بسم الله الرحمن الرحيم
يقولون أن شركة الاتصالات السعودية قامت بفصل أحد موظفيها بشعبة استعلامات الدليل (905) ، والسبب على عهدة الرواي أن هذا الموظف كلما اتصل به مشترك يسأل عن رقم أحد العملاء قال له بفضول :
( وش تبي بوووه؟)
من الأمراض المنتشرة حتى النخاع فينا معشر العرب (الفضول وحب الإطلاع) .. وهذه ليست مصيبة بحد ذاتها إذا وجهنا هذه الغريزة الفطرية التوجيه الصحيح .. فكان حب إطلاعنا على أشياء تفيدنا في ديننا ودنيانا ..
الفضول أو حب الإطلاع يسمي عند بعض العوام بـ (الشفاية) ولعلها تعني السؤال الذي هو شفاء العي كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ، أو من أشفى على الشيء أي اطلع عليه ...
وبعض الناس لهم القدح المعلّى في (الشفاية) .. وخيولهم لا تسبق في هذا المضمار .. مثل أخينا المفصول من شركة الاتصالات السعودية .. ويحدثني أحد الثقات الأثبات عندي أنه اتصل بأحد (الشفايين) أو الفضولين يوم وفاة أخيه في حادث مروري ـ رحمه الله ـ ، اتصل به معزياً : ُ أحسن الله عزائكم ورحم ميتكم وغفر له ‘ .. وذاك يرد متأثراً : ُ جزاك الله خيرا .. آمين .. جزاك الله خيرا ‘ وعندما أراد المعزِّي إغلاق الهاتف قال له ذلك الفضولي :
ُ يافلان .. من هو اللي علمك إنه مات ؟؟ ‘... سبحان الله .. الناس وين .... وغريزة حب الإطلاع ويييييييين ؟
وفي رواية أخرى أن هذا ذهب إلى إحدى القرى التي ينقطع فيها الإرسال ... فترك هاتفه الجوال في المدنية مفتوحاً موصلاً بالشاحن الكهربائي .. حتى لا تفوته أي مكالمات أو رسائل واردة !!! ...
طبعاً هذا قبل خدمة موجود (ولعل هذا يحسب لشركة الاتصالات السعودية حيث أنها تساهم في علاج ظاهرة الفضول ...
وهناك احتمال أن كل من يضع خدمة موجود ُ فضولي ‘![]()
ومن مظاهر (الشفاية) أو حب الإطلاع التجمهر عند أي حدث غريب .. والطريف أنني مررت بثلاثة حوادث على مقربة من بعضها .. فقال لي أحد الشباب : إن الأول حادث عرضي .. أما الحادثان الأخران فلاثنين من الفضولين كل واحد ينظر للحادث الأصلى فتصادما بينهما ؟ ( طبعاً أنا وقفت أشوف وش السالفة)
وعندما كنت في إحدى دورات الإسعافات الأولية التثقيفية قال لي الدكتور المحاضر ـ وهو متخصص في الإسعافات الأولية ـ : ُ أخطر شيء على حياة أو صحة المصاب تصرفات الفضولين أو تجمعهم حوله وحجب الأكسجين عنه .. وهذا يصيح شدوا من هنا ... شيلوه هناك ... خلوه لحد ما يجي الإسعاف ... لا لا تخلونه ...فيصاب أحياناً باختناق وأحياناً بشلل رباعي وأحيانا بخلع أو كسر مضاعف ... ‘ هذا بالإضافة إلى إغلاق السير .. والتضييق على رجال المرور ورجال الإسعاف والدفاع المدني ....
ومن الإفرازات الطبيعية للفضولي (الإشاعات) فهو عندما يعلم أن هناك حدثاً معيناً .. سواء جريمة أو حادثاً .. أو أمراً مريباً تجده يسأل فلاناً وعلاناً ... ثم يبدأ بتحليل المواقف ونشر توقعاته بين الناس ... وهذه التوقعات تترعرع في أحضان الفضوليين حتى تنمو الإشاعة فتبلغ أشدها ... وإذا كان في السند امرأة فحدث ولا حرج ... وتعلمون خطر الإشاعة في المجتمع ... فكم من بيت حطمت سمعته ؟ وكم من مسلم روعته؟ وكم من أمنٍ زعزعته؟ وكم من برئ ظلمته؟ ولذلك كان عذاب مصدر الإشاعة في البرزخ أن يقوم عليه قائم بكلوب من حديد فيشرشر أحد شدقيه حتى يبلغ قفاه..ثم يفعل بالشدق الآخر مثل ذلك .. ثم يعود للشدق الأول فإذا هو قد رجع إلى هيئته الأولى فيشرشره إلى قفاه ... وهكذا يعذب في البرزخ لأنه (يكذب الكذبة فتبلغ الآفاق) كما في الحديث ..
ومن مظاهر الفضول ... التدقيق في الناس والبحث عن زلاتهم ومعايبهم .... روي أنه دخل رجل على إبراهيم بن أدهم الزاهد ... فنظر إلى سقف البيت ... فقال : يا شيخ إن في سقف بيتك جذعا قد انكسر .. فقال إبراهيم بن أدهم : يا ابن أخي والله منذ عشرين سنة ما نظرت إلى السقف ... قال عليه الصلاة والسلام : " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " ..
عموماً مظاهر الفضول أو (الشفاية) كثيرة .... وأضرارها أكثر من أن تحصر .. والعاقل خصيم نفسه ... ولعلي أترك المجال لمشاركتكم واستقصاء مظاهر الفضول وأخطارها .. بعد أن أختم بهذه القصة التي تبين خطر الفضول على عقل أو عقيدة أو حتى إسلام المرء ....
إن دهاقنة الفضول وحب الإطلاع قد وجدوا في هذه الشبكة العنكبوتية .. شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) مرتعاً خصباً ومورداً جمّاً يشبع غرائزهم ويروي خوائهم الفكري أو الأخلاقي .... فتجد بعضهم يبحث عن كل شيء .. الغث والسمين .. النافع والضار .... الحسنة والسيئة .. فلا يسمع بمقطع إلا بحث عنه (وقد يكون فيه ما لا يحل سماعه أو رؤيته) ... ولا يسمع برواية ممنوعة إلا ألقى رحاله على محركات البحث بحثاً عنها .....
يروى أن بعض أساطين الفضول سمع بأحد كتب السحر والشعوذة فجلس سنتين يبحث عنه حتى وجده ... فأخذ يقرأه ـ كما يروي أحد معارفه ـ من باب الفضول فقط .. وعندما قرأ الثلث الأول من الكتاب ... تسلط عليه الجن ... وآذوه ... ولم يستطع التخلص منهم ... لأن لتحضيرهم طريقة في بدايات ذلك الكتاب ... وأما طردهم ففي أواخره .... وكان من أذاهم له أن خيروه بين السحر وبين أن يقتلوه أو يجعلوه مجنوناً ... وهذا ما حدث فعلاً حيث أنه أصبح مجنوناً يهيم على وجهه في الطرقات ..... ويتجمهر حوله الصبيان .. طبعاً هناك من دخل بسبب حب الإطلاع ثم الخوف من الجن إلى عالم السحر .. وهناك من قتل ......
العجيب أن بعضهم سمع برواية أدبية ممنوعة فجلس أشهراً ودفع من المال ما دفع ليحصل عليها .. وفي النهاية يخبر أنه حصل عليها وجلست عنده مدةً فلم يقرأها حتى الآاااااااااان![]()
أسأل الله أن يحفظ علينا ديننا وعقولنا ... وأن يعيذنا من الشيطان الرجيم وجنوده إنه سميع عليم .
[ وأكون سعيد جداً لو أضاف كل عضو مظهراً من مظاهر الفضول والأثر السيء لهذا المظهر .. وشكرا لحسن تفاعلكم مقدماً ]
مواقع النشر (المفضلة)