أيها القراء الكرام :
هذه الحلقة الثانية من هذا الموضوع – ولاأعلم – هل ستكون الأخيرة أم ستتبعها حلقات ؟ لاأدري
باعتقادي إخواني أننا لابد من مواجهة الواقع والحقيقة فيما يظنها المرء ويدين به أنها الحقيقة
وذلك خير من التغاضي ولو كان الأمر على من نحب ؟ نحن أمام أزمة أمة وكل يدلي بدلوه
والله يعلم المفسد من المصلح .
من خلال ردود بعض الاخوة في الحلقة السابقة برروا الموقف بأن الكلام ينصب
على البعض بل القلة القليلة !! وان كان الأمر كما ذكروا فلا داعي للموضوع أصلا
أن يطرق ؟ وما يعنينا بالقلة القليلة في أمر هذه الأمة ! فلذلك ارتأيت أن أكتب هذه
الحلقة لأبين أن عدداً غير قليل من العلماء – وللأسف .. مليون – هم من ساهموا في تخلف
هذه الأمة وتراجعها على المستويات التقنية والاقتصادية والتنموية بل ومحاربة من يحاول الاصلاح. ولايعنيني من يعتبرهم ليسوا بعلماء
فنحن نحاكم ونطرح ماكان ويكون واقعا ومشتهرا عند الناس –وأعتقد أني لست مضطراً كل حين لأبين أني لا أعمّم-
ولعلي أكتفي بالقرون المتأخرة والتي بدأ فيها مسلسل الانحدار لأمة الاسلام
فمن أميز تلك المراحل التي وقف فيها العلماء ضد الاصلاح والتجديد في
عصر الامام ابن تيمية فقد وقف معظم وأكثر العلماء أمامه بل أوغروا السلطة السياسية
ذاك الوقت عليه حتى زجوا به بالسجن مرات عديدة بل وتنتهي المسرحية بموته في السجن
وممن ؟ من العلماء!!!ولم يكونوا علماء بدعة ؟ بل علماء السنة من المذاهب الاربعة
فمجرد أي خلاف وخروج على المذهب صبوا جام غضبهم على المخالف !!
ومن المراحل المظلمة أيضا في تاريخ علمائنا تقعيداتهم الفقهية ومسائلهم الركيكة في
في قاعٍ من الهمجية والرعاعية كخلافاتهم في زواج الشافعي من المالكية والحنفي
من الشافعية !! والحمدلله أن تلك المسائل موجودة في كتبهم كي لايخرج علينا من يقول
دلل أثبت !!
بل وصل بهم الحال للتضارب بالنعال وفي المساجد !
واذا انتقلنا الى السنوات القليلة الماضية في عهد الامام المجدد محمد بن عبدالوهاب
نجد من قام ضده وسفه أمره هم العلماء المقيمين في عصره وسيأتي أمثلة على ذلك
وإليك أخي التاريخ لنعرف حقائق كي نعرف الصح من الخطأ:
يذكر الشوكاني أنه اجتمع بالشيخ : صديق الزبيدي الحنفي في بعض المواقف
بمحضر جماعة فيقول : وقعت بيني وبينه مراجعة في مسائل وأكثرت الاعتراض
في مسائل فقه الحنفية بالدليل وهو يتمحل الجواب لما يوافق الحنفية وينتصرلهم
فلما خلوت به قلت له اصدقني : هل ماتبديه في المراجعة تعتقده اعتقادا جازما
فإن مثلك في علم السنة لايظن أن يؤثر مذهبه الذي هو محض الرأي في بعض
المسائل... فقال : لا أعتقد صحة مايخالف الدليل وإن قال به من قال ولاأدين الله
بما يقوله أبوحنيفة اذا خالف الحديث الصحيح(( ولكن المرء يدافع عن مذهبه ))
والسؤال : لماذا يدافع عن مذهبه اذا خالف الدليل؟؟
ووصل الأمر حتى قال بعض المتأخرين من الأحناف : إن الحنفي إذا صار
شافعيا يعزر ! وهذا الكلام ياسادة ليس لعامي أو جاهل بل لعالم !!
ويعتبر الشوكاني مثالا ظاهرا لماوصل إليه إيذاء المجتهدين من العلماء القلة
وتألب أرباب التقليد من السلاطين والعلماء والعوام عليهم يقول رحمه الله :
ولكنه قد جفاني جماعة من الذين لايعرفون الحقائق لصدور اجتهادات مني
مخالفة لما ألفوه وعرفوه وهذا دأبهم خلفا عن سلف لايزالون يعادون من بلغ
رتبة الاجتهاد وخالف مادأبوا ودرجوا عليه من مذاهب الآباء والاجداد.
وعندما قام الامام ابن عبدالوهاب بدعوته تسارع (مئات العلماء) الى محاربته
ومحاولة القضاء عليها لأنه خالف مادأبوا عليه , وكان قلة القلة بل أقل,
ممن كان يناصر دعوة الشيخ عندما يناقش ويقنع عوام الناس يردون
عليه بأن العلماء نابذوه وحذروا منه أفنكون أعلم وأبصر منهم ؟؟!!!!
وش رأيكم ؟ أفلا تعقلون \؟ أفلا تتذكرون ؟
العلماء – للأسف – نابذوا بين المجتمع كل من لم يتفق معهم في فرعيات
الفرعيات وخصوصا في مجتمعنا السعودي , وإليك هذه الحادثة , المحدث
المصري أحمد شاكر لما قدم للمملكة حاجا كان باستقباله علماء نجد وكانوا
متلهفين لرؤيته فلما دخلوا عليه في خيمته ووجدوه حليقا خرجوا من الخيمة
واستصعبوا أن يكون الشيخ الذي يسمعون عنه كل السنين حليقا, وحتى في
زمننا هذا لايزال بعض القضاة (وان كان منهم من هو مرفوع عنهم القلم) لايقبل
شهادة من ليس ملتحيا !! سبحان الله !! اللحية صارت هي المقياس !!
بل كأنه تشكّل عند كثير أن لك أن تغتاب وتكذب وتظلم وتكون حتى إمام مسجد لكن لا تحلق ولا تسبل فإن الناس سينظرون لك نظرة أخرى
والعلماء في العالم الإسلامي منهم من ساهم في الاستبداد السياسي ومنهم من انكفأ على نفسه ومريديه ولم يلتفت للأمة وأحوالها والأمانة الملقاة على عواتق ورثة الأنبياء !!
ومنهم من أغرق في فتاوى فرعية بل لا تستغرب أن تجد علماء بلد يجمعون على مسألة فقهية خلافية مشهورة بل والجمهور على خلافهم .. فسبحان الله
ويذكر القاسمي هذه الحادثة قبل مائة سنة تقريبا ويقول : أنه لما اجتهد
أحد العلماء في بعض الفتاوى التي لم تكن معروفة عند العوام والتي
لايذكرها غيره من العلماء انتصارا لقولهم حاكمه العلماء ومتعصبة
تلاميذهم عند السلطة وقال له أحد العلماء المشهورين: لو كان (الحمزاوي)
حيا ماجسرأحد على دعوى الاجتهاد !! والحمزاوي هذا أحد علمائهم
توفي, وياسبحان الله !! كم هي منتشرة عندنا هذه المقولة في زمننا هذا
وكم سمعنا ونسمع : لو كان ابن فلان وابن فلان أحياء ماتجاسر أحد
على ذكرالأقوال !!! تشابهت قلوبهم ! ولكنه زمن التبعية والعصبية
دوما ما تصمد بكل قوة !
وحوادث التصادم مع العالم الرباني ابن باز عندما كان في الدلم بيّنة ، ومن قبله ابن سعدي عند بعض منغلقي علماء القصيم الذين ألّبوا السلطة ضده لمجرد اجتهاد فقهي عملي .
والحاضر يحمل الكثير مما نسمعه ونقرؤه .
والحوادث كثيرة لكن خشية قلة فهم البعض تجعل الإنسان يكتفي بالأمثلة القليلة على الظواهر الكثيرة
فالله المستعان