



-
10 Dec 2009, 02:54 AM
#13
عضو فعّـال
..
• -موقف المذهب الشافعي:
تكاد تكون أضخم موسوعة فقهية أنتجتها المدرسة الشافعية هي "الحاوي الكبير للماوردي"، وفي هذه الموسوعة يقول الماوردي رحمه الله:
(والمرأة منهية عن الاختلاط بالرجال) (الحاوي الكبير، 2/51)
ولما تعرض الإمام النووي –ريحانة الشافعية- لظاهرة اختلاط النساء والرجال ليلة عرفة للدعاء والذكر أغلظ في تحريمها والتشنيع عليها، وذكر أن من علل تحريمها "اختلاط الجنسين" كما يقول رحمه الله في موسوعته "المجموع شرح المهذب" :
(ومن البدع القبيحة ما اعتاده بعض العوام في هذه الأزمان من إيقاد الشمع بجبل عرفة ليلة التاسع أو غيرها..، وهذه ضلالة فاحشة جمعوا فيها أنواعا من القبائح، منها: اختلاط النساء بالرجال، والشموع بينهم، ووجوههم بارزة، ويجب على ولي الأمر وكل مكلف تمكن من إزالة هذه البدع إنكارها) (المجموع، 8/140).
ومن المعروف أن المذهب الشافعي استقر على ما في كتاب المنهاج للنووي ، وأجل شروحه عندهم هو شرح الإمام ابن حجر الهيتمي الشافعي رحمه الله، وإمامة ابن حجر الهيتمي للمذهب الشافعي لاجدال فيها، حتى أن الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب –رحمه الله- لما ناظر بعض الشافعية في بعض مسائل الألوهية لفت انتباهه شدة تعظيم متأخري الشافعية لابن حجر الهيتمي (انظر مجموع الرسائل الشخصية للشيخ محمد) والمراد أن ابن حجر الهيتمي نص في هذا المصدر المركزي على تحريم اختلاط الجنسين فقال: (الاختلاط بالنساء مظنة الفساد) (تحفة المحتاج، 2/107)
بل إن الإمام ابن حجر الهيتمي لم يتحدث عن تحريم "اختلاط الجنسين" فقط، بل اعتنى بالتأكيد على أن تحريم اختلاط الجنسين هو مذهب متقدمي الشافعية أيضاً مستنداً على نصوص الإمام الشيرازي الشافعي صاحب المهذب، كما يقول ابن حجر الهيتمي في فتاواه:
(وفي المهذب في باب صلاة الجمعة: "ولأنها ،أي المرأة، لا تختلط بالرجال، وذلك لا يجوز" فتأمله تجده صريحا في حرمة الاختلاط، وهو كذلك لأنه مظنة الفتنة، وبه يتأيد ما مر عن بعض المتأخرين) (فتاوى ابن حجر الهيتمي، 1/203)
وما سبق هو مجرد نماذج فقط من معالجات الشافعية لموضوع الاختلاط، ويمكن للقارئ الفاضل أن يراجع المزيد من النصوص بنفس مفردة الاختلاط (لفظاً ومضموناً) في مصادر الشافعية الأخرى مثل: نهاية المحتاج للرملي (1/553) ، حاشيتا قليوبي وعميرة (2/144) ، حاشية الشبراملسي على النهاية (3/34) ، فتوحات الوهاب للجمل (2/206)، تحفة الحبيب للبجيرمي (2/226) ، وغيرها.
• -موقف المذهب الحنبلي:
أهم موسوعة فقهية مقارنة أنتجتها المدرسة الحنبلية هو بلا شك كتاب "المغني لابن قدامة" ويعرف كل من تابع تاريخ الفقه الإسلامي أنها تجاوزت الداخل المذهبي الحنبلي واكتسبت أهمية مرجعية عامة، حتى قال شيخ المقاصد العز بن عبدالسلام الشافعي عبارته الشهيرة "ما طابت نفسي بالفتيا حتى صار عندي نسخة من المغني"، بل عدّهُ المتأخرون أحد الموسوعات الخمس التي تجمع علوم أهل الإسلام، وفي هذه الموسوعة الرصينة يقول الإمام ابن قدامة في تعليل وجوب انصراف النساء قبل الرجال:
(فصلٌ: إذا كان مع الإمام رجال ونساء، فالمستحب أن يثبت هو والرجال بقدر ما يرى أنهن قد انصرفن..، ولأن الإخلال بذلك من أحدهما يفضي إلى اختلاط الرجال بالنساء) (المغني، 1/328)
وقال الإمام ابن قدامة أيضاً:
(المرأة ليست من أهل الحضور في مجامع الرجال) (المغني، 2/88)
وأضاف الإمام ابن تيمية الإشارة إلى آثار السلف في المباعدة بين الجنسين، حيث يقول رحمه الله:
(وقد كان عمر بن الخطاب يأمر العزاب أن لا تسكن بين المتأهلين، وأن لا يسكن المتأهل بين العزاب، وهكذا فعل المهاجرون لما قدموا المدينة على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ونفوا شابا خافوا الفتنة به من المدينة إلى البصرة) (الفتاوى، 34/181)
وأما الإمام ابن القيم -رحمه الله- فلم يكتف ببيان "تحريم الاختلاط" شرعاً كما ذكره غيره من الفقهاء، بل عقد له فصلاً خاصاً في كتابه المعروف "الطرق الحكمية" صدّره بقوله: (فصلٌ: ومن ذلك أن ولي الأمر يجب عليه أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفرج ومجامع الرجال) (الطرق الحكمية، 237).
ثم شرح الإمام ابن القيم مخاطر الاختلاط معززاً ذلك بآثار عن السلف كعمر بن الخطاب والإمام مالك والإمام أحمد وغيرهم .
واستمر تأكيد ابن القيم على تحريم الاختلاط في كتابه الآخر "إعلام الموقعين" وهو الكتاب الذي برزت فيه روحه الأصولية ورهافة ذوقه الفقهي، وبالمناسبة فهذا الكتاب من أميز الكتب التراثية في التدريب العملي على مهارات "تحليل علل الأحكام"، حيث يقول رحمه الله فيه: (النساء لسن من أهل البروز ومخالطة الرجال) (إعلام الموقعين، 2/114)
وأما المصادر التي تعين المعتمد في المذهب الحنبلي في مجال (القضاء و الفتيا ) فهما كتابي "شرح منتهى الإرادات" و "كشاف القناع"، وهما الكتابان المعتمدان تاريخياً في القضاء الشرعي السعودي، وقد كان صدر باعتمادهما في القضاء الشرعي عدة قرارات رسمية، وفي هذا الكتاب -أعني "كشاف القناع"- يقول البهوتي رحمه الله: (ويمنع فيه اختلاط الرجال والنساء، لما يلزم عليه من المفاسد) (كشاف القناع، 2/367)
وأما في علم (الآداب الشرعية) فإن من أوسع كتب الحنابلة فيها كتاب الإمام السفاريني الحنبلي "غذاء الألباب"، والذي شرح فيه منظومة الآداب الشهيرة لابن عبدالقوي، وفي هذا الكتاب يقول الإمام السفاريني رحمه الله: (والمحمود من الغيرة صون المرأة عن اختلاطها بالرجال) (غذاء الألباب، 2/400).
• -موقف الفقهاء المستقلين:
ثمة فقهاء آخرون لم يتمذهبوا ابتداءً بأحد المذاهب السنية الأربعة، ثم كان لهم وزن علمي داخل البحث الفقهي السني، ونأخذ نموذجاً لذلك العلامة المتفنن الشوكاني رحمه الله- الذي كتب أوسع شرح لأحاديث الأحكام المعروف بـ"نيل الأوطار"، وفي هذا الكتاب يقول الشوكاني رحمه الله:
(في الحديث –أيضاً- تمييز مجلس النساء إذا حضرن مجامع الرجال، لأن الاختلاط ربما كان سببا للفتنة الناشئة عن النظر أو غيره) (نيل الأوطار، 3/ 362).
ولايمكن الإطالة بأكثر من هذه النماذج من المعالجات الفقهية، والمراد منها الإجابة على السؤال الأول الذي طرحه الفريق المنسوب إلى (البحث الشرعي) والمتعلق بإشكالية: هل تعرف المذاهب السنية الأربعة لفظ الاختلاط؟
• وننتقل الآن إلى السؤال الثاني الذي طرحه بعض المنسوبين إلى (البحث الفكري) المتعلق بإشكالية أن الاختلاط نظام مرفوض جذرياً في الحضارة الغربية المعاصرة، ولايمكن أن يستوعب العقل الغربي المعاصر فكرة الفصل بين الجنسين في التعليم، مما سيسبب لنا حرجاً سياسياً ودبلوماسياً.
• -تجربة المدارس غير المختلط في المجتمع الغربي:
لايمكن استيعاب الواقع الغربي الحالي للمدارس غير المختلطة (المنفصلة) إلا بتصور عام عن الخلفية التاريخية لتطورات هذا الأسلوب التعليمي.
فمع تنامي هيمنة حركات المساواة في منتصف القرن الماضي -حيث كانت مزاج العصر- انتشرت المدارس المختلطة بشكل واسع جداً في المجتمع الغربي، وتعرضت المدارس غير المختلطة (المدارس المنفصلة) لنقد حاد باعتبارها جزء من التمييز على أساس الجنس، وأصبحت تلك المدارس المختلطة هي السمة الطاغية، وانتصر هذا النمط التعليمي حتى أن أحد الراصدين يرى أنه بعد العام (1945م) لم يكن هناك إلا نقاش محدود جداً حول جدوى التعليم المختلط (Weinberg,1981).
بينما يشير الدكتور بريهوني –المتخصص في تاريخ التعليم في كلية إدجيل للتعليم العالي- إلى أن انتشار "التعليم المختلط" في النصف الأول من القرن العشرين لم يتغلب على نظيره لأسباب تعليمية أو اجتماعية بشكل رئيسي، بقدر ما هي أسباب اقتصادية (Brehony,1984)
• وتطور تنامي اتجاه المدارس المختلطة في الولايات المتحدة إلى أن ظهر في مطلع السبعينات قانون يحد كلياً من برامج التعليم غير المختلط (المدارس المنفصلة) على أساس المساواة بين الجنسين وهو القانون المسمى (Title IX,1972) .
وبطبيعة الحال أصبح "التعليم المختلط" معطى بحثي أثار شهية الدارسين الاجتماعيين والمعنيين بشؤون التعليم، وانفجر منذ أواخر السبعينات وما يليها العديد من النتاج العلمي حول الموضوع كما يصور د.جنيفر شو ذلك فيقول (في السنوات القليلة الماضية ظهر تيار متواصل من التقارير البحثية والمقالات الصحفية التي تعيد فحص جدوى التعليم المختلط وغير المختلط) (Shaw,1984).
• ومع بدء بروز المشكلات المصاحبة لنمط التعليم المختلط، وعدم بروز تلك النتائج الإيجابية المبالغ فيها التي راهن عليها أنصاره، تناقص الحماس الشعبي العارم لهذا النمط من التعليم، وبدأ يتزايد الطلب الاجتماعي على المدارس غير المختلطة (المنفصلة) حتى أنه في التسعينات كما يصور ذلك في الولايات المتحدة البروفوسور سالومون –وهي أستاذة القانون الدستوري والإداري بجامعة سانت جونز في نيويورك- حيث تقول:
• (وفي نفس الوقت-أي في التسعينات- تزايد الاهتمام بالتعليم غير المختلط بين مدارس القطاع الخاص، فبين العام 1998 و العام 1999 لوحدها زاد التسجيل في مدارس الفتيات المستقلة بنسبة 4.4%. وأما في مدرينة نيويورك، بما تحمله من كثافة للمدارس الخاصة، فقد قفزت الطلبات إلى نسبة ضخمة تصل إلى 69%. ومن الواضح أن ثمة أمراً ما أقنع أولياء أمور الطلاب بأن المدارس غير المختلطة تمثل استثماراً جيداً في مستقبل بناتهم) (Salomone, 2003) .
• ومع هذا الطلب الاجتماعي إلا أنه في واقع الحال ظل هامشياً بسبب تلك التنظيمات التي حدت منه في التعليم العام، ولكن مع ازدياد ضغوط أنصار هذا الاتجاه ظهر في الولايات المتحدة عام 2002م تشريع فيدرالي جديد يعزز ضمن مواده نظام التعليم غير المختلط، ويدعمه ببرامج تمويلية، وهو القانون المسمى (NCLB,2002)، وبعد ذلك تزايدت المدارس غير المختلطة في أمريكا حتى بلغت إلى شهر نوفمبر 2009 –بحسب إحصائيات المنظمة الوطنية للتعليم العام غير المختلط- أكثر من 547 مدرسة عامة غير مختلطة (NASSPE,2009).
• وأما في بريطانيا فلم يظهر من الأصل قانونٌ يفرض التعليم المختلط، ولذلك بقي جزء من مدارسها محافظاً على النظام غير المختلط (المدارس المنفصلة)، ويقدرّها البروفيسور سميثرز –أحد ألمع خبراء التعليم في بريطانيا- بأنها تزيد على 400 مدرسة تعمل بنظام التعليم غير المختلط (The Observer,2006)، ولذلك يبدي أستاذ علم الاجتماع في جامعة سوسكس د.جنيفر شو هذه المقارنة ببقية الدول الغربية فيقول:
(على الرغم من أن بريطانيا ليست منفردة في هذا المجال، فإن الفصل الجنسي في مدارسها أصبح مظهراً متميزاً بحيث يضع نظامها للتعليم الثانوي بعيداً عن عدد من الدول المتقدمة التي يعتبر التعليم المختلط فيها مسألة طبيعية، كما في الولايات المتحدة على سبيل المثال) (Shaw,1984).
• وأما أهم (المنظمات الأمريكية) الفاعلة في مجال دعم التعليم غير المختلط (المدارس المنفصلة) فأهمها: المنظمة الوطنية للتعليم العام غير المختلط (NASSPE) وقد تأسست عام 2002م. ومؤسسة تعليم الفتيات، وقد تأسست عام 2002م (feyw.org). والائتلاف الوطني لمدارس الفتيات (NCGS)، وغيرها.
وأما في بريطانيا فأهم تلك المؤسسات الداعمة للتعليم غير المختلط: منظمة مدارس الفتيات (GSA) وتأسست عام 1974م.
• وكل هذه المنظمات لها مواقع خاصة على (شبكة الانترنت) توفر من خلالها مادة غزيرة حول مواقع المدارس التي توفر تعليماً غير مختلط (منفصل)، كما تزود الزائر بخلاصات لأبحاث ودراسات وتقارير تدعم موقفهم المناهض للتعليم المختلط، بالإضافة إلى أخبار دورية عن أهم المؤتمرات والندوات التي تدعم التعليم غير المختلط (المنفصل).
..
يتبع
التعديل الأخير تم بواسطة مراقب ; 10 Dec 2009 الساعة 02:57 AM
.
.
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
قوانين المنتدى
مواقع النشر (المفضلة)