد..

وبعد هذا ياسادة تريدونني أن أتكلم فيه ..!!؟

قلنا : لا والله هذا هو المعلم المربي حقا ...