(وقفات مع تمثيل الصحابة)
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
فالوقفة الأولى: قبل أن نختلف في تمثيل الصحابة في جوازها أو حرمتها ينبغي أن نسأل أنفسنا هل تمثيل الصحابة موافق لتعظيمهم أومخالف لذلك؟
لقد أنزل القرآنُ والسنةُ الصحابةَ منزلة عظيمة في الإسلام وأراد اللهُ ورسولهُ من المسلمين تعظيمهم وتقديرهم حق قدرهم فليس بعد رُسُل الله أحق بالتعظيم من الصحابة الكرام*
فلقد زكاهم الله ورضي عنهم واختارهم لصحبة رسوله عليه الصلاة والسلام*
قال الله تعالى (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًاِ )*
قال ابن حزم: ( فمن أخبرنا الله عز وجل أنه علم ما في قلوبهم ورضي عنهم وأنزل السكينة عليهم فلا يحل لأحد التوقف في أمرهم أو الشك فيهم البتة ).
*
قال أبونعيم: (ألا ترى أن الله تعالى أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأن يعفو عن أصحابه ويستغفر لهم ويخفض لهم الجناح ، قال تعالى : ( وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ )وقال ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَِ ).انتهى.
*
وقال تعالى( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُِ )
*
قال - صلى الله عليه وسلم - لعمر " وما يدريك ، لعل الله اطلع على أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " رواه البخاري ومسلم*
وعن عمران بن الحصين رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم قال عمران *فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثاً " متفق عليه
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوبَ أصحابهِ خيرَ قلوبِ العبادِ فجعلهم وزراءَ نبيهِ يُقاتِلون على دينه).
*
وقال أيضا: ( من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا يؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا قوم اختارهم الله لإقامة دينه وصحبة نبيه فاعرفوا لهم حقهم وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما الخلفاء الراشدون والصحابة فكل خير فيه المسلمون إلى يوم القيامة من الإيمان والإسلام والقرآن والعلم والمعارف والعبادات ودخول الجنة والنجاة من النار وانتصارهم على الكفار وعلو كلمة الله فإنما هو ببركة ما فعله الصحابة الذين بلّغوا الدين وجاهدوا في سبيل الله وكل مؤمن آمن بالله فللصحابة رضي الله عنهم الفضل إلى يوم القيامة).
وبعد هذا كله يأتي من يمثل هؤلاء الصحب الكرام بكل جرأة!!
ولا أظن عبدا مؤمنا يعظم الصحابة يطاوعه قلبه وتقله قدماه يمثل أبا بكر أو عمر أو أحد الصحابة رضي الله عنهم.
*
الوقفة الثانية: التمثيل هو المماثلةوالمحاكات للشيء.
فهل يستطيع أحد أن يماثل الصحابة في أقوالهم وأفعالهم ويحاكيهم في ذلك؟!
*
الوقفة الثالثة: تمثيل الصحابة سوء أدب مع الله ورسوله بل هو إلى الإساءة أقرب وذلك من جانبين:
*الجانب الأول: أن تمثيل الصحابة ترجمة لزمن النبي عليه الصلاة والسلام حيث كانوا في زمنه وزمن النبي عليه الصلاة والسلام خير الأزمان فلا يستطيع أحد أن يصوره للناس
الجانب الثاني: أن التنقص من الصحابة تنقص للنبي عليه الصلاة والسلام
والتمثيل فيه إزدراء وابتذال وتنقص للصحابة
*
الوقفة الرابعة: محاكات الإنسان في ذاته وأفعاله وأقواله حق محفوظ له لا يحق لأحد التعدي عليه إلا بإذنه فمن أين لنا الإذن من الصحابة وقد ماتوا.
*
الوقفة الخامسة: لو قيل لأحدنا أو لمن يفتي بالجواز سيقوم فلان.....بتمثيل حياتك مع زوجتك وأولادك وأصدقائك وأقوالك وأفعالك لأبى ولم يرض
فإذا لم نرضاه لأنفسنا فكيف نرضاه لصحابة نبينا وهم خير منا.
*
الوقفة السادسة: أن تمثيل الصحابة فيه كذب عليهم وذلك من وجهين:*
الوجه الأول: أن الممثل يقرأ مثلا أن فلان من الصحابة غضب أو حزن فيمثل ذلك الغضب والحزن بحركات معينة قد لم يفعلها ذلك الصحابي.
الوجه الثاني: أنهم يمثلون روايات وحكايات قد لا تصح عنهم.*
*
الوقفة السابعة: التمثيل التصويري الحركي يبقى في الذهن فلا يتصور غيره عند ذكر الممثل عنه وهو الصحابي وهذه الصورة الذهنية ليست هي الصحابي قطعنا.
*
الوقفة الثامنة: أن التمثيل فيه محاكات للصحابي في مظهره من شوارب ولحية وشعرالرأس ونحو ذلك.
فهل نجزم بأن شواربهم ولحاهم على تلك الهيئة؟!!
*
الوقفة التاسعة: هل نحن بحاجة إلى تمثيل الصحابة حتى نعرفهم؟!*
وهل لم يبق إلا هذه الوسيلة في تعريفهم؟!
وهل مفاسد هذا التمثيل أعظم أو مصالحه؟!
*
الوقفة العاشرة: ينبغي للعاقل أن يتريث في مثل هذه الأمور ولا تأخذه العجلة فالصحابة ليسوا كغيرهم
*فهم الأمة التي لم يخلق مثلها
*والجيل الذي سار بخبره القيل
والصفوة الذي اصطفاهم رب العزة
(إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا)
والله أعلم
وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أخوكم: أحمد بن عاشق المصارع
*


منقول