دخلت صباح اليوم البقالة لأشتري خبزاً، فسمعت الموظف فيها يقرأ قول الله تعالى:" وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ"،
وقد كنت حفظت هذه الآية ورددتها كثيراً إلا أنها هذه المرة هزتني كأنها للتو أنزلت..خرجت وقلبي ينبض بـ بركات..بركات..بركات، وعقلي يقسم هذه البركات: بركة في المال، بركة في الوقت، بركة في المشاعر، بركة في العلم، بركة في العلاقات، بركة في الزوجة،بركة في الأولاد...وسماها الله بركات ولم يسمها رزقاً ليدوم الانتفاع بها..

أردت البركة فوجدت أن شرطها التقوى بعد الإيمان..فجمعت هذه الكلمة عن التقوى سائلا الله أن يجعلني وإياك ممن يلبسها متجملاً بها..
أهمية التقوى:
ولأهمية التقوى أوصى الله بها كل الناس، قال الله تعالى:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ
بل كانت وصية الله في كل كتاب منزل، قال الله تعالى:" وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ
ولأهميتها أوصى الله بها خير عباده، قال الله تعالى:" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ
وأوصى الله بها أمهات المؤمنين، قال الله تعالى:" يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ"، وقال:" وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا
وكانت التقوى هي الوصية التي تتردد على مسامع المؤمنين في كل حين وفي كل مناسبة، قال الله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ"، " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ"، " قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ".

تعريف:
وعلى كثرة ما سمعت عن التقوى إلا أني أريد تعريفا سهلا للتقوى؟ وكيف أعمل لأكون متقياً؟!
التقوى هي أن تجعل بينك وبين العذاب وقاية،وهي عمل الواجب وترك المحرم،فتقوى الله في الزواج أن يؤدي كل زوج واجباته، وتقوى الله في الأولاد أن يؤدي الوالد الواجبات تجاههم ، وتقو الله في الوظيفة أن يؤدي الموظف واجباته، وتقوى الله في الوالدين أن يؤدي حقوقهم...وكلما أدى المرء واجباته نال على ثمرات التقوى...
فما ثمرات التقوى؟
ثمرات التقوى كثيرة، منها:
1-أنهم أكرم الخلق عند الله، قال الله تعالى:" إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
2-أن الله ينجيهم يوم القيامة، قال الله تعالى:" وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ"، وقال:"ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا
3- أن الله يدخلهم الجنة، قال الله تعالى:" وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا"، وقال:" لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ
4-أن الله معهم، ومن كان الله معه فما يخشى؟،قال الله تعالى:" إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ
5-أن الله يرفعهم على أعدائهم يوم القيامة، قال الله تعالى:" وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
6-أن الله يرزقهم العلم والحكمة، قال الله تعالى:" يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً
7- أن الله يخرجهم من المحن والبلايا، قال الله تعالى:" وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا
8- أن الله يرزقهم من حيث لا يحتسبون، قال الله تعالى:" وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ
9- أن الله ييسر لهم أمورهم فلا توصد في وجوههم الأبواب،قال الله تعالى:" وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا
10- أن الله يكفر عنهم سيئاتهم ويعظم أجورهم، قال الله تعالى:" وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا
11- أن الله كتب لهم الفوز، قال الله تعالى:" إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا
12- أن الله يحبهم، وإذا أحبك الله، فلا تترقب ولا تتلفت، ولا تنتظر، فالخير بين يديه، وأمره كن ، وهل هناك أحق بالخير من أحباب الله، قال الله تعالى:" إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
13-أن الله يوفقهم للفلاح، قال الله تعالى:" وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
14-أن الله يتقبل منهم أعمالهم، قال الله تعالى:" إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ
15-أن المتقين خلتهم وصداقتهم دائمة، قال الله تعالى:" الأَخِلاَّء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ
16- أن الله يقربهم منه، قال الله تعالى:" إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ
17- أن الله ييسرهم للأعمال الصالحة، ويغفر لهم ذنوبهم ، قال الله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ".
هذه بعض الثمرات التي يهبها الله عباده المتقين، ولكن عندي

سؤال أخير:
بعدما قرأت كل ذلك زاد في قلبي الشوق لأن أكون منهم إلا أن هناك سؤالا يراودني، وهو هل يقع المتقي في الذنب، وهل وقوعه في الذنب يرفع عنه وصف التقوى؟

والجواب: أن الله عز وجل لم يطالب المتقي بالعصمة، بل كتب عليه قدره من الذنوب والمعاصي، فالمتقي قد يقع في الذنب، قال الله تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ...
ووقوعه في الذنب لا يرفع عنه صفة التقوى، قال الله تعالى:" وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ..." ثم ذكر الله بعد هذه الآية صفات المتقين، وذكر في سياقها:" وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ..." ففي ذلك دلالة على وقوع المتقي في الذنب وقد يكون هذا الذنب من الفواحش،
إلا أن الفرق بين المتقي وغيره أن المتقي يسارع إلى ذكر الله والاستغفار ولا يصر على ذنبه، قال الله تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ" ، وقال تعالى:" وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ"
رزقني الله وإياك التقوى، اللهم آمين.