( 3 )

التغيير السلبي ..

حينما أتذكر الطفولة .. لم تكن تأتي أجمل وأطرف المواقف بلا صورته .. ولا ذكرياته .. صديق ؟؟ , أكثر من ذلك .. قريب ؟؟ أكثر من ذلك .. أخ ؟؟ أكثر من ذلك .. لا أعلم أين موقعه ..
بدأ تغيره تقريبا ً وتخلقت مشاكله مع والده وبحكم صداقتي معه لم يكن لي دخل بينهما ولكني أسمع ما يقال من هنا ومن هناك .. بدأ بالإختلاف تقريبا ً بعد زواجه وهو متزوج في سن حديث .. وأتذكر إنقلابه الذي طابق المثل البدوي الشهير " الرجال ما يطلعها الا الصياح أو النكاح " .. وإختلفت حياته أكثر وأكثر .. وساءت علاقتنا تقريبا ً بعد زواجه ليس أنا فقط بل كل من حوله من زملاء الدراسة وأصدقاء حارتهم.. توفي والده وأصبح هو عائل الصغار .. فورث ما ورث .. إكتشفه قريب لهم يأكل أموال الصغار دون علمهم وضجت قصته في المحيط الصامت حولهم .. فقدم إلي أخوه يطلب مني بإسم الصداقة أن أتدخل .. وأن أجعله يعيد ما أخذ أو على الأقل يكشف ما أخذ فقط !! , لا أعلم كيف أكلمه ولكن بإسم المحبة .. وبإسم كل ما عرفنا من إخلاص .. تدخلت .. وليتني لم أتدخل .. أنا .. في جهة .. وأخوه الصغير معي يتحدث بإسم بقية أهله وهو في الجهة الآخرى .. فأشتد النقاش بين هذا حقي وهذا لي وهذا نصيبي .. لم آخذ شيء يذكر .. لا تكبرون الموضوع .. وأنفجر الصغير بالفضائح عليه .. وكأن الأعمار إنقلبت ..

مااااااااااا اتفه الحياة .. حينما تصغر وتصغر وتصغر .. حتى تتشكل في مبلغ من المال ... فتقطّع علاقاتك بالناس .. أعزائي القراء .. ماهي قيمة الحياة وأنت منقطع عن أصحابك وأهلك وإخوانك لأجل مال ؟ .. ما أجمل الحياة والتعاون مع الفقر والحاجة , أنت فعلت كذا وكذا وانت فعلت كذا وكذا .. فتلاجْ الأخوين وأنا بينهما .. هذا نصيف روح وهذا صغير مظلوم .. والغريب أن الصغير كان يرفع صوته بينما الكبير في عينيه الخوف وأنا أعرفه جيدا ً وقفت هناك .. حينما لم يعد للحديث الا الشد من الصغير والمرواغة من الكبير ورفع الصوت .. انتهى الكلام .. دون نتيجة ..


ركبت واخذت الصغير معي .. واخذ يحلف ويقسم ان امه تدعي عليه .. وانه لم يساعدها رغم حاجتها منذ سنوات .. وأنه دائما ما يرفع صوته عليها ويبكيها وياكل الاموال بالباطل ويستبيحها بطرق مختلفة ... احسس برغبة انا بالبكاء .. ليس عطفا ً على هذه العائلة المحتاجة فقط .. ولا ما حدث من قصة ودراما .. لا .. بل .. مالذي جعل صديق الطفولة هكذا ؟! , لمااذا ؟! هل يعقل انه يوجد على وجه الارض من يؤثر المال على كل شيء ؟ .. ويرى أن الدنيا المصائب التي تأتيه إبتلاء من الله لمحبة الله له ؟! .. وهذا تفكيره .. لم يفكر ماهي الرسالة الخفية خلف المصائب والضيقة التي تحدوه من كل جانب .. !! .. ولا زال بنفس التفكير إن الله يحبه ويبتليه بسوء السمعة وسوء الحال وإنغلاق كل باب ٍ أمامه .. وتفكيره هو تفكيره .. لم يأخذ ينظر إلى الجانب الآخر أبدا ً .. ويتواضع قليلا ً ويقول فقط !! .. " ربما أنا مخطىء في تصرفي هذا " .. أبدا ً .. لا يمكن له أن يعيش بوضوح فلذلك الدنيا ليست على وضوح ٍ معه .. يستخدم التورية ( حسب رأيه على عهدي به) .. فأصبح حتى كلامه الذي يصدق به يوضع في الإشتباه .. !!

حينما ألاقي بعض اقاربي الذين هم في سني ويعرفون علاقتي به .. يسألوني أخبار فلان .. " صديقي هذا " .. فأقول الحمدلله بخير إن شاء الله .. هم لا يعلمون بأنه تكاد تنغلق السنة لم اتحدث معه ولم يتحدث معي .. لا لشيء أكثر من أنه وضع الشيء رقم واحد هو المال .. وضحى بالبقية .. فخسر كل شيء .. والله أني إذا رأيت مسكنه أحس بأني أنظر إلى مقبرة .. ظلام دائم .. سكون مريب .. كأنه بيت أشباح .. مالذي طرأ عليه ؟! .. أين هو .. أبحث عنه في داخلي فأقول ليس هو ذا .. ولا هذا هو .. مستحيل .. أتذكر مواقفه الجميلة .. التفحيط بالملعب .. مواقف المدرسة .. مساعدته لي في تعليمي قيادة السيارة .. محبته بشاشته .. وأراه الآن صدفا ً منعقد الجبين .. كثير الشرود .. في داخله خوف كبير .. يفكر متخوفا ً وينظر للمستقبل البعيد حتى تعثر بأقرب حجر ٍ امامه .. بقي هو لنفسه .. وكل ما اسلف ذكره لا يتجاوز سببه 80 الف ريال ؟؟؟!



لأن أعيش برضى أحبابي وأصدقائي ومن حولي فقيرا ً مديونا ً خير ٌ لي من أن أعيش ثريا ً مسخوطا ً علي من الجميع .. صرح بها من صرح وكتمها من كتم .. بل إني والله أحب أن أسجن بالديون .. ويزوروني أحبابي وأهلي .. لخير ٌ لي مليون مرة من أن أملك مال قارون والكل يلمزني بسوء من أمامي , ويجترفون بي بذكر المساوىء من خلفي .. !!

أقف أحيانا ً عند أول حادث ٍ لي .. كان هو أول من وصل .. وكيف كانت مساعدته .. فأقول مثله لا ينسى .. لو عمل ما عمل .. سيعود .. إما بصحته أو بهرمه .. هو يحتاج غيره أكثر من حاجة غيره له ..

وأردد ( أليس ذلك بقادر ٍ على أن يحيي الموتى ؟ ) .. بلى والله .. قادر ..

ذكرت هذه القصة لشيء واحد فقط ألا وهو لتعرف عزيزي القارىء .. أن مثل هذا الصديق .. لو كان تغيره للإيجاب كيف سيكون نافعا ً لنفسه ولأهله ولأصحابه ولأمته كلها !! ..
هو قدم على تغيير وتقدم له .. ولكنه تغيير في الإتجاه الخطأ .. فنال السوء والفحش والكيد من كل لسان .. بل وأصبح كل تصرف لا يوجد له مبرر يوضع على جداره الأسود !! ..

عزمت على أن أخلد قصصه في كتابي الذي أكتبه فأسميته " مادر العصر ".. لأن له معي مواقف لا تنفصل عن مخيلتي ولا يمكن تجاوزها لأهميتها في طفولتي .. والعرب كانت تقول أبخل من " مادر " .. وبما أن ذكرياتي الطريفة معه لا يمكن فصلها عن ذاكرتي .. أخفيت إسمه وجعلته شخصية درامية مضحكة في الكتاب تختصر معاني البخل في هذا العصر كبعض صفاته مثل "الطاقية الصفراء " والسروال الذي يقول ارجوك أطلقني " , " والملابس التي لا تتغير فملابس الصيف هي هي وملابس الشتاء هي هي .. فذكرته في الفصل الثالث ( الذي يتحدث عن طفولتي ) .. في 9 مواطن .. ولعلي أكشف عنه حينما أصبح في الـ 60 من العمر ..


,




قصة أخرى ..

طالما دافعت عن هذا الحصن المنيع ..

فكدت أخسر أصدقاء واقع لأجله .. وحينما يشك الناس بأخلاقه وتفكيرة .. أردد لا والله .. مثله لا يخون .. وإني والله لأستأمنه على أهلي .. ولا أستأمن بعض من أعرف من أصدقائي .. فكان خالد جالس هناك قال لي " يا رجال خل عنك بس , مثله خائن لو تصنع الصدق " .. وسكت .. أتممت النقاش مع الشباب حول إقناعهم بالدليل والحجة عن نواياه الطيبة وسوء الفهم له .. وكان خالد على جهازه المحمول و يراقب الحديث دون مشاركة إلا بشيء جانبي عام غامض.. ويتبسم احيانا ً إبتسامة مائلة , وهو يعمل على الجهاز ..
فقال لي بندر .. لو انه يستوعب الواقع لما كان يفكر في كذا وكذا عند كذا وكذا .. فقلت له هو يفهم .. ويفكر صح .. ولكن كان بالتأكيد يقصد الشيء الفلاني وأوجد مخرج حسب ما أفهمه عنه .. فمثله لايمكن ان يكون هكذا .. هو ليس مثلي ومثلك .. هو فلااان , وضعه الإجتماعي كذا وكذا , ووضعه الديني كذا وكذا , وتربيته لا يمكن ان تجعله كما تراه أنت ولا أنت ..

نظر لي خالد وقال لي " قرب .. " , قلت " لالالااا عارف وش تبي لا " .. " لف المركى الي عليها الجهاز حتى أصبحت تقابلني وقال " دقيقة بس " .. نظرت إقتربت أكثر .. أخذت أقرأ كلمة كلمة .. حرف حرف .. أرتخت أعصاب فكي .. حتى أنفتح فمي .. دون أن أشعر .. يا الله .. نظرت فإذا خالد يبتسم إبتسامة نصر مستهزئة مائلة .. وعدت أضغط السهم لأسفل ثم لأعلى ثم لأسفل .. ثم أحدث الصفحة .. فإذا خالد يقول .." ما قلت لك " وأكمل " أدخل على الرابط اللي تحت بعد " قلت "لالا .. يكفي " انسحبت ولا اعرف حرف .. ولا كلمة أقولها .. هنا عرفت معنى الذهول ..
سكت ولا كلمة .. فإذا بالإثنين الباقيان يقولان " وش فيه وش فيه " ..

فأغلق خالد الصفحة .. وبقيت مذهولا ً حتى اليوم !!

معقولة ؟!

كل شيء جايز ..


ويا مقلب القلوب ثبـّـت قلبي على دينك .." أشهد أنها فانية .. "



,