الطربوش والقبعة والكوفية العربية !

محمد الرطيان | 17-06-2011 22:31

(1)

تركيا – قبل سنوات – أعطت ظهرها للشرق واتجهت نحو الغرب .. ولا تُلام !

من هذا الذي تأتيه الفرصة لينتقل من العالم الثالث إلى العالم الأول ويرفض ؟

فهي عضو مؤسس للمجلس الأوربي .

وعضو مؤسس في ( الناتو ) حلف شمال الأطلسي .

واستبدلت ( الطنبور ) بـ ( الغيتار ) الغربي .

ونزعت ( الطربوش ) عن رأسها ، ووضعت بدلا ً منه ( القبعة ) الإفرنجية .

وحتى فريقها لكرة القدم هو احد فرق البطولة الأوربية .

وكادت أن تقوم بألف عملية تجميل لتصبح ملامحها أوربية تماما !

والنتيجة :

على الجسر الشهير ( البوسفور ) الذي يربط الجزء الآسيوي بالجزء الأوروبي في مدينة إسطنبول تقف " تركيا " في المنتصف!
فلا هي التي استطاعت أن تعبر وتتقدم، ولا هي التي فكّرت بالعودة.
إنها مثل امرأة " معلقة " في جسر معلّق..
لم يطلقها الشرق، ولم يتزوجها الغرب!



(2)

أوربا كانت – وما زالت – تماطل بملف انضمام تركيا إليها .. ليس السبب الجغرافيا ، وبالتأكيد لم يكن الاقتصاد الذي تفوقت فيه تركيا على بعض أعضاء الإتحاد ( مثل : البرتغال واسبانيا ) السبب وببساطة – وعبر عبارة تحاول أن تكون لطيفة – هو : الحساسية الثقافية !

أي بمعنى أن أوربا لم – ولن – تنسى أن هذه الـ ( تركيا ) هي حفيدة الدولة العثمانية . وهذا النادي المسيحي لا يحتمل أن يكون معه عضوا بهذا الكثافة البشرية الإسلامية وهذا الإرث الإسلامي ، وأعلنتها صراحة الكثير من الكنائس .. بل أن إحدى وثائق ويكيليكس تقول أن الفاتيكان نفسه عارض هذا الانضمام بشكل شبه سري !



(3)

وقفت " تركيا " طويلا على ذلك الجسر ..

إلى أن أتى الفتى الشجاع ( وهذه الترجمة التركية لكلمة : أردوغان ) أخذها من يدها – بعد أن علمها بمهارة كيف تثق به – وقال لها : ليس كل ( وراء ) وراء .. بعض الوراء أمام !

هذا الرجل ساحر ، ويمتلك كاريزما عظيمة :

يعرف كيف يقرأ القرآن بصوت يرتجف خشوعا وإيمانا ً .

يعرف كيف يغني بحنين كعاشق يتذكر آخر لقاء مع أول حبيبة .

يعرف كيف يجعلنا نصفق له وبحماسة لأنه " هزأ " بيريز ، وذلك دون أن تُمزق أي ورقة في أي معاهدة تجمع بلاده مع إسرائيل !.. ونحن – كعرب – مفتونين بالتصريحات النارية .

يعرف كيف يلاعب الأطفال ، ويحتضن العجائز ..

والأهم من كل هذا : عرف كيف يرفع دخل المواطن التركي البسيط ، ولم تمنعه الجهة الغربية / الحلم أن يرى بقية الجهات ، بل تمدد كلاعب ماهر في كل المواقع ، وجعل الأتراك معه يشعرون بشيء من العزة والكرامة ، وصار الصوت التركي مسموعا في كل المنابر وكل الجهات .



(4)

تركيا رائعة ، وأردوغان سياسي ماهر وزعيم عظيم ، ولكن .. لم أكتب هذا المقال لهما !.. أكتبه لأمتي – شبه اليتيمة – التي تقفز من مشهد إلى مشهد ، ومن جهة إلى جهة ، بحثا ً عن رمز !

مرة مهاتير الماليزي ، وأحيانا ً نجاد الفارسي ، والآن أردوغان التركي .. وكل من يجيد التعامل مع المنبر ، ويعرف كيف يحرك المايكروفون سيجد له شعبية كاسحة في عالمنا العربي . حتى " شافيز " صار نجما ً عربيا ً ذات يوم !

حالة الانبهار هذه لم تقف عند العامة فقط . من تابع منكم " تويتر " وغيره من المواقع الالكترونية والصحف والفضائيات رأي بعض ما يُسمى بالنخب العربية تتابع الانتخابات التركية بحماسة .. وكأنها تشجع فريقها المفضل ! .. ولم تكن ( تركيا الحديثة ) في الصورة .. كان سيّد المشهد ( أردوغان ) ... تعرفون لماذا ؟ .. لأننا – كعرب – كنا وما زلنا ننظر لـ ( الزعيم ) السوبرمان .. ولا ننظر للنظام الذي أنتج هذا الزعيم !

قبل أن نُعجب بأردوغان ، علينا أن نعجب بدولة القانون ، والشعب الذي أختاره .

علينا أن ننبهر بالحالة التركية ، وتلك الدولة التي استطاعت أن تستوعب هذا الحزب الحاكم . ثقافتنا العربية تنسى كل هذا وتركز على ( الزعيم ) الذي لا حل ولا مجد للقبيلة دونه !

فكروا بـ ( الدولة ) و ( النظام ) .. قبل أن تفكروا بالأشخاص وتصنعوا منهم رموزا ً .. وبدلا ً من أن تبحث هذه الأمة اليتيمة عن الآباء خارج الحدود .. عليها أن تصنع النظام الذي ينتج الآباء الرائعين !
الموقع الرسمي للكاتب : محمد الرطيان