الدنيا حلوة ملعونة
الدنيا هل سميت بهذا الاسم لدنائتها وقبحها وأنها لا تساوي عند الله جناح بعوضه أو لأنها
قريبة الزوال سريعة الانقضاء وأنها دار ممر إلى دار القرار والبقاء فما عند الله خير وأبقى ولو ملك الإنسان هذه الدنيا بحذافيرها يبقى أن ما عند الله خير وأبقى
وأرى أن المعنيين جائزان إلا أن المعنى الأول لا يطلق إلا بتفصيل والآخر يطلق بلا تفصيل
فالنبي صلى الله عليه وسلم قال (الدنيا حلوة خضرة)
وقال صلى الله عليه وسلم (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما ما والاه وعالماً ومتعلماً)فالدنيا وعاء وظرف زمان ومكان للأعمال الواقعة فيها فلا تذم ولا تسب لذاتها وإنما لعمل العامل فيها فإن كان عمله خيراً فهي حلوة خضرة وهي فرصة له للاستكثار من الأعمال الصالحة وخصوصاً -التقوى والعلم - فلم يأمر الله في كتابه بالتزود من الدنيا الا من هذين الشيئين فعلى الإنسان أن يسابق ويسارع ويبادر فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (خيركم من طال عمره وحسن عمله ) ولو كانت الدنيا ملعونة مطلقا فما الفائدة من طول العمر في هذه الدنيا الملعونة وأيضاً قوله صلى الله عليه وسلم (الا ذكر الله..............)أن هذا استثناء تام موجب منقطع فذكر الله والعلم والتعلم ليس من الدنيا في شيء وفي المقابل من جعل الدنيا قصده وهمه وشغله رضي بها واطمأن إليها يمسي بذكرها ويصبح في طلبها فهذا يطلب الحياة ولكنها الحياة الدنيا الحياة الدنيئة همه أن يعيش كيف ما اتفق حياة الأجساد وموت القلوب يود أن يعمر ألف سنه لا يحب الموت ويكرهه ويفر منه والله يقول (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم)ولكن لا يستغرب أن يوجد من يستبدل الأدنى بالذي هو خير ويشتري الضلالة بالهدى ويؤثر الفاني على الباقي فإن إيثار الدنيا على الآخرة مأثور في الكتب السالفة قال تعالى (بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى )فبئست الصفقة والتجارة تجارتهم خابوا وخسروا وجانبوا الفلاح فلم ينجحوا منهم من وقع في الفتنتيين شبهة وشهوة باصطحاب العقول المهاجرةالمجنبة التي لم تغتسل بنور الشريعة أرواث الحمير لو سكبت عليها مياه البحار ماطهرت أكرم الله القارئيين .
دار مآثمها تبقى ولذتها تفنى ألا قبحت هاتيك من داري
ليس السعيد الذي دنياه تسعده إن السعيد الذي ينجو من النار
جاء في البخاري في كتاب الرقاق عن علي معلقاً مجزوماً به أنه رضي الله عنه قال ( ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة ولكل واحدةٍ منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل .
وفي ألفاظ القرآن دلالة على التفريق بين الضرتين قال تعالى لما ذكر الدنيا( فامشوا في مناكبها ) ولما ذكر الآخرة قال (سابقوا ) ( سارعوا )
أخيراً هذه الحياة الدنيا منا من يعيشها طيبة في نفسه وأهله وماله على ما فيها من كدر وضيق وشدة يتزود منها بالقليل ويأخذ معه البلغة حتى يرتحل عنها إلى خالقه ومولاه الرحمن الرحيم الذي لطالما ظل يذكره بحاله ومقاله في الخلوة والجلوة محباً معظماً خائفاً راجيا ًراغباً راهباً يرجو أن يحشره مع نبيه صلى الله عليه وسلم بمنه وكرمه فرحمة الله أهل أن تسعنا وإياكم فرحمته وسعت كل شئ وسبقت غضبه فنرى محمداً صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان وعلي وبقية العشرة وأمهات المؤمنين وبقية الصحب الطيبين الطاهرين ويرى أئمة الدين أبا حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وشيخ الإسلام وتلميذه والمجاهدين والعلماء والصالحين ويقول ( الحمد لله الذي صدقنا وعده ) ولكن لن تكون الدنيا بإذن الله في القلوب بل في الأيدي ومتى ما تعارضتا ألقينا بالدنيا ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه
وأيقنوا معشر المسلمين أن الطريق يشرف بغايته فمن عرف أن الطريق يشرف بغايته هانت عليه مشقة الطريق اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ومن كل ما سألك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم أو استعاذ بك منه والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
وكتبه : عبد الرحيم
مواقع النشر (المفضلة)